شهر التوعية بسرطان الجهاز الهضمي السفلي

الصورة
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

لقد تم اختيار الشهر الثالث (آذار) من كل عام ليكون شهراً للتوعية بمرض سرطان الجهاز الهضمي السفلي (القولون والمستقيم)  على مستوى العالم أجمع، ففيه تكثر الندوات والحملات التوعوية الخاصة بهذا المرض على صعيد الأوساط الطبية أو الجمهور  وهنا أجد نفسي مشاركا بجهود التوعية بهذا النوع من السرطان آملا أن يستفيد من هذه المعلومات  القراء بغض النظر عن ثقافتهم وتخصصاتهم.

مدى انتشار المرض:

تختلف نسبة الإصابة بمرض سرطان القولون والمستقيم من منطقة جغرافية لأخرى ومن بلدٍ لآخر، فهناك بلاد في الشمال الأوروبي و أستراليا و الولايات المتحدة الأميركية تتعدى نسبة الإصابة السنوية فيها 40 حالة لكل مئة ألف من السكان، في حين تقل في بعض البلاد الأفريقية عن 4 حالات لكل مئة ألف ولذلك تفسيرات علمية عديدة.

حجم المشكلة:

المركز الثالث من حيث الانتشار

يحتل هذا النوع من السرطان المركز الثالث من حيث الانتشار بين أنواع السرطانات المختلفة على مستوى العالم مسبوقًا بسرطان الرئة والثدي، فعلى صعيد الذكور يحتل المركز الثالث بعد سرطان البروستات والرئة، فيما يحتل المركز الثالث عند الإناث بعد سرطان الثدي والرئة.

أما على صعيد دوره في التسبب بالوفاة من السرطان، ففي الذكور يحتل المركز الثالث بعد سرطان البروستات والرئة، وفي الإناث يحتل المركز الثالث بعد سرطان الرئة والثدي.

الأرقام المحلية:

أما في منطقتنا بما فيها الأردن، فتشير إحصاءات المركز الوطني للسرطان والدراسات العلمية المحلية المختلفة إلى أن نسبة الإصابة بهذا السرطان بحدود 19 حالة لكل مئة الف من السكان وهو بهذا يحتل المركز الأول في سرطانات الرجال يليه سرطان الرئة، بينما يحتل المركز الثاني عند الإناث مسبوقًا بسرطان الثدي، في حين لا توجد دراسات موثقة تبين مدى مساهمته في الوفاة من السرطان على وجه العموم.

محليا يحتل المركز الأول في سرطانات الرجال يليه سرطان الرئة

العمر عند الإصابة:

من الثابت علميًا أنه لا يوجد عمر معين في مأمن من هذا النوع من السرطان، ولكن من الثابت أيضاً أن احتمالية الإصابة تزداد بشكل مطرد بزيادة العمر، ومعدل العمر لهؤلاء المرضى في حدود 65 عامًا، ولكن لا بد من الإشارة هنا إلى حقيقة هامة، وهي احتمالية الإصابة عند صغار العمر أي  أقل من 40 عامًا، حيث تبلغ نسبتهم في البلاد الغربية في حدود 5% من الحالات، بينما تتجاوز هذه النسبة في الاردن حدود 15% من الحالات.

 ولهذه الحقيقة أهمية حيث أن كثيرًا من مرضى سرطان القولون والمستقيم من فئة صغار العمر يتم تشخيصهم في مراحل متقدمة من المرض رغم وجود الأعراض الدالة على ذلك لأن العاملين في الحقل الصحي يستبعدون هذا التشخيص في المراحل الأولى فقط لأن المريض صغيرًا في العمر, وهذا يؤثر سلبًا على فرص الشفاء.

