المعارضة الخارجية وأفق الحل الذي يليق بالدولة الأردنية

الصورة
المصدر

تجاهل هذا الملف الشائك والتعامل معه باستعلاء من قبل الطبقة السياسية على مبدأ الإنكار والتجاهل، لن يحل المشكلة ولن يوقف نشاط المعارضة، في كل فترة يظهر لدينا معارض من الخارج يخاطب الأردنيين عبر الشاشات.. هذه المعارضة وإن كانت تقدم خطابا متفاوتا في مستوى الخطاب السياسي وحدة الموقف من النظام، إلا أنها بكل تأكيد تتمدد وتنظم صفوفها بشكل أكبر مما قد يجعل من هذا الملف كرة ثلج كبيرة تتدحرج لتشكل خطرا على إشراك الناس في الحياة السياسية الأردنية.

  1. كيف ولدت لدينا المعارضة الخارجية؟

النظام الأردني منذ تأسيس المملكة كان يحرص على عدم وجود معارضة له خارج حدود الوطن، حتى مع المعارضة الداخلية إذ ما  كان يجرح أحيانا  سريعا ما يُطبب الجرح، ويعيد المعارض إلى حضن النظام، فكثير ممن كانوا يناوئون النظام الهاشمي عادوا جزءا من هذا النظام بدءا من ثورة كليب الشريدة التي بدأت منذ عام 1921 وعادت في عام 1923 قبل إخمادها بشكل نهائي، ليعود كليب الشريدة وابنه إلى الحضن الهاشمي وأصبح ابن كليب من النظام ومن لجنة الأوصياء على العرش في المرحلة الانتقالية بين حكم الملك طلال وحكم الراحل الملك حسين.

ذات الأمر تكرر بعد محاولة الانقلاب في الخمسينيات من القرن الماضي التي فشلت وهرب قائد الجيش وبعض الضباط إلى دول الجوار المحسوبة على المعسكر الشرقي في حينها، لكن الملك الحسين كان لديه قناعة بالرفض لأي وجود لفكرة المعارضة الخارجية، فأصدر العفو عن كل من شارك بمحاولة الانقلاب، وأعاد الكثير منهم إلى مناصب رفيعة داخل الدولة، بما فيها قيادة دائرة المخابرات العامة وأصبح قائد الجيش المنقلب فيما بعد المستشار الشخصي للملك.

ظهرت لدينا المعارضة الخارجية المؤثرة بشكل واضح بعد الربيع العربي، وما تعرض له بعض النشطاء من سجن بموجب المادة (195) من قانون العقوبات والتي تجرم إطالة اللسان على شخص الملك، مع الربيع العربي توسعت الدول الأوروبية وأمريكا في منح اللجوء السياسي، فظهرت لدينا طبقة سياسية طلبت اللجوء وكثير منها كان قد قضى أقل من سنة في السجن.

ومع ثورة التواصل الاجتماعي كان للمعارضة الخارجية الأثر الكبير في تشكيل القناعات السياسية للشعب الأردني، إذ أن تدفق المعلومات وسقف الخطاب وحالة الاحتقان السياسي والاقتصادي في الأردن جعل من خطاب المعارضة خطابا جاذبا لكثير من الفئات الشعبية وخصوصا مناطق القبائل التي تأثرت تأثرا كبيرا من محاولة الحكومة الانتقال من النظام الريعي إلى النظام الإنتاجي وأصبحت منابر المعارضة الخارجية هي من تشكل قناعات الناس السياسية في الأردن على وقع أزمة اقتصادية خانقة.

  1. انعكاسات خطاب المعارضة الخارجية على الشارع الأردني.

