قانوني، كاتب
ضم الضفة الغربية للأردن.. تصفية أم حل عادل للقضية الفلسطينية
أثار المقال الذي كتبه رجل الأعمال والملياردير الأردني المقيم في الإمارات العربية حسن إسميك في مجلة الفورين بولسي الأمريكية تحت عنوان "وحدوا الأردن وفلسطين مرة أخرى" الكثير من ردود الفعل السياسية.
دعوة لإعادة الوحدة
المقال يدعو إلى ضم الضفة الغربية للأردن ومنح الجنسية الأردنية للفلسطينيين الموجودين في الضفة الغربية وغزة وأيضا للمستوطنين الإسرائيليين الذين يقيمون في المستوطنات في الضفة الغربية ممن يرغبون بالبقاء تحت الإدارة الأردنية، وجعل القدس منطقة مفتوحة للجميع باعتبار هذا الحل يمثل أفضل حل للصراع العربي الإسرائيلي.
وذكر المقال مجموعة من استطلاعات الرأي في الداخل الفلسطيني التي تؤيد هذا الطرح حول رغبة الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة بالانضمام للأردن، وذكر أرقاما حول نسب الوجود الفلسطيني في الأردن -وإن كانت الأرقام لا تقوم على أي مرجع إحصائي رسمي- وبعد ذلك عرج على الفوائد التي يمكن أن تحصل عليها إسرائيل والأردن والشعب الفلسطيني من مثل هكذا حل، بعد فشل كل الحلول الأخرى وخصوصا حل الدولتين وصفقة القرن بعد رحيل إدارة ترامب على حد قوله.
المقال جاء من رجل الأعمال المقيم في الإمارات وهي الدولة التي تشكل رأس حربة في المنطقة العربية في التطبيع مع إسرائيل وعلى أعلى المستويات وكل الصعد، الدولة التي تحاول إعادة صياغة تحالف جديد في المنطقة مع "إسرائيل" لمواجهة الوجود الإيراني والإسلام السياسي الشيعي ومقاومة الإسلام السياسي السني، ولإعادة ترتيب أوضاع المنطقة بعد بوادر الانسحاب الأمريكي من المنطقة لمواجهة التنين الصيني الصاعد اقتصاديا، والذي يحاول العبور لإنهاء حالة التفوق الأمريكي مدعوما بنمو اقتصادي كبير وقوة بشرية ضخمة تخضع لكيان سياسي موحد وطفرة تكنولوجية هائلة.
لم يعلق الأردن الرسمي على المقال، لكن جاء الرد الأردني بشكل غير رسمي عبر رئيس الوزراء الأسبق ورئيس لجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي، الذي نشر تغريدة على تويتر يقرع فيها صاحب المقال، مؤكدا على اللاءات الثلاث التي أطلقها العاهل الأردني قبل سنوات وهي (لا للوطن البديل، لا لحل الدولة الواحدة، لا للتخلي عن الوصاية الهاشمية عن القدس" ليرد إسميك مرة أخرى على الرفاعي بأن كل الحلول السابقة قد فشلت وأنّ الحل يكون بإقامة المملكة الأردنية الفلسطينية كحل للصراع العربي الإسرائيلي.
ترافق هذا المقال مع جدل أردني واسع وكبير حول مصطلح الهوية الأردنية الجامعة الذي أطلقته اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية قبل أيام، والذي قرأه البعض بأنه محاولة وتمهيد لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن وتمهيدا لتغيير التركيبة الديمغرافية في الأردن، إذ استغل المقال من قبل القوى التي تناوئ الإصلاح السياسي للتخويف من مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وعرضها في سياق التمهيد والتهيئة لمناخ سياسي جديد تضم فيه الضفة الغربية للأردن
تاريخ الوحدة وتغيرات الجغرافيا والديمغرافيا على الأرض
تهجّر على إثر حرب النكبة عام 1948 م وإعلان قيام "إسرائيل" ما يزيد على 400 ألف فلسطيني من المناطق المحتلة إلى داخل الضفة الغربية والضفة الشرقية، وقد تنادت الزعامات الفلسطينية في مؤتمر أريحا مطالبة بالوحدة بين «الضفتين»، الضفة الغربية التي استطاع الجيش الأردني أن يحتفظ بها، وتمثل %21 من أراضي الدولة الفلسطينية، والضفة الشرقية - الأردن، بتاريخ 24 /4/ 1950 م، بعدها صدر قرار إداري غير مقنن بالوحدة، وأصبح كل فلسطيني يقيم في الضفة الغربية إقامة طبيعية أردني الجنسية، وأجريت على إثر هذا القرار انتخابات برلمانية بواقع 20 مقعداً عن كل من الضفتين بمجلس مكون من 40 نائباً، وعرض القرار على المجلس المنتخب؛ فتمت الموافقة عليه بالإجماع باستثناء عضوين ممثلين للضفة الشرقية اعترضا على وحدة الضفة الغربية مع الأردن.
