"الجائحة" للروائي علي القحيص شهادة على عصر مليء بالتغيرات
يجمع الروائي والصحفي السعودي الدكتور علي القحيص في روايته الصادرة مؤخرًا "الجائحة"، بين شهادته على التداعيات التي أثَّرت في المجتمعات العربية أثناء جائحة كورونا، وتشخيصه لطبيعة الحياة الإنسانية والاجتماعية التي لا تبقى على حال واحدة، وتتغير معالمها في صيرورة لا يملك الإنسان أمامها إلا الانصياع والتسليم.
وجاءت رواية الجائحة الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 142 صفحة من القطع المتوسط، وأهداها الكاتب إلى "الزمن الجميل الذي وافته المنية قبل وقوع جائحة كورونا"، الأمر الذي يشير إلى جو العمل منذ اللقطة الأولى، ويوظف هذا النوع من العتبات النصية في شدّ القارئ إليه وتحفيزه على استكشاف معالمه.
ويخوض بطل الرواية "صابر" مجموعة من الأحداث التي يفقد على أثرها أحد أصدقائه بسبب الجائحة، ثم يتعرض لمكيدة يخسر بسببها عمله ومكان أقامته، ويضطر إلى مغادرة البلد الذي عاش فيه سنوات طويلة من عمره. وتنعكس هذه الأحداث على الحالة الوجدانية لصابر،إذ يبدأ بملاحظة التغيرات العميقة التي حصلت في حياته الشخصية وإنعكاساتها السلبية، فيقارن بين ماضيه الآمن الجميل مع أسرته وأولاده، وحاضره الذي يشعر فيه بالوحدة، ويلاحظها كذلك على مدينته التي فارقها منذ زمن طويل ثم عاد إليها وقد فقدت روحها، ولم تعد تحمل سماتها القديمة.
يصف صابر التغييرات السريعة التي أحدثتها الجائحة على الناس قائلًا:
"وفي السوق شاهدت الناس وهم يسيرون متوجسين من بعضهم بعضًا، وعندما مرت قربي حافلة للركاب، لمحت تلك المقاعد الفارغة، ولمحت مشهدًا لم آلفه أبدًا. إنه مشهد خوفنا من بعضنا بعضًا. أخشى ما أخشاه يا صديقي أن نتعوّد على ذلك مدى الحياة، وأن نألف التباعد عن بعضنا بعضًا، وتتبلد مشاعرنا وتموت أحاسيسنا، وما سينتج عن هذه الحالة من نتائج سلبية كثيرة لا يمكن توقعها بسهولة".
ويمعن في طرح السؤال عن مصير البشر وسط هذه الجائحة، على لسان شخصية أخرى من شخصيات الرواية:
"صحيح يا صديقي أن الأرض باتت تحتاج إلى السكينة والهدوء بعد مئات السنوات من الضوضاء والصراعات والتناحرات والحروب وملء السماء بالطائرات التي لا تنتهي، وأن المدن باتت تحتاج لأيام تغتسل فيها، والأهم أن دور العبادة أضحت بحاجة لأن يُعقِّم روادها قلوبهم وأرواحهم من الكذب والنفاق والرياء والخداع. لكنني أتساءل عن مصيرنا نحن البشر، ونحن نتبعثر تحت شعارات التباعد الاجتماعي".
ويصف حالة صابر النفسية حين تنازعه نفسه إلى الماضي الذي بات مفقودًا بالنسبة له:
"وخلال ثوانٍ عابرة، يعود صابر إلى عشرات السنين الراحلة من عمره، ويشاهد ذلك الطفل الذي كانه وهو يلعب بين كثبان الرمال في الصحراء بقلب نقي وسريرة صافية. وفي ذاكرته المليئة بالصور يشاهد عشرات النساء اللاتي عرفهن في الحياة، وبين جموع هذه الصور تُطلُّ عليه تلك المرأة التي أحبَّها ذات يوم، واحتلَّت قلبه وعقله، على شكل استعمار عاطفي لا سبيل إلى الخلاص منه.
وينفجر في ذاته فجأة حنين إلى الماضي، وهو يضمُّ بين ذراعيه سنوات عمره الماضية، كأنما يخشى عليها من الضياع".
ويتساءل صابر عن التغير الذي أصاب العالم وقيمه فطعنه طعنة غادرة جعلته يفقد عمله بعد سنوات طويلة من الجد والاجتهاد:
وكانت لغة الرواية لغة رشيقة محايدة خدمت العمل الروائي وجعلته سهل الوصول إلى القارئ وأقدر على الاشتباك معه، كما ظهرت خلالها تناصات عديدة عبر نصوص شعرية تراثية لشعراء أعلام من أمثال المتنبي وجرير.
ومن الجدير ذكره أن علي القحيص كاتب وصحفي وروائي ورسام كاريكاتير سعودي من مواليد العام 1960 وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في الصحافة والإعلام، وعضو في جائزة الصحافة العربية وفي العديد من الهيئات والاتحادات العربية والدولية المختصة بالصحافة والإعلام، وهو كذلك محلل سياسي في كثير من الفضائيات العربية، وصدر له قبل هذه الرواية مجموعة من الروايات من بينها: "الكليجا"، و"مضارب التيه"، و"المسترجلات"، و"الحذاء رقم 10"، و"الفيس بوك"، و"جنرال ميدان التحرير".