توفي مساء الجمعة منذر "سعد الدين" الزميلي متاثرا باصابته بفيروس كورونا، ويعد المرحوم أحد رواد العمل الكشفي في الاردن والعالم العربي حيث شغل
منذر الزميلي: في رحيل من نذر حياته للعمل الكشفي
منذر الزميلي: نصف عام على رحيل عميد الحركة الكشفية الأردنية
كتب حارث الطوس
تحتفل الحركة الكشفية بعد عامين بمئوية وجودها في الأردن، قضى الراحل منذر الزميلي أكثر من خمس وأربعين عاما من حياته فيها، كفرد كشّاف أولاً، وقائد لمجموعاتها وقطاعاتها لاحقاً، وممثلا لها في المحافل العربية أحياناً وأحد أبنائها دائماً.
"للأسف ما أعطيناه حقّه بحياته" يقول القائد بشار المعشّر قائد مجموعة كشافة ومرشدات بطريركية المصدار راثياً رحيل عميد الحركة الكشفية في الأردن القائد منذر الزميلي.
منذر الزميلي .. حياة من أجل الكشافة
تعود بدايات الراحل منذر الزميلي في الحركة الكشفية إلى عام 1975، حينما قرر نادي اليرموك استحداث مجموعة كشفية بمسمى مجموعة خالد بن الوليد الكشفية ليكون جزءاً من فرقة الكشّاف المتقدّم حينها، بعد عامين انتقل إلى السعودية لدراسة الإدارة في جامعة الملك عبدالعزيز وانخرط في صفوف الحركة الكشفية في الجامعة، يروي ابنه عبدالرحمن أنها كانت مرحلة غنية كشفياً للراحل لجملة من الأسباب أحدها أن الحركة الكشفية في السعودية كانت تحت إشراف القائدين المصريين فوزي فرغلي الأمين العام السابق للمنظمة الكشفية العربية، وشقيقه فتحي فرغلي رئيس الاتحاد العربي لرواد الكشافة والمرشدات بالتالي كسب تجربة كشفية مكثفة، وأهمها أن الراحل كان معنياً بنقل خلاصة التجربة الكشفية العربية إلى الأردن "اختار الكشافة لأنه شاف حاله فيها.. كان شايف بالكشافة مشروعه وباب جدّي يقدم فيه جهده" يقول عبدالرحمن.
ينقل القائد الحسن علي نصر الذي رافق الراحل الزميلي في حياته منذ السبعينات وحتى آخر أيامه أن عودة منذر الزميلي للمجموعة حملت للمشهد الكشفي مزيداً من التنظيم الإداري والعمق الكشفي المهاري بعد أن أصبح بعودته عام 1982 نائب قائد مجموعة خالد بن الوليد "كان عمل المجموعة الكشفي تربوي بالعموم.. لم يكن هناك برامج وخطط سنوية مثل اليوم"، لتكون بداية أن وضع ثلاث دورات مهارية كشفية يخوضها الكشّافون بشكل مكثّف "عندما رجع عقد دورة ملاحة برية ودورة عقد وربطات و دورة إسعافات أولية" يقول الحسن نصر، ويوضح أن هذه المظاهر انسحبت أيضاً على المخيمات الكشفية ومجمل الطريقة الكشفية "هو الذي أدخل بروتوكول التخييم الصباحي والضبط والربط والحبال والألعاب الكشفية والصيحات الكشفية أي أن رجوعه أحدث نقلة نوعية؛ بصراحة" يضيف الحسن نصر.
خلال فترة ترأسه لمجلس قيادة مجموعة خالد بن الوليد الكشفية واتحاد الكشاف المسلم وتحديداً عام 1989 أشرف الراحل منذر الزميلي على مخيّمين كشفيين بشكل متزامن، الأول كان لكشافة دول العالم الإسلامي في منتزه عمّان، والثاني كان مخيماً للأيتام بمسمى الملتقى الكشفي الإغاثي في جلعد-السلط وقسّم كوادر المجموعة على كلا المخيّمين، يروي القائد حسن نصر أن توجّه الراحل في المخيم الإغاثي كان نحو تمكين المشاركين الأيتام من حِرَف ومهارات قد تنفعهم مستقبلاً وتحقق دخلاً بسيطاً جنباً إلى جنب مع النشاط الكشفي المعتاد "سخّر كل الإمكانيات لإنجاح المخيمات.. حتى في المخيم الإغاثي أحضر أشخاصا ليعلموا الصغار ليصنعوا شعر البنات والفول والذرة والترمس وبعض الأمور الخفيفة مثلها" يقول القائد حسن نصر.
