في إطار الجهود الوطنية لحماية الأطفال وتعزيز حقوقهم، أكد أمين عام وزارة العمل الدكتور عبد الحليم دوجان التزام الأردن بمنع جميع أشكال
لماذا يبقى أجر العامل الحلقة الأضعف رغم القوانين؟ وأين تتعطل منظومة حماية الرواتب؟
في وقت تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية، وتتراجع فيه القدرة الشرائية للأسر، تتحول الرواتب غير المدفوعة من أزمة فردية إلى ظاهرة تهدد الاستقرار الاجتماعي وكرامة العمل.
وبين شركات تتعثر أو تتهرب، وعمال يواصلون أداء واجباتهم بلا أجر، تقف الجهات الرقابية عند حدود صلاحيات قانونية ضيقة، فيما يبقى القضاء المسار الوحيد، لكنه الأبطأ والأثقل كلفة.
هذه الإشكالية أعادت طرح أسئلة جوهرية حول فعالية منظومة حماية الأجور، ودور وزارة العمل، وقدرة القانون على ضمان حق العامل في أجره دون استنزاف جديد.
عامل بلا أجر: كسب القضية دون ضمان التنفيذ
يروي أبو محمد لـ حسنى وهو موظف سابق في شركة من شركات القطاع الخاص، تفاصيل تجربة مريرة بدأت مع توقف الشركة عن دفع الرواتب لعدة أشهر، رغم استمرار العمل والدوام اليومي.
ومع تراكم الوعود والتأجيلات، لجأ أبو محمد إلى وزارة العمل وقدم شكوى رسمية، إلا أن تأخر المعالجة، ثم انتهاء علاقته التعاقدية، أسقط الشكوى من اختصاص الوزارة، ودفعه نحو القضاء.
المشكلة، كما يصفها، أبو محمدـ لا تكمن في إثبات الحق، فالمحامون يؤكدون إمكانية كسب القضية، وإنما في غياب التنفيذ، إذ إن الشركة ذات مسؤولية محدودة بلا أصول مسجلة، فيما يدير صاحبها عدة شركات تفتح وتغلق عند التعثر، دون مساءلة شخصية، ما يجعل الحكم القضائي بلا جدوى عملية.
وزارة العمل: رقابة بلا سلطة تنفيذية
من جهته، أوضح الناطق باسم وزارة العمل محمد الزيود لـ حسنى أن الوزارة تعمل ضمن حدود واضحة رسمها قانون العمل، ولا تملك صلاحيات التحصيل أو التنفيذ الجبري. ويبين الزيود أن دور الوزارة يقتصر على:
-
استقبال الشكاوى عبر منصة حماية.
-
إجراء التفتيش.
-
توجيه الإنذارات.
-
تحرير المخالفات التي تبدأ من 300 دينار بحسب نوع المخالفة.
ويؤكد الناطق باسم وزارة العمل، أن الشكاوى المتعلقة بالأجور يمكن تقديمها بسرية تامة، دون كشف اسم المشتكي، وأن تكرار الشكاوى بحق شركة معينة يضعها تحت رقابة تفتيشية مشددة، لكنه يشدد في المقابل على أنه متى انتهت العلاقة التعاقدية، تصبح القضية من اختصاص القضاء حصرا، ولا تعود الوزارة قادرة على التدخل، مهما كان وضوح الحق.
قراءة قانونية: حق العمال في الرواتب أولوية مهملة
وفي قراءة قانونية ناقدة، أكدت المحامية هداية فريحات لـ حسنى أن حقوق العمال تصنف قانونا كـ"حق امتياز" يقدم على باقي الديون، بما فيها الضرائب والالتزامات المالية الأخرى، باعتبار الأجور جزءا أصيلا من كلفة تشغيل الشركة.
وترى فريحات أن هذا الحق يعطي أولوية لمستحقات العامل، حتى لو كان على الشركة ديون أخرى، وأضافت بأن حقوق العمال "الرواتب" تعد كلفة تشغيلية للشركة، وبالتالي يتم دفعها أولا قبل أن يأتي موضوع الضريبة أو الضمان أو غيرها من الديون؛ لأن القانون يقف دائما في صف الطرف الأضعف وهو العامل.
وأشارت فريحات، إلى المادة (23) من قانون العمل التي تكفل للعامل كامل حقوقه إذا ثبت أن فصله جاء بعد تقديم شكوى، لكنها تنتقد غياب الدقة في صياغة إنذارات وزارة العمل، مطالبة بالنص صراحة على أن سبب الإنذار هو عدم دفع الرواتب، لما لذلك من أثر حاسم في الإثبات القضائي.
كما تحذر من تفشي التهرب من اشتراكات الضمان الاجتماعي، وتدعو إلى تفعيل التفتيش الاستباقي بدل تحميل العامل وحده عبء الشكوى والمواجهة.
وطالبت هداية فريحات وزارة العمل بأن تذكر صراحة في أي تنبيه يوجه للشركات أن سبب التنبيه هو "عدم إعطاء الراتب" أو تأخره، وذلك بسبب مواجهة المحامين في القضاء صعوبة في إثبات أن الإنذار كان بسبب عدم دفع الرواتب، وقد يحتاجون إلى إحضار مفتش عمل ليشهد على نوع التنبيه.
وتؤكد فريحات، أنه إذا ذكر بوضوح في التنبيه أنه بسبب "عدم إعطاء الرواتب"، فإن ذلك يختصر الكثير من الإجراءات في المحكمة لإثبات القضية، خاصة وأن نص المادة 23 واضح جدا بضرورة إعطاء العامل حقوقه كاملة إذا تم فصله بعد شكوى.
وأوضحت فريحات أن قرارات وزارة العمل تعد "مثل قرارات محكمة التمييز" بالنسبة للشركات، مما يشير إلى أن دور الوزارة أكبر من مجرد إعطاء التنبيه والإنذار.
كما أكدت على أهمية متابعة الشكاوى المتعلقة بالضمان الاجتماعي، حيث أشارت إلى أن الشركات تتهرب من دفع الضمان مما يضر بفئة كبيرة من العمال، ويمكن لوزارة العمل أن تقوم بتفتيش دائم وسري على اشتراك هذه الشركات بالضمان وإلزامها دون الحاجة لقضية باسم العامل.