الجريمة السياسية في صدر الإسلام الأول

الصورة
صورة تعبيرية عن واقعة كربلاء
صورة تعبيرية عن واقعة كربلاء

نعيش في كل عام ذكرى العاشر من محرم، ذكرى مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه وثلة من آل البيت الأطهار- على يد جيش الدولة الأموية. مقتل الحسين -سبط النبي صلى الله عليه وسلم- لم تكن الجريمة السياسية الأولى في صدر الإسلام، إذ طعن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كانت أول جريمة سياسية في الإسلام، ثم لحقها مقتل سيدنا عثمان -رضي الله عنه-، ومن ثم مقتل سيدنا علي -رضي الله عنه-، وبعدها مقتل سيدنا الحسين -رضي الله عنهم أجمعين-. 

تاريخ الجريمة السياسية في العصور الإسلامية

كانت جريمة اغتيال وقتل الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب في سنة 23 هجري على يد عبد مجوسي كان يعمل حدادا في المدينة المنورة أول جريمة سياسية في صدر الإسلام، حيث تقول الروايات أن خلافا نشب بين العبد المجوسي أبو لؤلؤة ومولاه الصحابي المغيرة بن شعبة، فحكم سيدنا عمر للصحابي المغير بن شعبة، فدبر له العبد المجوسي القتل حتى ظفر به وقتله في صلاة الفجر، وجرح في الموقعة نفسها 13 صحابيا مات منهم 9 في ذات يوم الجريمة. 

الجريمة السياسية الثانية

كما كانت جريمة مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ثاني جريمة سياسية ترتكب في صدر الإسلام، حيث تقول الروايات أن مجموعة من الثوار بلغ عددهم 1800 ثائر جاءوا بترتيب من عبدالله ابن سبأ؛ 600 من مصر، و600 من الكوفة و600 من البصرة، جاءوا ثائرين إلى المدينة، فعرضوا الخلافة على علي بن ابن طلاب وقالوا له إن عثمان لا يصلح للخلافة وكذلك طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، لكنهم جميعا رفضوا، وقالوا إن هذا الجيش ملعون بنص حديث رسول الله فعودوا، وعندما هموا بالعودة تم تزوير كتب باسم الخليفة عثمان بن عفان تطلب من ولاة الكوفة والبصرة ومصر قتل الثور عند عودتهم، فعلم الثوار بذلك فعادوا بعد أن خرجوا من المدينة وحاصروا الخليفة الثالث عام 35 هجري. 

وكان سيدنا عثمان قد بلغ من العمر 82 عاما، وبعد حصار طويل منعوا عنه الماء والطعام ومنعوه من الصلاة في الناس، ثم اقتحموا عليه البيت وقتلوه، وبعدها بدأت الخلافات السياسية بين الخليفة الرابع علي بن أبي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان أمير الشام ابن عم الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه. 

الجريمة السياسية الثالثة

كانت جريمة مقتل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ثالث جريمة سياسية ترتكب في صدر الإسلام الأول عام 40 هجري، وتقول الروايات أن الناس بايعوا الخليفة علي بن أبي طالب بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان -رضي الله عنهم-، إلا أن معاوية بن أبي سفيان لم يبايع حتى يقتل علي قتلة عثمان ابن عمه، ولما كان يتعذر على علي بن أبي طالب قتل قَتَلة عثمان لكثرة عددهم إذا بلغوا 1800 شخصا، ولما أراد أن تستقر أمور الحكم في البداية، نشبت نتيجة لذلك موقعة الجمل ومعركة صفين، التي قتل فيها أكثر من 70 ألف مسلم في حرب أهلية على الحدود العراقية - السورية، انتهت بالتحكيم الذي لم يحل المشكلة، حيث بقيت قائمة لتصبح جميع بلاد المسلمين تحت إمارة علي بن أبي طالب، وأصبحت مصر والشام تحت إمارة معاوية بن أبي سفيان. 

ونتيجة للحرب والتحكيم ظهرت فرقة الخوارج والتي كانت جزءا من جيش علي قبل أن تنشق عنه، حيث قاتلهم الخليفة علي بن أبي طالب في معركة النهروان، فاجتمع من بقي من الخوارج على ضرورة قتل علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ومستشاره عمر بن العاص حتى يرتاح منهم المسلمون كما يعتقدون، وحددوا السابع عشر من رمضان من عام 40 هـجري لقتل الثلاثة في صلاة الفجر، فنجح القاتل ابن ملجم -عليه لعنة الله- بقتل علي بن أبي طالب في الكوفة، وأصيب معاوية بسيف الخارجي الذي حاول قتله ولم يقتل، وقُتل مدير الشرطة السهمي بدلا من قتل عمر بن العاص، لاعتقاد القاتل الخارجي خطأ أن السهمي هو عمرو بن العاص فقتله وقال كلمته المشهورة: "أردت عمرا وأراد الله السهمي"، وكانت مثلا بعد ذلك.

الجريمة السياسية الرابعة

الجريمة السياسة الرابعة كانت مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه سبط رسول لله صلى الله عليه وسلم-. وتقول الروايات أنه وبعد استشهاد الإمام علي -رضي الله عنه- بايع أهل الكوفة الإمام الحسن ابن علي -رضي الله عنهما-، فبايعت الحسن كل بلاد المسلمين باستثناء مصر والشام، إذ استمر معاوية بحكمهما، وتنازل الحسن عن الحكم لمعاوية عام 41 هجري بعد 8 أشهر من حكمه، وسمي ذلك العام بعام الجماعة، لتوحد المسلمين على خليفة واحد، وكانت من أهم شروط المصالحة ألا يورث معاوية الحكم لبني أمية، وإنما أن يُترك الأمر شورى بين المسلمين.

