قانوني، كاتب
اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في الأردن هل هي قادرة على إحداث تحول سياسي مؤثر
بإرادة من العاهل الأردني تشكلت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي؛ لجنة تضم ألوانا سياسية مختلفة.
لكن لماذا جاءت اللجنة الآن بالذات سيما وأن الشارع لا يشهد احتجاجات شعبية، وما هي المخاطر التي يمكن أن تفرغ اللجنة من مضمونها، وما هي فرص اللجنة في إحداث أثر سياسي حقيقي؟
لماذا تشكلت اللجنة الملكية في هذا الوقت؟
قد يبدو مستغربا صدور الإرادة الملكية بتشكيل لجنة تحديث المنظومة السياسية في ظل هدوء الشارع واختفاء كل مظاهر الاحتجاج الشعبي، إضافة الى أن الأردن أنهى قبل شهور انتخابات برلمانية جديدة، إذ يمكن إرجاع قدوم هذه اللجنة الملكية إلى عدة عوامل: -
- فشل العملية الانتخابية الأخيرة إذ أن نسبة المشاركة في الانتخابات كانت أقل من 30%، وقد تكون النسبة الأقل منذ تاريخ الانتخابات الأردنية رغم مشاركة التيارات الإسلامية وكل القوى السياسية، ولم يصل إلى البرلمان إلا عدد من النواب ذوو الخلفيات السياسية بعدد لا يتجاوز أصابع اليد، هذه المشاركة الخجولة عرت شرعية هذه الانتخابات وكشفت حالة اليأس والإحباط التي وصل لها الشعب الأردني.
- قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة المولودة من رحم الحزب الديمقراطي الحزب الأكثر تمسكا في موضوع قيم الليبرالية والحريات وحقوق الإنسان، هذه الإدارة التي أعادت للأردن مكانته الجيوسياسية في القضية الفلسطينية مما يستدعي من الإدارة الأردنية تقديم نفسها بصورة تتفق مع مبادئ هذه الإدارة لاكتمال دائرة التعاون معها فيما يتعلق بملف القضية الفلسطينية وباقي الملفات المهمة في المنطقة، إذ يقرأ استقبال بايدن للملك الأردني كأول زعيم عربي في إطار اهتمام الإدارة الأمريكية الجديدة بالدور الأردني.
- انتشار خطاب المعارضة الأردنية الخارجية في أوساط الشعب الأردني معارضة السقف السياسي المرتفع والتي تطالب بالحد من سلطات الملك والانتقال الى ملكية دستورية كاملة وبعضها يطالب بإسقاط النظام، الخطاب الذي بدأ ينتشر في أوساط المناطق القبلية الأردنية، إذ بلغت مشاهدات رموز ومنظري هذه المعارضة إلى مليون مشاهدة، وبعضهم يتابعه على البث المباشر في مواقع التواصل الاجتماعي ما يقارب المائة ألف ويتصاعد ليبلغ المليون مشاهدة خلال ساعات، وقد عبر عن ذلك رئيس اللجنة دولة سمير الرفاعي عندما قال بأن لجنة الإصلاح السياسي جاءت لقطع الطريق على معارضي الوطن وهو بذلك يقصد المعارضة الخارجية ويصف معارضتها بأنها معارضة للوطن لا معارضة للنظام السياسي.
- البعض يقرأ تشكيل هذه اللجنة في سياق تسريع انتقال السلطة إلى ولي العهد ليرث مملكة أكثر استقرارا سياسيا في المئوية الثانية.
- ترميم العلاقة بين السلطة والشعب، حيث وصل تراجع الثقة ما بين النظام الحاكم والشعب إلى أقصى درجاته إذ يمكن ملاحظة تشكك الشعب الأردني بكل ما هو رسمي حتى انعكس ذلك على قدرة الحكومات الأردنية المتعاقبة على إدارة ملف أزمة كورونا في ظل هذه الثقة شبه المنعدمة ما بين الشعبي والرسمي
- رغبة النظام في إعادة مشاركة الشعب في حكم نفسه في ظل الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها الدولة ليتم صرف الغضب الشعبي القادم في وجه الحكومات الشعبية بعيدا عن القصر ليكون النظام السياسي الأردني أكثر استقرارا ولتجنب انفجارات شعبية تقود إلى ثورات كلية في ظل هذا الضغط الاقتصادي الخانق خاصة مع ارتفاع البطالة إلى نسبة 50% وهي نسبة لم تصل إليها الدولة الأردنية من قبل.
