طوفان الأقصى.. في ظلال المعركة

الصورة
صورة تعبيرية - مسجد قبة الصخرة| المصدر :Freepik
صورة تعبيرية - مسجد قبة الصخرة| المصدر :Freepik
آخر تحديث

كتب الدكتور عبدالله فرج الله عن معركة طوفان الأقصى..

زمام المبادرة

حين تملك زمام المبادرة؛ تملك النتيجة، وتحسم سبعين في المائة من المواجهة، فأول الظلال أن تملك زمام المبادرة، فتغزوهم قبل أن يغزوك، وتداهمهم قبل أن يداهموك، وتحط في رحالهم قبل أن يحطوا في رحالك، أن تمتلك زمام المبادرة أول خطوات النصر، وأعظمها، ويعني باختصار أنك تمتلك القدرة على الإقدام، والجرأة على التنفيذ، وأنك بت متقدماً في المعنويات على عدوك، وإن تقدم عليك بما يمتلكه من قوة في السلاح، وتفوق في العدد. 

أن تمتلك زمام المبادرة يعني أنك حققت أول خطوات الهزيمة التي سيمنى بها عدوك، الذي سيتخبط في قراراته، ويتأزم في اتخاذ مواقفه، أمام حجم الخسارة التي سيتكبدها، خاصة إن رافق امتلاك زمام المبادرة عنصر المباغة والكتمان.

المباغة والكتمان 

من أعظم عوامل النصر والتمكين وتحقيق الإنجازات، أن يجتمع في النفس والواقع والسلوك عنصرين، الأول عنصر المبادرة الذي به تستفز طاقاتك، وتجند كل خبراتك وتوظف كل إمكاناتك وتستثمر كل ثانية من وقتك، والثاني عنصر المباغة والكتمان، الذي تستعين به على قضاء حاجاتك وإنجاز تطلعاتك، وتحقيق أمنياتك والوصول إلى أهدافك وغاياتك بسرية تامة، تبهر الأفهام والعقول، وتسحر العيون والآذان حين يكشف عنها الغطاء. 

وهذا شأن العاملين الصادقين، وغيرهم يملأون الدنيا صياحاً وخطابات ينالون فيها تصفيق الشعوب التائهة التي ضاعت في منعطفات الأنظمة الفاسدة المستبدة، والتي ليس لها من بضاعة غير الكلام والخطابات الرنانة الجوفاء، فتسمع جعجعة ولا ترى طحناً.

الإعداد والاستعداد

إذا أحسنت الإعداد، وأخذت بأسباب الاستعداد، وبذلت الوسع في امتلاك أسباب القوة المادية التي تستطيعها ولم تدخر في سبيل ذلك جهداً ولا وقتاً، ولم تترك لذلك السبب سبيلاً إلا وسلكته، ولا باباً مغلقاً إلا وطرقته، ولم تتدثر بالمسوغات والأعذار، ولذت مستسلماً لمتطلبات العجز واليأس، بل عملت على قهر الصعاب وتحدياتها، وسجلت في تجاوزها والتفوق عليها أروع الأمثلة وأجملها، فأنت بهذا قدمت عذرك كاملاً بين يدي الله سبحانه وتعالى على الجبهة المادية، جبهة الأخذ بالأسباب، وكنت أهلاً بعدها لأن تسجد في محراب الإيمان سجدة المؤمن المطمئن لوعد الله تعالى.

القوة الإيمانية

قبل الأخذ بالأسباب المادية وبعدها، يرافق ذلك كله العمل على زيادة القوة الإيمانية بعظمة الله وقدرته، وأن النصر والتوفيق والفلاح والنجاح كل ذلك لا يتحقق بهذه الأسباب المادية مهما بلغ شأنها، وعظم شأوها، ما لم تكن مغلفة بقوة إيمانية عظيمة، ولسان الحال يؤكد أن الأخذ بالأسباب المادية وكأنها كل شيء للنصر والتمكين، ثم بعد استكمال عناصرها، تركها والتوجه لله سبحانه وتعالى والتوكل عليه، والإلحاح بالدعاء والمناجاة في محراب السجود بين يديه وكأن هذه الأسباب المادية لا شيء على الإطلاق.