واجه قرار الوحدة معارضة من جامعة الدول العربية التي أصدرت قرارها في العام نفسه، الذي جاء نصه:
المملكة الأردنية الهاشمية تعلن أن ضم الجزء الفلسطيني إليها، إنما هو إجراء اقتضته الضرورات العملية، وإنها تحتفظ بهذا الجزء وديعة تحت يدها، على أن يكون تابعا للتسوية النهائية لقضية فلسطين عند تحرير أجزائها الأخرى بكيانها الذي كانت عليه قبل العدوان، وعلى أن تقبل في شأنه ما تقرره دول الجامعة الأخرى.
ترافق موقف جامعة الدول العربية مع صمت دولي من الوحدة، إذ لم يعترف بالوحدة على المستوى الدولي إلا باكستان وإنجلترا، وبقيت الوحدة قائمة بين الأردن والضفة الغربية حتى عام 1967 م.
حاول الأردن التوسط لدى الغرب لمحاولة إعادة الضفة الغربية إلى المملكة، لكنه لم يحقق شيئاً في هذا المضمار، واستمر الوضع على هذه الحال حتى صدور قرار في مؤتمر جامعة الدول العربية في الرباط بتاريخ 26 /10/ 1974، جاءت نتائجه بإجماع الدول العربية التي كانت ترغب في أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
حينها أُسقط في يد الأردن، وبقي محجماً ومماطلاً في إعلان فك الارتباط بعد قمة الرباط حتى تاريخ 31 /7/ 1988 م؛ حيث تم الإعلان بموجب "قرار إداري" دون موافقة مجلس النواب عليه، وقد تم حله قبل قرار فك الارتباط في العام ذاته، إذ كان مهندس فك الارتباط في حينه رئيس الديوان الملكي عدنان أبو عودة المواطن الأردني من أصل فلسطيني الذي رأى أن رهان الغرب على الملك حسين في تحقيق السلام وحل القضية لا يمكن أن يكون إلا بفك الارتباط بالضفة، وكما أن فك الارتباط سوف يغلق بوابة التهجير التي يستخدمها الاحتلال في تفريغ الضفة الغربية من سكانها تمهيدا لالتهام الأرض.
جاء الإعلان بعد خروج استطلاعات للرأي تابعة للفصائل الفلسطينية وقت ذاك، أشارت إلى أن %2.5 فقط من فلسطينيي الضفة كانوا يؤيدون استمرار الوحدة مع الأردن.
في الوقت الذي استطاعت به "إسرائيل" بسط سيطرتها على الضفة الغربية وخروجها من اليد الأردنية في عام 1967، بدأت الكتل الاستيطانية الإسرائيلية بالزحف على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، هذه الكتل الاستيطانية التي لم يعترف بها المجتمع الدولي، واعتبارها تجمعات غير شرعية حتى الآن باستثناء موقف الرئيس الأمريكي الأسبق ترامب الذي اعترف بحق إسرائيل بضم هذه الكتل الاستيطانية للدولة الإسرائيلية.
أقامت "إسرائيل" في الضفة الغربية التي تمثل 21% من فلسطين التاريخية منذ حرب عام 1967 وحتى اليوم 169 مستوطنة و232 بؤرة استيطانية، وهي تمثل ما مجموعه 42% من إجمالي مساحة الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وتضم هذه المستوطنات معظم الموارد الطبيعية للضفة الغربية من المياه والغابات، ويقيم فيها حوالي 800 ألف مستوطن من الفئات الدينية المتطرفة التي تسكنها بدوافع دينية واقتصادية.
يقيم في الضفة الغربية الفلسطينية حوالي 3 مليون فلسطيني على ما نسبته 58% من مساحة الضفة الغربية التي قضمها الاستيطان بالمستوطنات.
