تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا قديما لوزير مالية الاحتلال الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش يعبر فيه عن رؤيته حول
مريم تروي قصة نزوح عائلتها 3 مرات وتقول "يا أسفاه على العروبة"
"نحن على عهد الجهاد وكل صامت سيذوق ما نذوقه ولو بعد حين"
في حديث لها عبر حسنى صباح اليوم، سردت مريم سلامة قصة النزوح التي عايشتها هي وعائلتها لثلاث مرات من شمال القطاع حتى جنوبه، ورسمت صورة مؤلمة للحياة التي يعيشها الغزيون في عدوان يستمر لليوم الخامس والتسعين على التوالي.
مريم طالبة إعلام رقمي تبلغ من العمر 20 عاما، وهي في سنتها الثالثة في الكلية الجامعية. تقول مريم أن الاحتلال دمر ما تبقى من أحلام بتدمير كليتها وجامعتها، وذهاب أكثر من 3 أشهر من المفترض أن تكون اجتازت فيهم الفصل الأول من عامها الدراسي الثالث.
عائلة مريم مكونة من ثمانية أفراد بما فيهم والدتها ووالدها المريض بالفشل الكلوي، وشقيقتها المتزوجة التي نزحت معهم برفقة أربعة من أطفالها بعد أن علق زوجها في شمال القطاع وتقطعت به السبل للوصول إليهم.
الخروج الأول من المنزل تحت التهديد
كانت تقطن مريم قبل السابع من تشرين أول من العام الماضي في مدينة غزة في حي الرمال، في المربع السكني الذي يحمل اسم "الريس"، وفي اليوم السادس من العدوان على غزة، طلب جيش الاحتلال من سكان الحي إخلاء المنطقة بأكلمها تحت تهديد القصف والتدمير، حيث كانت أول رحلة نزوح لمريم وعائلتها.
"لم نكن لنخرج من غزة إلا خوفا على والدي الذي يحتاج غسيلا للكلى وبعد أن قصف الاحتلال كل الشوارع التي نستطيع الوصول بها إلى مستشفى الشفاء الطبي، لم يكن أمامنا سوى النزوح".
على إثر ذلك، أٌخليت منطقة حي الرمال بالكامل ونزحت مريم وعائلتها إلى منطقة دير البلح جنوبي القطاع إلى منزل لأقارب والدها.
ماذا أخذت مريم وعائلتها عند خروجهم من المنزل؟
تجيب مريم : "يا ليتنا أخذنا!"، فلم يأخذوا سوى الأوراق المهمة والمقتنيات الثمينة.
"حكينا متل ما حكوا أجدادنا أيام النكبة يومين وراجعين، طلعنا في سادس أيام الحرب، ما أخدنا حرامات ولا ملابس شتوية، وكل يوم بنحكي يا ريت أخدنا كذا وكذا".
رحلة النزوح
تصف مريم مشهد نزوحها وأهلها إلى دير البلح:
"نزحنا إلى منزل أقارب والدي، وهو منزل مكون من طابقين نزح إليه نحو 100 شخص معنا، وكانت فيه العديد من العائلات، كلٌ منها من ثقافة مختلفة، حيث كانت تسود أجواء الخوف وتحصل العديد من المشاكل بين الساعة والأخرى، لا ماء ولا كهرباء ولا مواد غذائية تكفي، حتى داخل المنزل كنا نصطف في طابور للدخول إلى الحمام أو الحصول على دور لنا في المطبخ".
"كان الأمر صعبا جدا جدا ، لا خصوصية لنا كبنات".
نزوح ثانِ نحو القرارة
وبعد ثلاثة أسابيع على النزوح إلى دير البلح، تقول مريم أن جيش الاحتلال أرسل المناشير وهدد سكان المربع الذي كانوا يمكثون فيه بالقصف ما أجبرهم مرة ثانية إلى ترك المنطقة مشيا على الأقدام والاتجاه نحو منطقة القرارة في خانيونس جنوبي القطاع. تقول مريم أنه تم قصف عدة منازل محيطة بالمنزل الذين نزحوا إليه وأنهم نجوا بأعجوبة.
"خرجنا تحت قصف المدفعية والتهديد ونجونا بأعجوبة، نحن ننجو بأعجوبة كل يوم لمدة 95 يوما من هذا العدوان الغاشم "
وتصف مريم البيت الذي نزحوا إليه في القرارة:
"في كل مرة كنا ننزح فيها كنا نحمد الله أننا ما زلنا بخير، كان البيت الذي نزحنا إليه في القرارة شغيرا جدا فيه العشرات من العائلات، والوضع كان كارثيا من الناحية الإنسانية والخصوصية وحتى الصحية، كنا نحاول فقط أن نوفر الأمان للأطفال والمرضى الذين معنا".