عوامل زيادة نسبة الإصابة (الفئة الأكثر عرضة للإصابة)

  1. الفئة العمرية فوق 50 عاما.
  2. الأمراض الوراثية المرتبطة بسرطان القولون مثل سرطان القولون الوراثي(Hereditary Nonpolyposis Colorectal Cancer) و مرض السلائل اللحمية العائلي (Familial adenomatous Polyposis).
  3. وجود إصابة سابقة بسرطان القولون أو غيره من السرطانات لدى الشخص المعني.
  4. وجود تاريخ عائلي بالإصابة بسرطان القولون أو غيره من بعض أنواع السرطان الأخرى.
  5. وجود تاريخ سابق بالإصابة بسلائل لحمية (Polyps).
  6. التهاب القولون التقرحي وخاصة الشامل لكل القولون وبعد مرور 10 أعوام على بداية المرض.

التحري (Screening) و الكشف المبكر

إن الوسيلة الوحيدة الأكثر دقة وضماناً للتحري و الكشف المبكر و التشخيص لسرطان القولون و المستقيم هي تنظير القولون (Colonoscopy)، وهذه وسيلة يصعب اعتمادها للمسح المجتمعي و التحري الشامل على مستوى المجتمع لتكلفتها العالية و عزوف الناس عنها لتكلفتها و حاجتها للتحضير من خلال تنظيف القولون بشكل كامل, و الحرج لدى البعض لأن التنظير يتم من خلال فتحة الشرج و في أقسام التنظير المتخصصة الخ.



إن العاملين في المجال الطبي يتشوقون إلى ذلك اليوم الذي يتم فيه ابتكار وسيلة أسهل للتشخيص و كذلك الكشف المبكر مثل فحص الدم أو البراز أو ما يعول عليه الكثيرون والمتمثل بالفحص الجيني.



و إلى أن يأتي ذلك اليوم المنشود يبقى تنظير القولون هو الوسيلة المعتمدة و يوصى به على الأقل للمرضى ذوي الاحتمالية الأعلى للإصابة و بشكل دوري يعتمد برنامجه على طبيعة الحالة الداعية لذلك.



كما يتم من خلال تنظير القولون (إضافة إلى تشخيص الورم وأخذ عينات لإثبات المرض بالفحص النسيجي)، إزالة الزوائد أو السلائل اللحمية قبل تطورها لسرطان خبيث.

التفسير العلمي للإصابة بسرطان القولون:

تتحول الخلايا الطبيعية للغشاء المخاطي المبطن للقولون إلى السرطان من خلال تأثرها بعدد من الطفرات الجينية المتتابعة بحيث تنقل الخلايا من الوضع الطبيعي للوضع المتحفز ومن ثم لسلائل لحمية ثم ورم موضعي ثم ورم منتشر, وهذه النقلات تحتاج لفترات زمنية مختلفة من الوقت بحسب درجة و سرعة انقسام الخلايا.

إن هذه الطفرات الجينية تصيب الإنسان بإحدى طريقتين: الأولى من خلال الوراثة و هذا تفسير الدور الوراثي ضمن الأسباب المؤدية للسرطان، و الثانية من خلال العوامل البيئية وخاصة الطعام، و هذا يفسر ما يتردد في الأدب الطبي عند دور الأطعمة الغنية باللحوم و الدهون كأحد العوامل المؤدية للمرض وبعكس ذلك دور الألياف والأطعمة النباتية كعوامل تقلل من خطر الإصابة.

كما يرد في الأدب الطبي دراسات تشير  إلى دور الكحول والتدخين والسمنة وقلة الحركة كعوامل مساعدة للإصابة بالمرض، و بعكس ذلك الدور الإيجابي للكالسيوم والأسبيرين في تقليل إمكانية الإصابة.