موقف الأردن من الوحدة؟
يرى الأردن أن الحديث عن إعادة الوحدة مع الضفة الغربية يأتي في سياق محاولة تصفية القضية الفلسطينية والبحث عن بديل لمخرج "إسرائيلي" ليكون الحل على حساب الأردن، بعد أن جاءت الإدارة الامريكية الجديدة وأنهت مشروع الرئيس الأمريكي الأسبق "صفقة القرن" والذي كان يقوم على تأييد ضم المستوطنات في الضـفة الغـربية وضم غور الأردن إلى "إسرائيل"، وإقامة دولة فلسطينية على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية والتي أصبحت أشبه بالكانتونات المعزولة غير المتصلة جغرافيا تقطع أوصالها الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة.
لا يرفض الأردن الوحدة مع الضفة الغربية من حيث الأساس، إلا أنه يرفض أي وحدة "اتحاد فدرالي" أو كونفدرالي مع الضفة الغربية وغزة قبل إقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليا لعدة أسباب:
- الوحدة مع الضفة الغربية وغزة قبل إعلان الدولة الفلسطينية وجعل القدس منطقة مفتوحة، يعني على أرض الواقع إنهاء الوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية في الحرم القدسي الشريف، تلك الوصاية التي تمثل شرعية دينية ونفوذا دينيا كبيرا للنظام الأردني في فلسطين لا يمكن القبول بالتخلي عنه.
- قبول الوحدة مع الضفة الغربية مع القبول بضم غور الأردن لإسرائيل والذي تعتبره إسرائيل جزءا من دولتها يعني أن الاتصال الجغرافي بين الضفة والأردن غير موجود مما ينتفي معه أي هدف للوحدة والتوسع الجغرافي للمملكة الأردنية.
- قبول الوحدة مع الضفة الغربية وغزة يعني حصول الأردن على ما يقارب 13.5% من أرض فلسطين التاريخية فقط، بمقابل تجنيس أكثر من 5 مليون في الداخل الفلسطيني بالجنسية الأردنية وتخليص "إسرائيل" من القنبلة الديمغرافية الفلسطينية، والتي تعتبرها "إسرائيل" أكبر تهديد للوجود "الإسرائيلي"، فبمثل هذه الوحدة تكون "إسرائيل" ضمت الأرض ويكون الأردن ضم الشعب مما سيخلق مشاكل تنموية وديمغرافية كبيرة على الأردن.
- قبول الوحدة مع الضفة الغربية وغزة حاليا يعني إنهاء حق العودة للفلسطينيين في الخارج، والذي يقدر عددهم بأكثر من 7 مليون لاجئ فلسطيني، وهذا قد يعني إعادة تجنيسهم بالجنسية الأردنية التي ضمت جزءا من أراضيهم إلى دولتها، وهذا ما لا يطيقه الأردن ديمغرافيا في ظل وضع اقتصادي وتنموي يعاني الكثير.
- قبول الوحدة مع الضفة الغربية وغزة بالوضع الحالي يعني أن الأردن سوف يتحمل العبء الأمني الذي تحمله "إسرائيل" وجعل الجيش الأردني في مواجهة مع الفصائل الفلسطينية المسلحة، خصوصا في غزة التي لن تقبل بأي حل سياسي، وتنادي بعودة فلسطين التاريخية وبعضها يقبل بفلسطين على حدود 67.
- يرى الأردن أنّ الحل العادل للقضية الفلسطينية هي إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 والاعتراف بها اعترافا كاملا وعاصمتها القدس الشرقية، وبعد ذلك يمكن بحث أي تعاون أو اتحاد فدرالي أو كونفدرالي مع الدولة الفلسطينية القائمة.
بلا شك أن المقال المنشور من رجل الأعمال الأردني في مجلة الفورين بولسي لا يمثل وجهة نظر لرجل أعمال، ويقرأ في سياق توجه في المنطقة لحل القضية الفلسطينية وبأي ثمن، لإعادة تشكيل تحالفات المنطقة وأولوياتها، وأن الرد الاردني غير الرسمي الوارد على لسان الرفاعي يمثل تأكيدا على الثوابت الأردنية تجاه أي محاولة جس للنبض الأردني، دون الدخول في احتكاكات سياسية مع دول المنطقة.