القابلية للاستعمار.. نظرة على الإنسان العربي

الصورة
مالك بن نبي
مالك بن نبي

القابلية للاستعمار نظرية للمفكر الجزائري المعروف الراحل مالك بن نبي رحمه الله، والذي يرى فيها أن الشعوب التي خضعت للاستعمار يتكون لديها جيل لديه "القابلية للاستعمار"، والقابلية للاستعمار كما يعرفها مالك بن نبي هي: 

"رضوخ داخلي عميق في نفس الشعوب المستعمرة، هذا الرضوخ يرسخ الاستعمار ويجعل التخلص منه أمرا مستحيلا". 

ومن تجليات القابلية للاستعمار هو تعليق كل تخلفنا وتراجعنا وانكسارنا على المرحلة الاستعمارية واستخدام هذه الحالة كشماعة لتبرير الحالة التي نقف بها. 

نظرة على الإنسان العربي بعد الاستعمار

الإنسان العربي، وبعد أن سقط حكم الدولة العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر عن معظم البلاد العربية في إفريقيا، وتلاه سقوط الخلافة في القرن العشرين في الدول العربية، خضع لحقبة استعمارية قاسية من المحتل الفرنسي والإنجليزي، استطاع الثوار العرب أن يدحروا المحتل الأجنبي ومع الربع الأخير من القرن الماضي كانت كل الدول العربية قد نالت استقلالها وتحررت من الاستعمار. 

يمكن استعارة مصطلح القابلية للاستعمار الذي تحدث به الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي، لكن للتعبير عن مدلول آخر قريب مما أراده مالك بن نبي يمكننا القول أن الإنسان العربي ألحق الضرر بنفسه أكثر مما ألحقه به الاستعمار نفسه، وأنه عجز عن إدارة شؤون بلاده والرقي بها بعيدا عن المستعمر بل إنه ألحق الضرر بنفسه ووطنه أكثر مما كان يمكن أن يلحقه به عدوه.

لبنان بعد الاستعمار 

للدلالة على ذلك، نستذكر النموذج اللبناني، حيث وضع الانتداب الفرنسي بقيادة المندوب غورو في عام 1921 الدستور اللبناني وفقا لأسس الدولة الحديثة ليكون دستورا يشبه الدستور الفرنسي الحديث، وكان هذا الدستور لا ينص في أي مادة من مواده على المحاصصة الطائفية للحكم، لكن ما بين الأعوام 1941 و1943 ظهرت طبقة سياسية مسيحية يقودها بشارة الخوري، وطبقة مسلمة يقودها رياض الصلح. 

كانت الطبقة السياسية بقيادة الصلح مقتنعة بأهمية الاعتراف باستقلال لبنان بشكله الذي أعلنه غورو عام 1923 على أن يكون المكون المسلم جزءا من هذه الدولة، وأن يتخلى المكون المسيحي عن رغبته في أن يكون امتدادا للدولة الفرنسية. 

وجاء الميثاق الوطني اللبناني كاتفاق عرفي غير مكتوب بين بشارة الخوري ورياض الصلح بتقاسم السلطة في البلاد، على أن يكون الرئيس مسيحيا مارونيا، ويكون رئيس الوزراء مسلما سُنيا، ويكون رئيس مجلس الشعب من الطائفة الشيعية، وفعليا تم انتخاب بشارة الخوري كأول رئيس للبنان بعد إعلان الاستقلال عن فرنسا، وتم تعيين رياض الصلح رئيسا للوزراء. 

استمر هذا التقاسم الطائفي للسلطة حتى يومنا الحالي، حيث تمت دسترته بعد الحرب الأهلية اللبنانية في سبعينيات القرن الماضي، على الرغم من أنه يمثل عقبة رئيسية أمام الدولة اللبنانية، أي إنه دستور ساهم في تحويل لبنان إلى دولة شبه فاشلة.

العراق بعد الاحتلال الأمريكي

المشهد ذاته كان في العراق بعد إسقاط النظام البعثي السابق بالقوة الأمريكية، كيف أن الحرب الأهلية والطائفية اشتعلت بين مكونات الشعب العراقي وقتلوا من أنفسهم أضعاف ما قتل منهم المحتل وألحقوا الضرر ببلادهم بشكل أكبر مما كان يتمناه العدو الصهيوني وأطلقوا الرصاص على أنفسهم بلا رحمة، فهاجرت الكفاءات العراقية وتحولت البلاد إلى ساحات من الخراب يقف على أعوادها غربان الطائفية الذين يحملون الاستعداد الفكري للاستعمار ناشرين الموت والكراهية والفرقة بين أبناء الشعب العراقي.

المشهد الليبي

قريبا من تلك المشاهد حدث المشهد الليبي بعد إسقاط نظام القذافي، حيث لا توجد أي قوة أجنبية على الأرض الليبية التي سرعان ما انقسم أهلها على أساس جهوي وتم الدخول في حرب أهلية طاحنة أفقدت البلاد قيمتها وضاعفت خسارتها، حتى عاد الشعب الليبي يتمنى الاستقرار الذي كانت تعيشه ليبيا في عهد الدكتاتور المخلوع.

القابلية للاستعمار أشد فتكا

الاستعمار عمل بشع وضار ضررا محضا، لكن أحيانا القابلية للاستعمار تجعل من أبناء البلد خطرا على أنفسهم أكثر من المستعمر نفسه، القابلية للاستعمار تتجلى برفض التنوع العرقي والديني والطائفي بين الشعوب، والاستعداد للانقسام والقابلية للمحاصصة الدينية والجهوية والعجز عن إدارة الدولة بشكل طبيعي وترذيل عمل المؤسسات والتنازع على التداول السلمي للسلطة. 

القابلية للاستعمار هي الداء الذي يمثل أكبر التحديات التي تواجه الدول النامية ولن تستطيع الدول تجاوزه إلا إذا تجاوزته النخب والكتل السياسية الحرجة والكتل الوسيطة في المجتمعات ونضجت فكريا، فكل ما هو على الأرض من واقع هو انعكاس لعالم الأفكار والنظريات السياسية التي في عقول النخب.

الأكثر قراءة
00:00:00