- انعكاسات ما عرف بقضية الفتنة الأخيرة والهتافات التي كانت في الشارع لولي العهد السابق الأمير حمزة شقيق العاهل الأردني والتي كشفت تعطش الشعب للإصلاح السياسي وبحثه عن الشخص المخلص، دفع النظام إلى قيادة زمام المبادرة وقطع الطريق على أي محاولة لاستثمار رغبة الشعب بالإصلاح السياسي.
هل يمكن أن تنجح اللجنة الملكية في مهمتها
ميزة هذه اللجنة الملكية أنها في تشكيلتها تضم جميع الأطياف السياسية الأردنية، حتى أنها حرصت على إدماج الحركة الإسلامية الأم في تلك اللجنة رغم تعامل النظام الأردني مع الجماعة باعتبارها تنظيما غير مشروع بموجب حكم قضائي.
إلا أن هناك عوامل داخل اللجنة وخارجها تهدد قدرتها على إكمال المهمة المطلوب منها أهمها: -
- شخصية رئيس اللجنة رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي، إذ يصفها الكثير بأنه كان جزء من مشكلة الأردن السياسية طيلة الربع قرن الماضي ومن كان جزءا من المشكلة لن يكون جزءا من الحل.
- بعض أعضاء اللجنة ملكيون أكثر من الملك ويعتبرون أي محاولة إصلاح دستوري أو قانوني هو مساس بهيبة الملك ومقامه وصلاحياته، مما يجعل المأمول من اللجنة دون الحد الأدنى المطلوب
- وجود تيارات عميقة ذات توجه أمني تنظر إلى الإصلاح السياسي بأنه تعريض لأمن الأردن للخطر وأن أي عملية اصلاح سوف تهدد هوية الأردن السياسية وتسهل حقيقة عملية الوطن البديل على أرض الواقع
- وجود شخصيات سياسية متنفذة في مؤسسات الدولة والدولة العميقة تعتبر أن أي إصلاح سياسي حقيقي يعني أن يصبحوا خارج المشهد فلذلك يعملون كل ما بوسعهم على تفريغ اللجنة من محتواها ومضمونها السياسي.
- وجود شخصيات متنفذة في مفاصل الدولة ملطخة بالفساد تجد في أي عملية إصلاح حقيقي طريقة للزج بها خلف القضبان وفي ردهات محاكم الفساد.
- قوة وسطوة تيار الفزاعات والتخويف من صعود الإسلام السياسي في المؤسسات الإعلامية وكتاب الرأي مما يشكل ضغطا كبيرا على عمل اللجنة ومخرجاتها.
هل اللجنة قادرة على إحداث تحول سياسي مؤثر؟
في ظل كل تلك الظروف التي تحيط بعمل اللجنة الملكية وفي ظل ما يتسرب من حديث حول عمل اللجان الفرعية وما يتسرب من توصيات بعض هذه اللجان لا يشير الى أن اللجنة قادرة على إحداث تحول سياسي حقيقي ومؤثر، فلا زال الحديث يقوم على المحاصصة العرقية والدينية والجندرية الجنسانية في العمل السياسي، ولا زالت الأيادي مرتعشة في تحصين مجلس النواب من الحل، ولا زال الحديث بعيدا كل البعد عن الحكومة البرلمانية المولودة من رحم الإرادة الشعبية ذات الولاية العامة.
ما يتسرب أقرب إلى عملية تعديلات شكلية وتجميلية للحالة القائمة لن يكون لها أثر حقيقي في إحداث التحول السياسي المأمول والذي يرد سلطة الشعب للشعب ويعطي الشعب القرار في حكم نفسه وتقرير مصيره.
لا يمكننا الحديث عن إصلاح سياسي مؤثر وحقيقي إلا إذا تم تحصين مجلس النواب من الحل، وبذات الوقت قيام القصر دستوريا بتكليف رئيس التحالف الأكبر داخل المجلس بتشكيل الحكومة البرلمانية، وإعادة الثقة بالعمل الحزبي وتحويله من غرم ونضال إلى غنم وممارسة السلطة.
لا نريد أن تفشل هذه اللجنة فالفشل يعني أن نضع الأردن في مهب عاصفة سياسية كبيرة، فكل عواملها ومحركاتها متوفرة على الأرض الأردنية ولا ندري متى يكون صاعق الانفجار أو القشة التي تقصم ظهر البعير أو القطرة التي تدفع السيل.
نجاح اللجنة وفشلها موقوف على قدرة اللجنة على إدراك خطورة ما يقومون به وأثره على مستقبل الأردن السياسي القريب والبعيد، وبنفس الوقت قدرة القصر على لجم القوى التي تحاول إفراغ اللجنة من محتواها والغرض الذي قامت من أجله، واستشعار الجميع بأننا قد نكون أمام الفرصة الأخيرة في الإصلاح ونجاة المركب الأردني من الغرق السياسي.