"إن شعب غزة لم يخلق للعيش بهذه الطريقة اللاإنسانية."
"إن شعور النزوح في كل مرة يخلق مرارة في العيش ويدمر الإنسان ويشعره بتعب مضاعف".. تصف مريم شعور النزوح.
غسيل الكلى تقلص إلى النصف
وعرجت مريم أثناء سرد قصتها على معاناة والدها المصاب بالفشل الكلوي، حيث قالت إن المستشفيات التي ما زالت تقدم خدمة غسيل الكلى قلصت مدة تقديم الخدمة، فعوضا عن غسيل الكلى لمدة أربع ساعات ثلاث مرات أسبوعيا، أصبحت ساعتان مرتان أسبوعيا فقط، ما يصعب من حالة مرضى الكلى ويهدد صحتهم.
"والدي مريض كلى، نزح على كرسي متحرك تحت قصف المدفعية وكان يبكي، وإذا بكى الرجال فعلم أن المصاب جلل".
النزوح الثالث نحو المستشفى الأوروبي
ولذات أسباب النزوح الأولى، نزحت مريم وعائلتها للمرة الثالثة من القرارة إلى محيط المستشفى الأوروبي جنوب القطاع تحت تهديد القصف والقتل والاعتقال الذي يمارسه جيش الاحتلال في المناطق التي يتوغل فيها.
ما هي أصعب لحظة مرت بها مريم خلال 95 يوما؟
تقول مريم أنها وصلت وعائلتها إلى محيط المستشفى الأوروبي متعبين منهكين، وكان لوالدها موعد غسيل كلى في مستشفى يوسف النجار، حيث بدأت تبحث له عن قطعة خبر ليفطر عليها قبل أن يتوجه إلى جلسة العلاج.
"كانت مشاعر عزة نفسي وأنا بسأل الناس معكم خبزة لوالدي صعبة جدا عليّ، كنت أسألهم ولو بيعوني بيع الخبز، كان أصعب موقف خاصة ونحن اللي كان الخبز متوفر بكثرة ببيتنا وكان بيتنا بيت عز وكرم وضيافة، نحن اللي كانت بيوتنا بيوت عز ندور عفتات خبز عشان مرضانا وأطفالنا وشيوخنا!! هذا المشهد كل ما بتذكره بتألم!".
وضع لا إنساني صعب على الجميع
كيف تحصل مريم وعائلتها على الطعام؟ تبين مريم أن هذه المهمة هي مهمة صباحية لأفراد العائلة حيث يتوجه كل فرد فيهم لمكان مختلف محاولا الحصول على الطعام. وتقول مريم إن الوضع في محيط المستشفى يكون أكثر صعوبة؛ حيث من المحظور إشعال النار والطبخ لما من الممكن أن يؤثر على المرضى والجرحى. فيعتمد غالبية الأسر في الخيم على المعلبات فقط.
"كيف كنت أشعر بالبرد وأنا في بيتي؟ نحن اليوم في خيمة، أو بالأحرى مركزين خشب ونايلون عشان الأطفال.. كيف كنا نشعر بالبرد ونحن في بيتنا بين أربعة حيطان وعشرات الأغطية؟ نحن لو لم نمت من القصف حنموت من البرد والجوع."
أما عن الدخول إلى الحمام فتقول مريم أنه نظرا لوجودهم بجانب المستشفى فهم يستخدمون حمامات المستشفى، إلا أن الوصول يستغرق نحو 10 دقائق في كل مرة، إضافة إلى مدة انتظار تتراوح ما بين 10 إلى 20 دقيقة، يقضونها بالوقوف في طابور، منوهة أنه لا مياه صالحة للاستخدام داخل الحمامات.
أما عن مياه الشرب فتقول مريم:
" ما في مي حلوة، مش متوفرة، المي اللي بنلاقيها شو ما كانت بنشربها".
"الوضع صعب، الأمراض تفشت بشكل كارثي ومش طبيعي، الكل أصبح لديه التهابات بالكلى ومصاب بالإنفلونزا بسبب الاكتظاظ بشكل كبير".