  • بلا شك أن خطاب المعارضة الخارجية أفقد الناس الثقة بالعمليات الانتخابية، ومن خلال مراجعة نسبة المشاركة نجد أنه في 2013 بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية 56.7% ليبدأ الانخفاض الحاد بعد ظهور المعارضة الخارجية في عام 2016 والتي بلغت 37% وانخفضت المشاركة بشكل كبير في انتخابات 2020 إلى 29%، وذات النسبة كانت في الانتخابات المحلية البلدية لهذا العام، إذ وصلت نسبة المشاركة إلى 29%، ومن الملاحظ أن 10% ممن ذهبوا إلى التصويت في الانتخابات المحلية أدلوا بأوراق بيضاء كاحتجاج على العملية الانتخابية.
  •  المعارضة الخارجية تقدم خطابا يركز على ما يؤرق الأردنيين، وهو ملف الفساد، إذ يعتقد كثير من أبناء الشعب أن من أوصلهم إلى الحالة الاقتصادية المتردية وفقا لما يصوره خطاب المعارضة الخارجية هو الفساد مستغلا بعض التسريبات والتحقيقات الصحفية للصحافة الغربية، ويصورون أن بوابة الإصلاح الحقيقي تكون بمحاربة الفساد لذلك وجدن التفاعل الكبير من قبل الشعب الأردني مع حملة المعارض الأردني المعروف المهندس ليث شبيلات، والذي قال إن نسبة التفويض لحملته في محاربة الفساد بلغت 350 ألف تفويض على مواقع التواصل الاجتماعي، وإن كان الرجل يعارض من الداخل لكن ذات الخطاب تتبناه المعارضة الخارجية.
  • خطاب المعارضة أفقد الناس الثقة في أي عملية سياسية وصور للمجتمع؛ أن الإصلاح من داخل النظام مهمة شبه مستحليه معتمدا على عرض تجارب سابقة وكيف كان يتم إفشالها فأظهرت مراكز استطلاع الرأي أن 68% من الشعب الأردني لا يثقون بمخرجات اللجنة الملكية، و32% فقط يثقون بها، كما أظهرت النتائج 69% غير متفائلين بمخرجات اللجنة الملكية و31% فقط متفائلين بمخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
  • خطاب المعارضة الخارجية أصبحت تتبناه قوة ناشطة في الداخل الأردني حتى أن بعض الأحزاب تقدم خطابا يماثل بمفرداته خطاب المعارضة الخارجية، ويظهر بعض أفرادها مع المعارضة الخارجية على بث مواقع التواصل الاجتماعي كاستضافات سياسية، وحتى بعض الأحزاب التي تقدم قياداتها خطابا مختلفا لكن قواعدها على مواقع التواصل تتبنى وتؤيد خطاب المعارضة الخارجية من حيث التوصيف والحل.
  • في أزمة الفتنة السنة الماضية كان خطاب المعارضة الخارجية هو الخطاب الرائج بين فئات المجتمع وكل الروايات الحكومية كان الشعب يعرض عنها ويأخذ رواية المعارضة الخارجية، فرأينا حجم التعاطف مع الأمير حمزة على مواقع التواصل الاجتماعي حتى تم الهتاف للأمير في بعض التظاهرات وكل ذلك متسق ومتفق مع خطاب ورواية المعارضة الخارجية
  • لا نبالغ إن قلنا إن خطاب المعارضة الخارجية هو الخطاب الأكثر شيوعا في الشارع الأردني وأن كل أذرع الدولة الإعلامية فشلت في مواجهة خطاب المعارضة الخارجية الطوبائي المثالي الشعبوي إن صح التعبير، والذي يركز على مكافحة الفساد، وهو أكثر ملف يثير حفيظة الشعب وسخطه.
  1. أفُق الحل والمخرج

حل ملف المعارضة الخارجية أصبح ضرورة سياسية، من أجل استقرار وتهيئة الجو لمناخ سياسي بحيث تشارك فيه كل القوى السياسية والقطاعات الشعبية في العملية السياسية القادمة وتنزع حالة القنوط والتيئيس التي تضخ في الشارع الأردني، إذ أن حل هذا الملف لن يكون بالمقاربات الأمنية ولا بالهجوم الإعلامي أو مزيد من الاعتقالات، واغماض العيون والتجاهل المريح والحلول الأمنية كمن يلقم فم النار بالحطب، ويصب الزيت على النار.

هذا الملف يحتاج إلى حل غير نمطي كالحلول والمقاربات التي قام بها الملك الراحل الحسين رحمه الله في ملف انقلاب الخمسينيات إذ يمكن أن يتم حل هذا الملف بالتالي: -

  • تعيين وزير تنمية سياسية محل ثقة القوى السياسية يُطمئن كل القوى المعارضة في الداخل بسلامة العملية السياسية والانتخابية القادمة ويقدم ضمانات حقيقية تضمن النزاهة والشفافية والتمثيل الحقيقي لإرادة الشعب، شخصية يثق بها الشعب الأردني قادرة على إخراج الناس إلى مربع المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية
  • الذهاب إلى تعديل قانون العقوبات أو إلغاء نص المادة 195 الخاصة بإطالة اللسان على جلالة الملك والاكتفاء بالنصوص القانونية التي تحمي المواطنين الأردنيين من تلك الجريمة، فهذه المادة من رحمها ولدت المعارضة الخارجية الحديثة ولا زالت الرحم الولود للجوء السياسي وتسمين جسد المعارضة الخارجية وموردها الأساسي.
  • الذهاب إلى عفو عام عن كل من حكم أو سجن بهذه الجريمة وتهيئة المناخ إلى عودة كثير من تلك المعارضة التي وجدت نفسها معارضة خارجية تحت ضغط الحلول الأمنية والملاحقات القضائية.                                                                                   
  • اللقاء والجلوس فوق الطاولة- وليس من خلال صفقات شخصية - مع هذه المعارضة ورموزها وتنظيمها الذي بدأ يتشكل في أوروبا وأمريكا والذهاب معهم إلى مقاربات سياسية تخدم الأردن والدولة الأردنية، وتقدم جرعة إصلاحات تساعدهم على إعادة الاندماج في الحياة السياسية الأردنية، فهؤلاء كثير منهم حتى وإن عارض بسقف مرتفع وتجاوز الخطوط في النقد لكنه لم يمد يده لأعداء الوطن وخصومه وخصوصا الكيان الصهيوني ومواقفهم معلنة في ذلك

 بالنهاية المقاربات الأمنية والملاحقات القضائية والتجاهل والتهوين من تأثير المعارضة لن يحل المشكلة وتجاهل المرض يفاقمه ولا بد من حلول شجاعة وساعة مصارحة في حل هذا الملف بشكل حضاري يصب خيره في صحن الوطن كل الوطن شعب وحكومة ومعارضة خارجية وقوى سياسية لنكون يد واحدة تسهم في بناء هذا الوطن ومستقبله، فإن جر العربة وتجاذبها باتجاهات مختلفة لن يدفعها إلى الأمام وقد يحطمها لا سمح الله، ونتائج وجود المعارضات الخارجية لدول الجوار نار لا زالت تكتوي بها تلك البلدان وشعوبها.

الأكثر قراءة
00:00:00