التجربة هي الميدان
يروي غيث التل أحد أبناء مجموعة خالد بن الوليد في الثمانينات، أن قائده منذر الزميلي عادةً ما كان أول من يجرّب أي نشاط أو تحدّي قبل أي شخص، وهو ما دفع ثمنه في أحد المرّات بأن كُسر كتفه حينما جرّب الانزلاق بالبكرة المربوطة بحبل بين شجرتين في مخيم دبّين الكشفي حينما تم رفع مستوى التحدي لشجرة أطول، ومما ينقله أيضاً أن للراحل عادةً في مراقبة الكشّافين وقدراتهم القيادية في أن ينظّم دوري لكرة الطائرة ويبدل قيادة الفِرق بين الكشافين ويراقب كيف يتعامل كل منهم مع فريقه؛ ببث الحماس فيهم وتنظيمهم أو حتى بتعامله مع من يغضب أو المهمّش منهم، وينقل القائد حسن نصر أن سلوك "القادة قبل الأفراد" قد انسحب على كل محطّات حياته "بحراسة (المخيم) يجب أن يكون القائد أول من يقوم بالحراسة مع الطليعة، حتى في النشاطات التي لم يكن يستطيع الخروج فيها معنا كان يتصل بنا ليعرف أن غدائنا اليوم عدس مثلاً فيقوم بعمل العدس بالبيت لكي يعيش ذات الأجواء معنا".
بحسب الحسن نصر، فإن هذا المستوى من الانضباط والتنظيم بحياة الكشّاف، لازم الراحل في حياته اليومية "عندما نكون مسافرين معاً ويهبط مستوى السكر عند أحدهم فتجد معه كيس سكّر بمحفظته، أو مقص أو خيط وإبرة لأي طارئ من الممكن أن يحدث.. هذا الشكل من الالتزام نادرا ما تجده عند أحد".
بالإضافة إلى ذلك يشير القائد الحسن نصر أن الراحل كان معنياً بشكل مبكر بنشر الحركة الكشفية في أرجاء عمّان ومناطق متفرّقة في الأردن، " في نهاية الثمانينات كان من الصعب أن تقول للكشاف أن يأتي من إربد لعمّان أو حتى في عمان من مناطق بعيدة.. فكان يساعد كل من يبادر بتأسيس مجموعة كشفية بالأمور الإدارية وحتى في البرامج وكل الذي يستطيعه.. وبالفعل مجموعتين أو ثلاث أسسوا وكان مؤسسوها من أبناء مجموعة خالد".
كشاف يوما كشاف دوما
منذ عام 1997 وبتأسيس القطاع الأهلي، في جمعية الكشافة والمرشدات الأردنية استمر انتخاب الراحل منذر الزميلي "أبو الحباب" بشكل متواصل كرئيس للقطاع باستثناء دورة واحدة، على الرغم من غيابه في كثير من الانتخابات "يعني فش خلاص من هالشغلة إلا بالموت؟! بعدين معكم" ينقل عبدالرحمن الزميلي عن والده بعد فوزه بالتزكية مجدداً في آخر دورة.
بالإضافة إلى ذلك يروي من عملوا معه أنه كانت لديه قاعدة بأن لا يغلق عمل أي مجموعة كشفية أهلية قدر الإمكان، "كان قائد الكل ويفتح يديه وصدره لنا.. بفترة ما كانت مجموعتنا منقطعة عن التسجيل أربع سنين، أتينا فرحب بنا وقام بتسهيل الإجراءات.. حتى قبل بضع سنين قام بعمل عشاء عيد الميلاد بجمعية الكشافة والمرشدات وجعلني أدعو جميع المجموعات المسيحية حتى غير المسجلين بالقطاع، وغالباً للآن لم يعلم أحد أن العشاء كان على حساب المرحوم" وهو الذي زاد، بحسب المعشّر، إقبال المجموعات الكشفية على إعادة تنظيم نفسها تحت المظلة الرسمية في جمعية الكشافة والمرشدات.
عام 1998 بدأ منذر الزميلي مسيرته كممثل للأردن في اللجان العربية بعد انتخابه في المؤتمر الكشفي العربي في قطر، ولاحقاً بوجوده في اللجنة القانونية العربية حتى ترجله 2017 وانتقاله لإدارة المركز الكشفي العربي في القاهرة، تخللها ست سنوات ابتعد فيها عن المشهد الكشفي العربي 2004-2010، قبل أن يعود ويرشّح نفسه لرئاسة اللجنة الكشفية العربية عام 2011، ويتعادل بالأصوات مع منافسه السعودي عبدالله الفهد ليتقاسم الاثنان الفترة الرئاسية الممتدة لثلاث سنوات، ويقدّم الزميلي الفهد ليكون رئيساً للمركز الكشفي الدولي.
واحدة من المحطات الملفتة في حياة الراحل كانت إشرافه على المخيم الكشفي العربي في سبتمبر 2015 في الأردن، ينقل ابنه القائد عبدالرحمن الزميلي ظروف التحضيرات أنها بدأت بداية العام باجتماعات مكثّفة تركّز على البرامج النوعية وإخراج المخيم بأفضل صورة ممكنة "سابقاً كانت المخيمات العربية تنتهي مع حفل الافتتاح.. في البرنامج كان دائماً معني بتقديم إضافة فتبقى الحرف والمهارات اليدوية ونشاطات المغامرة علامة فارقة بذاكرة المشاركين" ووظّف كوادر المجموعات الكشفية لتجهيز المخيم في المدينة الرياضية وإعداد برنامج وخطة عمل تستوعب أكثر من 600 مشارك، "الوفد الجزائري بنهاية المخيم إجوا بحكولنا انتوا تعبّتونا من بعدكم ورفعتوا المستوى.. كونه النسخة اللي بعدها كانت باستضافتهم" يقول الحسن نصر.
