لماذا انخفض تصنيف الأردن في مؤشرات البنك الدولي للنمو؟
بقلم ليث أبو نواس | المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
يقوم البنك الدولي بتصنيف الدول اقتصاديا وتحديث هذا التصنيف في الأول من شهر تموز من كل عام، بناء على بيانات العام السابق لنصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي بالسعر الحالي للدولار الأمريكي، ويقسم التصنيف الدول إلى أربع مجموعات، وهي: دول منخفضة الدخل، الشريحة الدنيا من الدول متوسطة الدخل، والشريحة العليا من الدول متوسطة الدخل، ودول مرتفعة الدخل.
حيث يعتمد التصنيف في كل عام على تحديث بيانات نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي بالسعر الحالي للدولار الأميركي باستخدام طريقة "أطلس" في احتساب أسعار الصرف من العام السابق.
العوامل المحددة في تصنيف الدول في البنك الدولي
يهدف تصنيف البنك الدولي لإعطاء تصور حول مستوى النمو في كل دولة بناء على طريقة احتساب أطلس لدخل الفرد واعتماده كمؤشر متوفر عالميا لقدرة الدول الاقتصادية. فمن منظور إحصائي يمكن أن تتغير التصنيفات في كل عام بسبب عاملين رئيسين، هما:
- تغير نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي: تؤثر عوامل النمو الاقتصادي والتضخم وأسعار الصرف ونمو السكان على نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي في كل دولة. كما يمكن لعمليات تصحيح ومراجعة أساليب الحسابات القومية ومراجعة البيانات أن تؤثر على احتساب نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي.
- تغيير حدود ومستويات مجموعات التصنيف الأربعة: يتم التعديل على حدود ومستويات التصنيفات الأربعة لمواكبة مستويات التضخم، لتعكس كل مجموعة القيمة الحقيقة. ويتم استخدام المتوسط المرجح لإجمالي الناتج المحلي للصين واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ومنطقة اليورو كمخفضات للحفاظ على ثبات حدود تصنيف الدخل بالقيمة الحقيقية.
80% من الدول أظهرت تحسنا في تصنيف العام الحالي
نشر البنك الدولي التحديث الجديد لتصنيف الدول لهذا العام 2023-2024 بناء على مراجعة وتحديث البيانات التي تم جمعها من مصادر معتمدة للعام السابق، بحيث أظهرت النتائج الجديدة تقدما ملحوظا وتحسنا في تصنيف معظم دول العالم كما كان متوقعا مقارنة بالتصنيف للعام السابق (بناء على بيانات عام 2021 / 2022)، والتي أظهر استمرار التعافي الإيجابي من تبعات جائحة كورونا، حيث أظهر تحسنا في 80% من دول العالم بناء على مقياس نصيب الفرد على طريقة أطلس مقارنة بعام 2019.
وهذا ظهر في انتقال دول مثل غيانا و ساموا الأمريكية من الشريحة العليا للدول متوسطة الدخل إلى دول ذات الدخل المرتفع. ويعزى هذا الانتقال إلى النهضة والنمو الاقتصادي التي تشهده هذه الدول في إنتاج النفط والغاز. بالإضافة إلى تصحيح توقعات أعداد السكان والذي انعكس في انخفاض الرقم المتوقع لتعداد السكان في ساموا الأمريكية. وكذلك دول مثل السلفادور وإندونيسيا والضفة الغربية وقطاع غزة والتي كانت قريبة من حدود الشريحة العليا للدول متوسطة الدخل عام 2021 من دخول هذه الشريحة وتحقيق نمو اقتصادي مستمر.
الأردن الدولة الوحيدة في العالم التي تحقق تراجعا في التصنيف لهذا العام
تراجع تصنيف الأردن من الشريحة العليا إلى الشريحة الدنيا للدول متوسطة الدخل، ويعزى هذا الأمر بشكل رئيسي إلى الارتفاع الكبير في توقعات وتعداد السكان في الأردن (نسبة 8.6 % ارتفاع) بعد المراجعة التي أصدرتها شعبة السكان التابعة للأمم المتحدة بناء على البيانات الجديدة التي حصلت عليها من آخر تعداد رسمي.
يعتبر هذا التراجع في التصنيف هو الثاني منذ عام 2017، حيث أدرج البنك الدولي الأردن ضمن تصنيف الشريحة العليا في مراجعة عام 2016 محققا ارتفاعا من التصنيف في الشريحة الدنيا عام 2015، ثم عاد وتراجع التصنيف عام 2017 قبل أن يعود إلى الشريحة العليا عام 2018 واستمر كذلك حتى هذا العام.
وقد كان يعزى هذا التراجع في عام 2017 بالانخفاض لنصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي لذلك العام مدفوعا بثلاثة عوامل: ارتفاع عدد سكان الأردن في البيانات السكانية الجديدة التي نشرتها شعبة السكان التابعة للأمم المتحدة ؛ والتراجع في النمو الإجمالي للناتج المحلي؛ وانخفاض نسب التضخم.
ما هي انعكاسات إعادة التصنيف على إقراض البنك للأردن؟
في عام 2017، نشر البنك الدولي الإجابة على هذا السؤال:
" البنك الدولي لا يستخدم هذه التصنيفات للدخل من أجل الإقراض أو اتخاذ القرارات الخاصة بالعمليات. تقديرات الدخل الفردي من إجمالي الدخل القومي هي واحدة من عوامل كثيرة تشمل أهلية الحصول على الائتمان، ومناخ السياسات والمؤسسات التي تستند إليها معايير الإقراض.
كلمة أخيرة
ومن هذه الإجابة، يتضح بأن البنك الدولي وأي جهة إقراض أخرى تعتمد على عدد من المؤشرات للحكم على أهلية الدولة في الحصول على الائتمان، ويدخل من ضمنها تصنيف الدول بناء على الدخل القومي ولكنه واحد من عوامل مختلفة تشمل أهلية الحصول على الائتمان ومناخ السياسات والمؤسسات التي تستند إليها معايير الإقراض.
ولكن الناظر إلى هشاشة الأوضاع الاقتصادية وبطء تحقيق معدلات النمو المرجوة في الناتج المحلي، يجعل من انخفاض هذا التصنيف يعطي التصور نحو أن الحكومة اليوم أمام تحد كبير يحتاج إلى حوار وطني وانفتاح نحو تقديم الشفافية والحديث عن المشكلات الداخلية والمعيقات أمام تحقيق الرؤية الملكية للتحديث السياسي والاقتصادي، ويجب على الحكومة الابتعاد عن أسلوب المدافعة واتهام النقاد بالسوداوية، فربما تساعد سياسة المراقبة المحلية الذاتية إن وجدت آليات محلية غير حكومية ومستقلة لمراقبة مؤشرات الاقتصاد بشفافية؛ بإعطاء تنبيهات استباقية قبل أن تقوم الجهات والشركات المتخصصة العالمية بإعادة تقييم الوضع الائتماني للأردن، وإصدار مراجعتها السنوية والتي ستلقي بظلالها على سنة مالية كاملة تؤثر في عجلة النمو، خاصة وأن الاقتصاد الأردني الهش مازال يعتمد على المنح والقروض الخارجية لسداد العجز الحاصل في الميزانيات المتعاقبة.