جولة الرئيس الأميركي في المنطقة الأولوية للنفط
تأتي جولة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة من 13 إلى 16 تموز/ يوليو في مرحلة حرجة تشهدها المنطقة في ظل عدم وجود أي تقدم باتجاه حل عادل للقضية الفلسطينية، وتراجع الاهتمامات الإقليمية والعالمية بها على حساب ملفات عديدة برزت خلال الفترات الماضية وأهمها تشكيل حلف لمواجهة إيران وكذلك الملف النووي الإيراني الذي يشكل خطرا على الكيان الصهيوني، وما أحدثته الأزمة الروسية الأوكرانية من تداعيات على مستوى ارتفاع أسعار النفط، وملفات عديدة لا تكاد تنتهي في المنطقة المتخمة في الأزمات الاقتصادية وقضايا الفساد والتدهور المعيشي لشعوب المنطقة .
تلخص ورقة صادرة عن معهد السياسية والمجتمع أهداف زيارة بايدن إلى المنطقة، مع أن الورقة ترى أن الشرق الأوسط اليوم لم يعد يشكل أولويّة للولايات المتحدة التي اتبعت منذ عقد من الزمن سياسة انسحابية في المنطقة، ولكنها تعود إليها اليوم ولها غايات محددة تتمثل في احتواء الارتفاع الكبير في أسعار النفط الناتج عن الحرب الروسية الأوكرانية واحتواء التضخم الناتج عنه.
وحسب ما جاء في الورقة فإن الحرب الروسية في أوكرانيا بعثرت الأوراق في منطقة الشرق الأوسط ، فقد كشفت عن الأزمة غير المعلنة بين السعودية والإمارات والإدارة الأميركية الحالية، ما دفع بالإدارة الأميركية لمراجعة الحسابات، بعد أن اكتشفت الولايات المتحدة أنه لا غنى عن نفط الخليج لما يشكله من كتلة كبيرة في السوق قادرة على رفع الأسعار أو تخفيضها بالإضافة إلى حاجة حلفائها في أوروبا اليوم للنفط العربي خاصة مع محاولتهم للتخلص من واردات النفط والغار الروسي.
حاجة أميركا إلى النفط السعودي
لذلك يعد الهدف الأول المعلن لزيارة بايدن للسعودية، محاولة إقناع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وزعماء دول الخليج برفع إنتاجهم من النفط، ولكن تبدل المواقف في المنطقة، كما حدث بموقف الإمارات التي صوتت مرتين بالحياد في الأمم المتحدة فيما يخص الموقف من الحرب الروسية ناقوس الخطر، فضلاً عن الغزل والتقارب السعودي مع الصين.
الرئيس الأميركي سيتجاوز الفتور في العلاقة مع السعودية والذي نتج عن مطالب خلال حملته الانتخابية بعدم بيع السلاح إلى السعودية، بسبب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وتسريب وثائق مرتبطة بمقتله تلمح لمسؤولية ولي العهد السعودي، والانتقادات لحرب اليمن، وما عمق الفتور وصول الإدارة الأمريكية إلى قناعة بتضاؤل أهميّة نفط الشرق الأوسط خاصة مع ثورة النفط الزيتي في الولايات المتحدة وتحولها إلى دولة مصدرة للنفط.
لكن الهدف غير المعلن لزيارة بايدن إلى السعودية يتمثل بمقايضة النفط السعودي بعود العلاقات لمجاريها.
تشكيل تحالف ضد إيران
ويبحث الرئيس الأمريكي أيضا في زيارته للمنطقة عن مكاسب في ظل اقتراب الانتخابات النصفية والتي تنذر بخسارة الحزب الديمقراطيّ للأغلبيّة في الكونغرس حسب استطلاعات الرأي في حال لم تستطع الإدارة الأمريكية تحقيق مكاسب سريعة لقلب الاحتمالات، وهي مكاسب ترضي الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى إلى تشكيل تحالف في المنطقة ومع دول عربية ضد إيران.
وما يزال الوصول إلى اتفاق نووي أولوية للولايات المتحدة ولكن ثقة الإدارة الأمريكية بإمكانية الوصول إلى تفاهمات تؤدي لإعادة إحياء الاتفاق ضئيلة مما يجبرها اليوم على البحث عن بدائل ، للوصول إلى اتفاق نووي مع إيران بالسرعة القصوى والمحاولة مرة تلو الأخرى لاستئناف المفاوضات بعد تعثرها بهدف الوصول إلى حل جذري لقضية الملف النووي الإيراني وغيره من القضايا الخلافية المتعلقة بالتحركات الإيرانية في المنطقة.
رأت ورقة معهد السياسية والمجتمع أنه سيترافق مع زيارة بايدن إلى المنطقة تجميد ملفات الديمقراطية وحقوق الانسان مقابل إعادة إحياء ملف الاتفاقات الابراهيمية.
استئناف عجلة التطبيع العربي مع الكيان المحتل
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فإن بايدن الذي سيلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال زيارته التي ستشمل الكيان المحتل وفلسطين والمملكة العربية السعودية، لن يستطيع ولا يريد التراجع عن قرارات ترامب المتعلقة بالقضية الفلسطينية ويفضل تجميد القضية خاصة مع عدم وجود تصور لدى الإدارة الديمقراطية لدفع عملية السلام إلى الأمام.
ولكنه سيسعى إلى استئناف عجلة التطبيع العربي مع الكيان المحتل ،إذ أن "إسرائيل" ترى أنها ستبقى ناقصة ما لم يحدث تطبيع للعلاقات مع المملكة العربيّة السعوديّة، وخاصة مع وجود حديث حول تشكيل تحالف عسكري دفاعي في المنطقة.
بالنسبة للأردن رغم العلاقات المتميزة مع إدارة الرئيس الأميركي بايدن وارتفاع المساعدات الأميركية إلى الأردن في الأعوام الأخيرة، وازدياد التعاون العسكري بين الطرفين، إلا أن الأردن الذي يمر بهواجس كبيرة تخص تراجع دوره الإقليمي وتهديد مصالحه من خلال تجاوز دوره التاريخي ومصالحه وتجاهلها في ضوء عملية التطبيع، فإنه لا يستطيع ولا يقبل أن يكون جزءًا من مشروع ترامب وكوشنر الذي يلزم به الكيان المحتل والمتمثل بتطبيق صفقة القرن ودمج الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة لاعتبارات داخلية وأمنيّة وتاريخية.
بالرغم من بروز رؤى أوروبية متعددة تجاه المنطقة، وقلق أوروبي من نتائج السياسات الأميركية، بخاصة مع الانسحاب من أفغانستان والوضع في سورية والعراق والاتفاق النووي مع إيران، وبالرغم كذلك من بروز أدوار أوروبية أكبر في منطقة شمال أفريقيا، إلاّ أنّه لا توجد مؤشرات على المدى القريب إلى إمكانية بروز دور أوروبي يحمل رؤية مستقلة ومختلفة تمثل مساراً مغايراً أو مختلفاً عن المسار الأميركي.
في استطلاع نشره المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، فإن " إسرائيل" تعتبر أن مركز زيارة بايدن إلى المنطقة ليس الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وإنما السعودية، وأن المجهود الأساسي الذي سيبذله بايدن خلال زيارته للرياض هو ضم السعودية ودول المنطقة إلى التحالف ضد روسيا، والحصول على تعاون من جانب دول المنطقة مع أزمتي الطاقة والغذاء العالميتين في أعقاب الحرب في أوكرانيا، ولجم التضخم المالي في الولايات المتحدة.