لماذا لا يحتمل المتدينون الرأي الآخر
هذا السؤال يتكرر كثيرا على ألسنة المخالفين للدين والتدين، والمقصود منه نعت المتدينين بالانغلاق وضيق الأفق والضيق بالتعددية الفكرية والثقافية. ولأنهم لا يدركون معنى الانتماء للدين، ومحبة الله ورسوله، فإنهم "يستغربون" هذا الحماس الممزوج بالعزة من قبل أهل العلم والصلاح.
ولعل ما قاله أحد الفنانين الأمريكان عن الإسلام ومدى اعتزاز المسلم بنبيه وقرآنه ورسالته يلخص هذا الموضوع.
الرأي الآخر لا قيمة له عندما يصبح تجديفا واستهزاء وسخرية من شعائر الدين وشخوصه وقيمه ومبادئه.
وهذا في الحقيقة ليس اختلافا في الرأي، ففي المجلات العلمية والدراسات والبحوث الكثيرة والكتب والرسائل الجامعية ما يخالف الدين الإسلامي : شريعته وعقيدته وحتى شخص النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه.
وهذه البحوث والدراسات هي المجال الذي يمكن أن يتحاور فيه المفكرون والمثقفون والعلماء مع نظرائهم المخالفين لهم.
أما ما يتفوه به بعض الناس على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بطريقة لا تحترم مشاعر الآخر، ولا تقيم وزنا لما يحب ويقبل من عقيدة وشريعة في حياته، فهذه ليست سوى أضغان وأحقاد وإثارة للفتن والتحريض على الآخر الذي هو المسلم ودينه، ومما يثلج الصدر أن كثيرا من غير المسلمين خاصة من مفكرين وسياسيين وفنانين قد تصدوا ويتصدون للإساءة للإسلام في بلدانهم، والأمثلة كثيرة كما في الحوار الذي دار بين بن أفليك الممثل الأمريكي اليهودي وأحد مدعي الخبرة والتخصص في الإسلام، وما قدمه الكاهن الروسي عندما سئل عن الإسلام ومستقبله، وكذلك ما أثاره السياسي الروسي أيضا عن الإسلام وقيمه الحضارية.
وهذه الرسائل التي يرسلها هؤلاء المحترمون من غير المسلمين كانت دافعا للكثيرين للقراءة والبحث والدراسة العلمية الرصينة والتي أدت بالكثيرين منهم إلى دخول الإسلام واعتناقه عن علم وقناعة وبعد طول دراسة وتمحيص.
لا نختلف على أن لدينا نحن المسلمين مشكلات في تطبيق الدين في مجالات كثيرة، وأننا قد نقع في ورطة التراشق بعبارات لا تليق بالمسلم في خلافه مع أخيه، ونعتقد بوجود اجتهادات فقهية اختلفت قيمتها اليوم باختلاف الزمان والمكان. وهذه كلها موجودة، ولكنها لا تبرر مطلقا الهجوم على أصل الدين ونبي الإسلام وكتاب الله سبحانه وتعالى.
في بلاد المسلمين والعرب خصوصا، يتنطع قوم من قليلي العلم الشرعي والتطبيق العملي للدين في حياتهم، ويرسلون رسائل وتغريدات وأحيانا يلقون نكاتا تعبر عن مدى ضحالتهم وإسفافهم وضعف الوازع الأخلاقي والديني لدينهم لذلك نجد أنهم يعبرون عن جهل فاضح عند بعضهم ومشاعر دفينة ضد التدين والدين عند آخرين.
فهم لا يناقشون ولا يقدمون رأيا علميا رصينا، أو اجتهادا في الفهم، بل كثيرا ما يكون صدى لما يقدمه بعض الخصوم للدين لا أكثر.
إن كثيرا من الذين يخرجون على الناس بعبارات وأفكار خارجة على القيم وأصول الحرية في التعبير، تأتي غالبا من أصحاب أجندات سياسية وثقافية تتماهى مع مصالح أعداء الإسلام، وتخدم هؤلاء الحاقدين عليه، إذ أنهم من ذوي خلفيات فكرية وسياسية تعتبر التدين خرافة، والدين علاقة خاصة بين الفرد وربه، والعادات الإسلامية والتقاليد الأصيلة ليست سوى مخلفات تراث محله المتحف، وتجرأ بعضهم فتقيأ بكلام لا يليق بنا أن نذكره هنا عن التراث العربي الإسلامي.
وهؤلاء لا يعترفون برأي آخر، ولا يقيمون له وزنا، وقد عرفت بعضهم عن قرب، فوجدت أن ما يكتبونه على المواقع والصحف السيّارة وحتى في مقابلاتهم، لا تعبر عن شخصياتهم الحقيقية؛ فعندما يتفلسفون ويتحدثون عن الحرية الفكرية فهم أول من أطلق على المطالبين باحترام الإسلام في المناهج بأنهم “داعشيون” و أصحاب أجندات، وأنهم متخلفون ويكرّسون التخلف، وعندما يتحدثون عن التعددية الثقافية والفكرية، فهم “يكذبون” إذ أنهم لا يعترفون إلا بما يعتقدون والمصطلحات هذه ليست سوى تسويق كاذب للتغطية على ما يبطنون.
أما لغتهم التي يتحدثون بها فيما بينهم، فهي والله سوقية مبتذلة بل يتعفف اللسان عن ذكرها. هذه الشخصيات التي يتلقفها الإعلام الرسمي والخاص يجب أن يعرفها الناس على حقيقتها. فهم ليسوا بمفكرين ولا مثقفين يطبقون ما يقولون بل أصحاب أجندات، وما يقدمونه من آراء ليست سوى أوراق اعتماد لهم ليتسلموا المناصب ويحتلوا المواقع المؤثرة مقابل امتيازات مادية على حساب أموال دافعي الضرائب من أبناء الوطن.