المياه في الأردن.. نظرة على تاريخ المياه السطحية
بقلم ليث أبو نواس | المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
يعاني الأردن منذ عشرات السنوات -على أقل تقدير- من خطر يمس الأمن المائي، الذي وبحسب الرواية الرسمية قد يعزى إلى العديد من العوامل أهمها التغيرات المناخية التي يشهدها العالم ويظهر أثرها في انحصار كميات الأمطار في المنطقة التي تؤثر على منسوب التخزين في السدود، بالإضافة إلى الزيادات المفاجئة في أعداد السكان داخل المملكة بسبب الأزمات السياسية واللجوء! كل هذه العوامل تضع صانع القرار الأردني أمام تحديات تدفعه نحو المضي باتجاه خيارات محدودة كما تم تصويرها للرأي العام، فأصبح الفقر المائي في الأردن معضلة تستخدم لتبرير إبرام اتفاقيات تعاون وشراء كميات من المياه من جهات لا يعترف الشارع الأردني بشرعيتها، ما يضع الحكومات في صراع بين تحقيق الأمن المائي وبين السخط الشعبي والنيابي من التعامل مع تلك الجهات!
ويبقى السؤال الفعلي ما الذي أوصل الأردن إلى هذا الحال اليوم؟ وأين هي الخطط الاستراتيجية في قطاع المياه التي من المفترض أن تكون قد أخذت التغيرات المناخية بعين الاعتبار وكذلك خطط الاستجابة لأزمات اللجوء التي ترعاها الوزارة المختصة في كل قطاع مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي والجمعيات والبرامج الإنمائية للأمم المتحدة!
تاريخ قضية المياه في الأردن
ومن الأمانة التاريخية في السرد عند التطرق إلى قضية المياه في الأردن؛ أن يتم العودة إلى ما قبل تأسيس إمارة شرق الأردن والقيام بدراسة المصادر البيئية التي كانت تزود المجتمعات المحلية بالمياه السطحية قبل التعمق في المياه الجوفية. وهذا ما سأحاول تسليط الضوء حوله في أثناء تناول قضية نهر الأردن عارضا فترات تاريخية متعاقبة مستدلا بمصادر مختلفة سواء كانت عربية أو أجنبية! وتجدر الإشارة هنا بأن القضية ليست ذات طابع جغرافي وحسب، بل إن قضية نهر الأردن تحمل أبعادا أخرى كالبعد التاريخي والديني والسياسي؛ حيث يعتبر النهر مقدسا عند اليهودية والسامرية وذلك لعبور بني إسرائيل مياه نهر الأردن إلى الأرض الموعودة كما تزعم المراجع اليهودية، وعند المسيحية يعتبر "موقع المغطس" شرقي نهر الأردن، من أهم الأماكن الدينية في العالم. وتُعد منطقة نهر الأردن أحد الأماكن التي مشى فيها يسوع لحدث المعمودية؛ والمغطس الذي كان يوحنا المعمدان يبشر ويعمد فيه في الفترة الأولى من بشارته.
جذور القضية
يتركز الحديث هنا حول نهر الأردن الذي تُبيِّن المصادر المختلفة بأنه من أهم أنهار المنطقة ويبلغ طوله حوالي 251 كلم وطول سهله حوالي 360 كلم. ويشكل النهر المصدر الوحيد للمياه السطحية في الأردن والضفة الغربية.
ينقسم المجرى الطبيعي لنهر الأردن حول بحيرة طبريا إلى جزأين (علوي وسفلي)؛ فيتكون الجزء العلوي قبل الوصول إلى بحيرة طبريا من التقاء ثلاثة روافد رئيسية وهي:
- رافد بانياس وينبع من هضبة الجَوْلان من بلدة بانياس بالقرب من جبل الشيخ في الأراضي الجنوبية الغربية من سوريا، ويقدر معدل تصريفه السنوي بحوالي 140 مليون م3.
- رافد اللدان وينبع من سفوح جبل الشيخ في الأراضي السورية ويقدر معدل تصريفه السنوي بحوالي 257 مليون م3.
- رافد الحاصباني وينبع من هضبة الجَوْلان في جنوب لبنان قرب بلدة حاصبيا، ويقدر معدل تصريفه السنوي بحوالي 157 مليون م3.
تلتقي هذه الروافد الثلاثة معا على بعد حوالي 15 كلم شمالي منطقة الحولة في لبنان لتشكل حوض نهر الأردن الشمالي الذي يسمى سهل الحولة بحيث يمر في مستنقعات بحيرة الحولة التي تقارب في ارتفاعها سطح البحر إلى أن يصب في بحيرة طبريا على انخفاض 210 أمتار تحت سطح البحر وتكوّنت من جرّاءِ حدوث الوادي المتصدع الكبير.
(تاريخيا، يقدر معدل تصريف مياه نهر الأردن العلوي والواصلة إلى بحيرة طبريا حوالي 600 مليون متر سنويا).
يخرج النهر مرة أخرى من بحرية طبريا و ينحدر جنوبا باتجاه البحر الميت بعد أن يلتقي بنهر اليرموك عند منعطف مثلث اليرموك، والمعروفة بملتقى النهرين.
ينبع نهر اليرموك من جبل حوران في سوريا ويقدر معدل تصريفه السنوي بحوالي 420 مليون م3 يشكل التقاء النهرين الجزء السفلي من نهر الأردن بعد التقائه مع روافد نهر الزرقاء ووادي كفرنجة وجالوت، ويستمر النهر في الجريان جنوبا في مسار شديد التعرج ليصب في النهاية بعد 120 كلم في البحر الميت على انخفاض قدره 422 مترا تحت سطح البحر مكونا فاصلا جغرافيا بين فلسطين التاريخية.
(تاريخيا، يقدر معدل تصريف مياه نهر الأردن السفلي والواصلة إلى البحر الميت بحوالي 1400 مليون م3 سنويا).
في آذار عام 1921 أعلنت بريطانيا نهر الأردن حدودا بين أراضي ما أسمته إمارة شرق الأردن وأراضي الانتداب على فلسطين والتي خضعت لرعاية بريطانية بأمر من عصبة الأمم.
ومنذ هذا الإعلان بدأت جذور مشكلة مياه النهر في التكون بحكم الصراعات السياسية التي شهدتها المنطقة بعد خروج حكومة الانتداب البريطاني وإعطاء الأراضي الفلسطينية للعصابات اليهودية المتطرفة التي أنشأت مغتصبات إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية من النهر وما لحق من حروب بين الدول العربية والكيان المحتل!
في الجزء القادم من التقرير سأستعرض جانب من الاعتداءات التي قامت بها عصابات الكيان الغاصب تحت ا يعرف بمشروع ناقل المياه القطري وسرقة مياه نهر الأردن العلوي. وكذلك كميات المياه المستخدمة من مختلف الجهات لمياه النهر. وكذلك الحديث حول فقرات ملحق اتفاقية وادي عربة والكميات المذكورة لكل جانب.