كشافة عابرة للحدود
بوفاة الزميلي أقيمت أكثر ثلاث فعاليات عزاء إلكترونية، أحدها من أصدقاء العائلة وأبنائه والثانية من الاتحاد العربي للروّاد الكشافينٍ والثالثة من جمعية الكشافة المغربية، يعود ذلك لفترة وجود الراحل في المظلة الكشفية العربية التي أكسبته علاقات واسعة مع مختلف الحركات الكشفية العربية، وكان معروفاً عن الراحل كما يروي ابنه عبدالرحمن -الذي تبعه في قيادة مجموعة خالد بن الوليد وزامله في القطاع الكشفي الأهلي- أنه كان شديد العناية بالتحضير للمؤتمرات والملتقيات الكشفية العربية والعالمية "كان يصر على مشاركة فاعلة للوفد الأردني.. يكون عارف شو بده ومحضّر؛ هاي النقطة شو بدنا منها وهذا البند شو مصلحتنا فيه"، يوضّح المعشّر الذي كان جزءاً من الوفد الأردني المشارك في المؤتمر العربي في مصر 2019 ورافق الراحل لأول مرة "كنا نلحظ احترامه من كل الوفود العربية، وثقل الوفد الأردني مع أبو الحباب غير عن ثقله بدونه.. كنت لما تقول أردن يعني أبو الحباب" يقول المعشّر.
هذه العلاقة ابتدأها الراحل بما يُعرف "بالتوأمات الكشفية"، يذكر القائد حسن نصر أن أول توأمة أقيمت كانت عام 1985 حينما ذهب كشافو وقادة المجموعة إلى مخيم مشترك مع مجموعة القدس الكشفية في الكويت، تلتها عدة توأمات امتدت إلى لبنان 1996 وليبيا 1998 وأمريكا 1996 وحتى وفود إلى الباكستان وجميعها كانت مبنية على لقاءات ومخيمات مشتركة بين كشافي البلدين "مثلاً من لبنان تعلمنا المارشات الكشفية، ومن ليبيا أخذنا الأهازيج والصيحات الكشفية و كنا نعطيهم البرامج والمناهج مثلاً" والتي بحسب القائد حسن نصر، هي التي تخلق بيئة شاملة تساعد على صقل شخصية الكشّافين وتهيئة حاضنة لهم.
يوضح عبدالرحمن الزميلي أن التوأمات لا تزال قائمة حتى اليوم بين المجموعات الكشفية ويقول "كان المرحوم معنيا بإنجاح أي تجربة كشفية في أي مكان بالوطن العربي.. بسمع انه في مشروع بروح يتصل آه كيف نساعدكم، هي فلان بطلع بعطيكم على نظام التقدم الفردي، هي فلان بعطيكم الخصائص النمائية للأجيال الكشفية،،، وهكذا".
في نوفمبر عام 2017 ترأس الراحل منذر الزميلي الوفد الأردني المشارك في الأسبوع الوطني الثاني لـ الكشافة الفلسطينية، على الرغم من نصح المقرّبين منه بعدم الذهاب، بعد أيام تلقى ابنه عبدالرحمن اتصالاً من نادي الأسير الفلسطيني يبلغه باحتجاز والده وهو في طريق العودة لدى سلطات الاحتلال، لم يدم الاحتجاز طويلاً وأفرج عنه بعد يومين فقط بتدخلٍ رسميّ، ليحمّل الراحل مسؤولية حياته الشخصية للقاضي الذي مدد اعتقاله بوصفه مريضاً في القلب، ويرفض التعاطي بأي شكل كان مع أسئلة التحقيق وإصراره أنه على رأس وفد رسمي "إلى ما قبل شهرين كان يضحك ويقول لي أنه مستعد لإعادة الزيارة ألف مرة وليحدث ما حدث المرة السابقة" يقول عبدالرحمن.
تحل اليوم ذكرى نصف عام على رحيل القائد الكشفي منذر الزميلي عن عمر ناهز 59 عام، متأثراً بإصابته بفايروس كورونا، برحيله فقدت الحركة الكشفية في الأردن أحد رموزها وأحد أبنائها المخلصين وعميداً لم يغب يوماً عن تفاصيلها وأحداثها المحلية والعربية والعالمية "الخوف من بعده ليس على العمل اليومي، المرحوم بنى عمل مؤسسي ممتاز.. ولكننا خسرنا مرجع مهم في حياتنا" يختتم ابنه عبدالرحمن.