عقيد متقاعد من القوات المسلحة - الجيش العربي
علاقة المخاوف الشعبية بالأسلاك الكهربائية
ما علاقة المخاوف الشعبية بالأسلاك الكهربائية؟! من نوادر ما سمعت أنّه في بداية وصول الكهرباء إلى المنازل في أربعينيات القرن الماضي شاع بين الناس أن الإنجليز وبالتواطؤ مع الحكّام الجدد يخططون إلى قتل الناس في منازلهم من خلال أسلاك كهربائية ستزرع في البيوت، وأنّ هذا السلك سيقتل كل من يلمسه أو يقترب منه و يحرقه حرقا.
أوردت هنا هذا المثال، و هذه النادرة كتشبيه لمخاض الإصلاح الذي نخوضه الأن في الوطن الحبيب، حيث أجد أنّ هناك فريقين، وعلى مقاعد الاحتياط يجلس فريق ثالث، وهذا الفريق الاحتياط فلا حاجة لي به.
الفريق الأول يقول: إنّ حركة الإصلاح الحالية هي حركة جادّة و صادقة ستنير لنا الدرب و لا يراد منها إلا مصلحة الوطن و النهوض به ومعالجات ما كان من خبث و خبائث فيما مضى.
وأمّا الفريق الثاني فيقول: إنّ حركة الإصلاح الحالية ما هي إلا كسابقاتها، بل أشد خطرا ومكرا فهي حركة يراد منها ضياع الهوية الوطنية وتحقيق الوطن البديل وحماية الفساد والفاسدين من خلال إيجاد هويات وأحزاب ومجالس تعطي شرعية شعبية لكل هذه المخططات.. بين هذا الفريق و ذاك يشيع بين الناس أن كهرباء المنازل ما وجدت إلا لقتلهم..!
أمّا أنا فأقول: وبالعودة إلى النادرة التي ذكرتها في بداية مقالي، أن هذه الكهرباء ستكون نعمة لنا، و علينا إن سارت حسب الأصول و الثوابت وسرت في أسلاك غير معراة و لا مكشوفة و لا مجروحة وإن خُطط لها من قبل من هم أهلها، عندها ستنير لنا دربنا وتمحو عنا ظلمتنا التي طالت، وكادت تفقدنا بصرنا و بصيرتنا، وبنفس الوقت فإنها ستكون نقمة ولعنة علينا إن خالفنا شروط السلامة وثوابت الإدامة وسنن الأردنيين وعقيدتهم.
من هنا فإنني أرى ألا ننظر إلى حركة الإصلاح الحالية كنظرة الأوائل إلى الكهرباء المنزلية، وما على النظام وأدوات حكمه وإدارته إلا أن يبددوا تلك المخاوف الشعبية المشروعة قبل الإعلان عن مخرجات تلك اللجنة الإصلاحية وذلك من خلال ما يلي:
أولا: الجلوس من قبل الملك شخصيا مع نخب الوطن المعروفين للقاصي والداني وإن عارضوا ورفعوا الأصوات والشعارات حتى وإن أوصت بعض الجهات بعدم الجلوس معها، وهذا والله وتالله لا يزيد الملك إلا رفعة ومحبة في قلوب الناس، فالملك للجميع.
ثانيا: إطلاق سراح كافة من اعتقلوا لمجرد رأي أو كلمة، وإيقاف كافة الملاحقات والمضايقات التي يتعرضون لها في أرزاقهم ولقمة عيش أبنائهم.
ثالثا: إعادة الروح الوطنية والثقة للنقابات كافة وعلى رأسها نقابة المعلمين، وهي بجميع أعضائها في خندق الوطن القابض على الزناد لمواجهة أعدائه.
رابعا: لا بدّ من العمل على بث الطمأنينة وبعث الأمل في نفوس وأنفاس شباب هذا الوطن من خلال عدم إيذاء مشاعرهم و إيلام قلوبهم بتعيينات ظالمة لأشخاص أصبحوا يتوارثون المناصب والوظائف والدرجات العليا وراثة غير شرعية.
ويجب العمل على إشغال هؤلاء الشباب في مشاريع اقتصادية صناعية وزراعية ونشاطات وطنية فكرية من خلال تمويل تلك المشاريع والنشاطات ضمن موازنات الديوان الملكي وبعض الأجهزة والجهات وتخفيض الإنفاق فيها لصالح هؤلاء الشباب الذين وصلوا إلى مرحلة البؤس واليأس بعيدا عن الخطابات والدعايات الزائفة، ولعله يكون في ذلك بادرة أمل تعيد العلاقة القلبية القوية بين الوطن وأبنائه حتى تصل الكهرباء إلى منازلنا؛ فنسعد بها ونكذب أقاويل القائلين، وغفر الشعب ما كان وعمّا مضى.