الأعراض الأكثر شيوعاً لأورام القولون والمستقيم:

  1. التغير في نمط التغوط والإخراج سواءً الإمساك أو الإسهال أو كليهما, أو الشعور الكاذب بالحاجة للإخراج أو الإلحاح المتكرر للإخراج أو عدم الشعور الكامل بالإخراج أو الحاجة لشد البطن والضغط الشديد للإخراج.
  2. تغير نمط البراز سواءً الشكل أو القطر أو تفتته أو غير ذلك.
  3. نزول الدم أو المخاط من الشرج.
  4. ألم البطن سواءً المغص أو الألم الحاد أو الشعور بانتفاخ البطن أو ثقله.
  5. الإحساس بوجود كتلة في البطن
  6. الأعراض العامة مثل هبوط الوزن وفقدان الشهية.
  7. الأعراض الناتجة عن فقدان الدم مثل الشحوب والتعب العام والإرهاق وضيق النفس والخفقان والدوخة.

الحالات الطارئة:

يعاني حوالي ربع مرضى أورام القولون والمستقيم من حالات طارئة تؤدي بهم إلى مراجعة الطوارئ مع احتمال التداخلات الطارئة وخاصة:

أولاً: الانسداد الكامل للأمعاء.

ثانياً:النزف الشديد.

ثالثاً:انثقاب القولون و بالتالي التهاب البطن من الداخل و تسمم الدم.

التشخيص:

  1. تنظير القولون في التشخيص و أخذ العينات.
  2. يمكن في حالات خاصة اعتماد تقنية تصوير القولون الطبقي كبديل عن التنظير (CT Colonography).
  3. هنالك حاجة لإجراء أنواع مختلفة من الفحوصات الشعاعية لتقيم درجة المرض ومدى انتشاره موضعيا وفي عموم الجسم مثل التصوير الطبقي (CT-scan) والرنين المغناطيسي (MRI) والطبقي البوزتروني(PET- scan).
  4. الفحوصات العامة لتقييم حالة أعضاء الجسم المختلفة مثل الكلى و الكبد و القلب و خضاب الدم و غير ذلك.
  5. بعض الفحوصات الجينية التي تساعد في تحديد الدور الوراثي وكذلك إمكانية الاستجابة للأدوية المختلفة.

انتشار المرض:

ينتشر سرطان القولون في خمسة محاور:

  1. من خلال تمدده في جدار القولون وطبقاته المختلفة من الداخل للخارج.
  2. خلال الأعضاء و الأنسجة المحيطة بمكان المرض.
  3. إلى الغدد اللمفاوية.
  4. إلى تجويف البطن.
  5. إلى الأعضاء البعيدة مثل الكبد والرئة وغيرها وذلك من خلال الدم.

العلاج:

لكل حالة من حالات سرطان القولون والمستقيم السياسة العلاجية الأنسب لها بحسب مكان السرطان و درجة الانتشار و الحالة العامة للمريض والإمكانات المتوفرة.

وتشمل وسائل العلاج ما يلي:

  1. الجراحة: وهي الوسيلة الوحيدة حالياً التي يمكن أن توفر الشفاء الكامل. والجراحة هنا لها أنواع مختلفة بحسب مكان المرض ومرحلته وعوامل أخرى عديدة.
  2. الأدوية: الكيماوية و البيولوجية و المناعية.
  3. العلاج الشعاعي.
  4. الإجراءات التلطيفية.

و كما اسلفنا فكل مريض يحتاج إلى التوليفة الأنسب له من الطرائق السابقة، أحدها أو بعضها أو كلها.

المآل (Prognosis) و نسب الشفاء:

تعتمد نتيجة العلاج على عوامل متعددة أهمها مرحلة المرض ومواصفاته النسيجية والعلاج المقدم و وظيفة أعضاء المريض المختلفة و قدرته على تحمل التداخلات والعلاجات المختلفة.

يمكن أن تصل نسب الشفاء في المرحلة الأولى حوالي (90%) وفي الثانية (70%) والثالثة (30-50%) وحتى المرحلة الرابعة هنالك نسب شفاء ولو بسيطة من خلال إجراء تداخلات جراحية لبؤر الانتشار إضافة إلى العلاجات الدوائية المكثفة.

بقلم : الدكتور طارق الجابري

دلالات

أستاذ الجراحة العامة وجراحة القولون والمستقيم جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

الأكثر قراءة
00:00:00