الغزيون يقننون مصاريفهم إلى أقصى الحدود
وتقول مريم أنه لا مساعدات وصلت إليهم منذ أربعين يوما سوى مرة واحدة، وأن تجارا يتوجهون إلى رفح جنوبا يحضرون المعلبات وبعض البضائع ويفرشونها في ساحة قريبة من المستشفى ويبيعونها بيعا للمواطنين.
"نحن نشتري البضاعة بأضعاف أضعاف أثمانها السابقة، في السابق كان ثمن علبة الفول الواحدة نصف دينار مثلا، أما اليوم باتت أربعة دنانير، وهذه العلبة بالطبع لا تكفي لإطعام عائلة من ثمانية أفراد وأكثر".
معاناة أخرى يضيفها النزوح على الغزيين، فتقول مريم أن عائلتها رفعت حالة الطوارئ المالية القصوى لتعتمد فقط على المعلبات، فلا دجاج ولا لحمة ضمن طعامهم، فالتقنين إلى أقصى درجة حتى تكفي المبالغ المالية التي كانت معهم إلى نهاية الحرب.
"نحن تركنا .. يا وحدنا"
كيف يرى الغزي من الداخل موقف الأمة الإسلامية والعربية مما يحصل معه؟ تصف مريم ذلك بقولها أنه "لا شعور يوصف"، حتى أنها لم تستطع ترجمة مشاعرها لنفسها، فاعتاد الجميع مشهد موت الغزيين.
" نحن تركنا وحدنا .. اليوم الحرب على غزة بكرة لو ضل العالم ساكت رح تصل الحرب إلى كل العالم، إلى الأردن والقاهرة وكل مكان".
"أين العالم مما نحن فيه؟ لا نريد مساعدات، لو العالم كان مهتما فعلا لما وصلنا إلى 95 يوما من الحرب، لمن نشكي وماذا يمكن أن تكون فحوى شكوانا؟ الكل يرى ويصمت".
وتفخر مريم بذات الوقت بكل إنسان عربي شريف استطاع أن يهتف ولو لمرة واحدة دعما للغزيين ولفلسطين، موجهة نصيحة للشعوب العربية بأن تنتخب من سيقوم فعلا بمقاومة الاحتلال ورفض الرضوخ إليه.
وتستذكر مريم كأس العالم لكرة القدم عندما كان الغزيون يفرحون لفوز المنتخبات العربية، واعتبارها عرسا وطنيا.
"يا ليتني لم أفرح لهذه الحكام وهذه الشعوب، يا أسفي على هيك عروبة وأمة اعتادت موتنا".
استشعروا النعم فإنها لا تدوم
وتؤكد مريم أنها وعائلتها بمعنوية عالية رغم صعوبة العيش، فهم ما زالوا على يقين أن الجهاد أمر رئيس وشيء حتمي لا يمكن المضي بدونه، وأنهم على العهد في ذلك رغم كل صعوبة ما يحدث.
وبكلمات إيمانية، تقول مريم أنه طالما حبل الوصول إلى الله عز وجل موصول لن يكل الغزيون من الدعاء. مؤكدة بيقين المؤمن أن الفرج قريب وأن دعاء الغزيين لن يذهب سدى وأن العدوان سيمضي وسيبقى من ينقل الحكاية ولو بعد حين.
وتوجه مريم رسالة لكل من يشاهد ما يحصل في غزة:
"استشعروا النعم الموجودة نعمة الدفء والأهل والعمل والحياة، كل يوم نجلس أنا وعائلتي ونستذكر بيتنا وخزانات المياه الممتلئة، كيف كنا نحكي اوف عالعدس، وأوف على العمل لما يزيد و على دوام الجامعة لما يكون متأخر، لكن انتم استشعروا النعم، فكل يء جميل طالما أنت مش مهدد، احمدوا ربنا كتير."
هل سيكون هناك نزوح رابع؟
وتختم مريم سردها لقصة نزوحها وعائلتها مبدية خوفها من أن يكون نزوحهم لم ينته بعد، فالاحتلال الغاشم يتوغل مؤخرا برياً من منطقتي مَعن والمنارة القريبتان من المستشفى الأوروبي، حيث لم يتوقف القصف طوال الليلة الماضية على محيط المستشفى الأوروبي.
"نحن نحاول الآن أن نوفر خيمة صالحة للتنقل لنذهب بها إلى رفح لنبدأ حياة نزوح جديدة وقصة نزوح مؤلمة جديدة".
"على قد ما قلبي محروق على العالم كلو.. لكن بقول الله لا يورجي أحد اللي بنعيشه".