أعادت عمّان ودمشق اليوم الأربعاء، العمل في المنطقة الحرة الأردنية السورية المشتركة حيث فعّلت من جديد الأنشطة التجارية والاقتصادية فيها،
مسار العلاقات الأردنية السورية بين التقارب والتباعد
أعطى قرار فتح الحدود بين الأردن وسوريا، في 29 / أيلول الماضي، فرصة لنمو العلاقات بين البلدين مجددا بعد قطيعة أحدثتها تبعيات الثورة السورية التي اندلعت في 15 آذار عام 2011، إذ جاء فتح الحدود جراء تطورات سياسية دولية هدفها إعادة إدخال سوريا إلى المحيط الإقليمي والدولي، وبعد أن توصل الأردن ولبنان وسوريا ومصر إلى اتفاق يسمح بتوصيل الغاز المصري إلى لبنان عن طريق سوريا واستجرار الكهرباء من الأردن إلى لبنان.
علاقات تاريخية بين الأردن وسوريا
الأردن وسوريا البلدان الجاران يرتبطان بعلاقات تاريخية لها جذور اجتماعية وثقافية قديمة، إذ أن كلا البلدين كانا تاريخيا ضمن سوريا الكبرى، حتى جاءت فترة الاستعمار فخضع الأردن تحت الحكم البريطاني، فيما سوريا خضعت للانتداب الفرنسي.
في عام 1932 شكلت لجنة لترسيم الحدود بين البلدين، بحيث تبدأ من نقطة تقع إلى الجنوب من بحيرة طبريا وتنتهي بنقطة قريبة من جبل طنف في الصحراء السورية.
وفي عام 1948 وبعد ما حل بالعرب من هزيمة في فلسطين وما تبع ذلك من ظروف سياسية واقتصادية في عدد من الدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة، مرت العلاقات الأردنية السورية بحالة من الاضطراب والخلافات بسبب عدم الاستقرار في سوريا وتوالي الحكومات فيها، فاقترب الأردن نحو العراق الذي كانت تحكمه الملكية وأعلن عن تحالف بين عمان وبغداد، ووصلت الأمور إلى ذروتها حتى تم الانفصال بين مصر وسوريا في عام 1961 حيث تسلمت قيادات جديدة الحكم في سوريا كانت على وفاق مع الأردن.
ولكن هذا الوضع لم يستمر طويلا لوجود قوى داخل سوريا ضد الانفصال الذي حصل، وما لبث أن تفجر الوضع بعد أن تم القضاء على حكم الانفصال في 8 آذار عام 1963، فتوجهت القيادة السورية نحو مصر في محاولة لإعادة الوحدة بين البلدين.
أحزاب أردنية لها امتدادات مع سوريا
تأثر الأردن بهذا الوضع لوجود أحزاب وتيارات سياسية قومية فشهد الشارع الأردني تحركات شعبية لها امتدادات مع الأحزاب السورية والتوجهات القومية في مصر، وبعد انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965 كانت دمشق تتبنى العمل الفدائي الذي تحول إلى الأردن مما أثر على العلاقة الأردنية السورية، وزادت التوترات العربية وبالذات بين الأردن وسوريا ومصر بعد هزيمة 5 حزيران عام 1967، واحتلال أراضيها وما تبقى من فلسطين التاريخية، فأصبحت الدول العربية في موقف المدافعة عن نفسها.
وعندما تسلم حافظ الأسد السلطة في سوريا في عام 1970 في حركة تصحيحية بيضاء بدأت صفحة جديدة من العلاقات بين الأردن وسوريا فتحسن المسار بين الجانين وشهدت المرحلة حالة من الوفاق، وجاءت حرب تشرين "أكتوبر" عام 1973، التي اندلعت على الجبهتين السورية من جانب ومن جانب آخر الجبهة المصرية مع العدو الصهيوني، وقف الأردن مع الأشقاء العرب وساند الجيش السوري على جبهة الجولان، فأرسل جيشه إلى هناك ليقف إلى جانب إخوانه في الدفاع عن الأرض العربية.
ولكن هذا الوضع شهد تحولات بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، التي دفعت بعض الدول إلى الوقوف كل مع دولة، فعاد التوتر بين الأردن وسوريا حيث اتجهت دمشق موقفا مغايرا لتكون مع الجانب الإيراني فيما كانت عمان تقف مع بغداد.