بعد أن حكم معاوية لمدة 19 عام الدولة الإسلامية كاملة، ووفاته سنة 60 هجري، رفض الحسين بن علي بن أبي طالب مبايعة يزيد كخليفة للمسلمين، وتمسك باتفاق عام الجماعة بين أخيه الحسن ومعاوية، فخرج من المدينة إلى مكة ثم العراق، لتجري هناك معركة في كربلاء قُتل فيها الحسين وقطع رأسه، ونكل بآل البيت الأطهار على يد الجيش الأموي، فكانت أبشع جريمة سياسية وقعت في صدر الإسلام الأول، ليكون بعدها الحكم حكما جبريا وراثيا. 

تم ارتكاب أربع من الجرائم السياسة، استُشهد فيها خير صحابة رسول لله وسبطه، وجميعها كانت ذات باعث سياسي، باستثناء جريمة مقتل الفاروق عمر ، والتي كانت متعلقة بالاحتجاج على أمر قضائي قضاه في نزاع مالي بين القاتل ومولاه المغيرة بن شعبة.

النهوض الإسلامي في العلم والمعرفة

كان النهوض الإسلامي الكبير في صدر الدولة الأموية والدولة العباسية نتيجة لاهتمام المسلمين في ترجمة العلوم اليونانية والعلوم الرومانية العلمية والإنسانية وتطويرها، إضافة للمنهج التجريبي عليها، فنشطت حركة العلم والعلماء وبرع المسلمون في كل المجالات العلمية والإنسانية، إلا أن الترجمة بقيت بعيدة كل البعد عن ترجمة العلوم السياسية التي اشتهر بها اليونان والرومان، حيث تعتبر ديمقراطية أثينا أول ديمقراطية موثقة عرفها التاريخ، إذ نشأت في القرن الخامس قبل الميلاد، كما أن الديمقراطية الرومانية أيضا عرفت بأشكال أقل تطورا من الديمقراطية اليونانية في القرن الخامس قبل الميلاد، حيث كان يتم تنصيب الملك بانتخاب مجلس الشعب ومجلس الشيوخ، وتطورت الأشكال الديمقراطية في الدولة الرومانية بعدة أوجه.

الحكم والسلطة أمران متروكان للمسلمين لتقديرهما

المسلمون لم يكن لديهم شكل وقانون معين للانتقال السلمي للسلطة وتداولها، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعين من يخلفه من بعده في قيادة المسلمين، باعتبار أن هذا الأمر دنيوي وليس ديني، وترك ذلك للمسلمين بما يصلح لهم أمور ديناهم، فظهرت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم "البيعة"، والتي أُخذت للخليفة الأول أبو بكر ببيعة أهل السقيفة، ومن بعد ذلك مبايعة الناس، وأخذت للخليفة الثاني عمر بن الخطاب باختيار أبو بكر له قبل وفاته ومبايعة أهل المدينة وباقي الأمصار له، ثم تولى الخليفة الثالث عثمان بن عفان الخلافة بموافقة مجلس أهل الحل والعقد الذي أبدعه الفاروق عمر بن الخطاب، وتم اختيار الخليفة الرابع علي بن أبي طالب بالبيعة التي بقيت منقوصة له بعدم مبايعة الشام ومصر، والتي كانت تحت حكم معاوية، حتى وصول الحكم للدولة الأموية وتحوله إلى حكم وراثي جبري. 

وبعد وفاة معاوية، كان مقتل الحسين الذي أسس إلى انقسام المسلمين انقساما عقديا بين الأغلبية السنية والطائفة الشيعية، عوضا عن أن يكون سياسيا، وبقي هذا الانقسام يضطهد العلماء والفقهاء في كل الممالك منذ الدولة الأموية، فكان كل من يعارض السلطة يضطهد، حتى ابتدع الإمام أحمد بن حنبل فقه وفكرة وشرعية الإمام المتغلب، التي تقوم على الاعتراف بالشرعية لمن يملك السلطة ويسيطر على الحكم بالقوة.

هل تعلمنا من تجارب الديموقراطية حول العالم؟ 

لا زالت تلك الطريقة هي التي تحكم العالم العربي في مجمله حتى الآن، فمن خلال الانقلابات العسكرية والاستيلاء على السلطة بالقوة والحكم الوراثي الجبري، أنتجت السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، انعكست على كل حياة الناس. والاضطراب السياسي تولد منه اضطراب اقتصادي أفسد حياة الناس ومعاشهم، فأصبحت أغلب دول العالم العربي والإسلامي في ذيل الأمم، وتقف على رأس الدول الأكثر فشلا في العالم.

فحالة غياب العلوم السياسية وغياب أي ابداع إسلامي عربي لطريقة حكم الشعب لنفسه وغياب أي انتقال سلمي للسلطة، يعيدنا إلى ضرورة التوجه إلى الحضارة الغربية وأخذ العلوم السياسية منها ونقلها إلى العالم العربي والسير على هدي ما سارت عليه الحضارات الديمقراطية القديمة والحضارة الغربية الحديثة، حتى نستطيع أن نلتحق بركب الأمم ونوقف الخسارة الكبيرة التي لحقت بنا على مدار القرون الطويلة من ضياع فرصة استمرار صعودنا الحضاري نتيجة فقرنا الكبير في العلوم السياسية كأمة عربية وإسلامية.

الأكثر قراءة
00:00:00