إنشاء منطقة صناعية أردنية سورية حرة
وفي نفس الوقت كانت سوريا تشهد صراعات داخلية بعد صدام السلطة مع الجماعات المسلحة في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، حيث اتهم الرئيس السوري الأردن بدعم حركة الإخوان المسلمين، ليعلن الملك الراحل الحسين بن طلال، في بيان رسمي أن الأعمال التي شهدتها سوريا في بداية الثمانيات من القرن الماضي كانت تنطلق من الأردن ضد سوريا ولم يكن يعلم بها، وعلى إثرها تحسنت العلاقات بين البلدين حيث ازدهرت العلاقات الاقتصادية والسياسية وتم توقيع عدة اتفاقيات تمخض عنها إنشاء منطقة صناعية أردنية سورية حرة، على الحدود بين البلدين، وتوقيع اتفاقية لبناء سد الوحدة، وشكلت في ذلك الوقت لجنة أردنية سورية عليا تعمل على تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
كانت الأحداث السياسية في المنطقة تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين الشقيقين، لوقوف كل طرف بجانب طرف آخر، فبعد حرب الخليج الأولى وقفت سوريا إلى جانب التحالف مع العراق، فيما كان الأردن يبحث عن حل سلمي لتجنب الحرب الكارثية التي وقعت في المنطقة.
الأردن وسوريا يشاركان في مؤتمر مدريد عام 1991
وبعد ما أفرزته الحرب من نتائج كان مرحلة جديد تشهدها المنطقة، إذ دعت الولايات المتحدة الأميركية إلى مؤتمر سلام ينهي الصراع في المنطقة حيث عقد مؤتمر مدريد عام 1991 برعاية أميركية روسية وجرت مفاوضات، لأول مرة بين الفلسطينيين والعدو الصهيوني بمشاركة الأردن وسوريا ولبنان، أعقب ذلك مفاوضات ثنائية بين "إسرائيل" والوفد الأردني الفلسطيني المشترك، لبنان وسوريا على التوالي، فجمعت هذه المفاوضات الدول العربية المحيطة بالاحتلال الإسرائيلي.
وبعد الثورة السورية التي اندلعت في 15 آذار (مارس) 2011 كان الأردن، أكثر قلقًا بشأن حماية قدرته على الصمود الداخلي من استمرار أو انهيار النظام السوري، حيث سعى الأردن مرارا وتكرارا إلى محاولات تسوية سياسية إقليمية ودولية لإنهاء الصراع السوري، حيث توقعت عمان التأثير التخريبي المحتمل لحرب طويلة على حدودها.
سوريا أكبر شريك تجاري عربي للأردن
في عام 2011 طلبت عمان من جامعة الدول العربية إعفاءها من قطع العلاقات مع سوريا وفرض عقوبات اقتصادية عليها، حيث كانت سوريا أكبر شريك تجاري عربي للأردن.
في ذلك الوقت، قدرت التجارة الثنائية بين البلدين بنحو 600 مليون دولار سنويا.
كما رأى المسؤولون الأردنيون ضرورة إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة بين المسؤولين الأمنيين والعسكريين بسبب مخاوف الإرهاب، كما كان الأردن يخشى أن يساعد أي صراع في سوريا المسلحين على الحدود الأردنية على توسيع معاركهم إلى مناطق شمال الأردن.
وعندما اندلع القتال في محافظة درعا جنوب سوريا حيث شنت القوات الموالية للحكومة قصفًا وهجمات برية في درعا البلد، مركز المقاومة السابق الذي ظل تحت سيطرة مقاتلي المعارضة السابقين، كانت أصوات الانفجارات تسمع في المناطق الأردنية المتاخمة.
ومع اشتداد المعارك استعادت القوات الموالية للحكومة محافظة درعا في عام 2018 في إطار خليط من صفقات المصالحة التي توسطت فيها روسيا مع مقاتلي المعارضة.
العلاقات التجارية طوق نجاة للبلدين
تعتبر العلاقات التجارية بين الأردن وسوريا طوق نجاه للإقتصاد في كلا البلدين ، حيث يواجهان تحديات إقليمية جراء ما يحصل من صراع داخل سوريا، وظروف معيشية فرضتها جائحة كورونا ، إذ يتطلع الاقتصاديون إلى بناء المزيد من المشاريع وتوفير مناخ لإقامة المزيد من الأعمال المشتركة وتذليك كافة الصعوبات التي تعترض المسيرة الإقتصادية بحيث يخرج البلدان من أزمتهما الإقتصادية
العلاقة الأردنية السورية مرت خلال هذه الفترات بحالة من التدرجات من عدم الود المتبادل أحيانا وحتى العداء المفتوح في أحيان أخرى، لكنها لم تزيل العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين بما يحملانه من جذور مشتركة في التاريخ وصلة القربى والتبادل التجاري والاقتصادي بينهما.