نعم، فنحن أمة نصرت بالرعب من مسيرة شهر، رغم قلة في العدد والعدة، وما ذلك إلا بقوة يقيننا وإيماننا بالله الذي يعلم صدق الإيمان، فيسخر جنوده نصرة لعبادة، والرعب من جنود الله التي لا نعلمها.

قيم لا تتغير

المسلم المنتصر لا يغره انتصاره ولا تغره قوته، ولا ينهزم لغضبه ولا يقوده انتقامه للتخلي عن قيمه ومبادئه التي رسمتها له عقيدته وأكدت عليها نصوص كتابه العظيم، وتمثلها سيده رسول الله صلى الله عليه وسلم في حربه وسلمه؛ فلا يعتدي على الآمنين ولا يقتل المسالمين ولا يرهب النساء والأطفال ولا يفسد الممتلكات الخاصة، ولا يعبث في مقومات الحياة.

ما أجمل ما رسمته أخلاق المقاتلين المجاهدين، فقد رسمت أجمل اللوحات الإنسانية العظيمة، التي انعدمت عند أعدائهم، الذين لا يراعون فيهم إلاً ولا ذمة، وما أسرع غدرهم وبطشهم في المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، ورغم ذلك كله ورغم المعاناة والألم الذي لحق بهم وبأهلهم ومقدساتهم وممتلكاتهم على مدار ما يزيد على سبعين عاماً، إلا أنهم بقوا منقادين لقيمهم ومبادئهم ودينهم وأخلاقهم.

امتلاك أوراق ضغط

نعم، يسعى المجاهد في بناء خطط متكاملة لمعاركه التي يخوضها، وأعماله التي يقوم بها، فينظر في مقدماتها قبل القيام بها، وفي نتائجها بعد تنفيذها والقيام بها، ولا ينسى ظروفه المصاحبة لوقت تنفيذها، فتراه يدرس كل ما يحيط بمهامه من قبل وخلال تنفيذها، ومن بعد القيام.

وحرصه على امتلاك أوراق قوية وفاعلة لعلمه بأخلاق من يواجه، وبالأحرى يعلم انعدام أخلاق من يواجه، الذي لا تحكمه قيم ولا تقيده أخلاق ولا يرضخ لقوانين، وبالتالي يحرص المجاهدون على امتلاك ما يرغمه على الانصياع بالقوة، من خلال هذه الأوراق التي يعمل على امتلاكها.

ولعل ورقة الأسرى والرهائن هي أكبر هذه الأوراق، وأشدها أثراً، وأنفع وقعاً، في محاولة من المجاهدين حماية أهلهم ومدينتهم من طيش وبطش عدوهم، فإن تجاوز هذا العدو حدوده، ولم توقفه هذه الورقة، فالأمر بعد ذلك لله، يفعل ما يشاء، وتبقى روح المقاومة عالية، لا تزيدها التضحيات إلا صقلاُ وصلابة وقوة، على مزيد من الصبر والبذل والعطاء. 

النصر صبر ساعة

إن كنتم تألمون فإنهم يألمون كما تألمون، ولكنكم أنتم المتفوقون، رغم جراحكم وآلامكم، رغم صبركم وعظيم تضحياتكم، لأنم ترجون من الله سبحانه وتعالى ما لا يرجون. ما أعظم أن تكون مع الله، في كل شأن حياتك، في سلمك وحربك، في أخذك وعطائك، في فرحك وحزنك، في نصرك وهزيمتك!!

وفي اللحظات الصعبة، والأوقات الأشد أزمة، التي ييلغ فيها اليأس مبلغه، ويعمل في النفوس عمله، لدرجة أن يظن الرسل فيها الظنون.

"حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسْتَيْـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشَآءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ".

في هذه اللحظات الشديدة الصعبة، معشر المؤمنين، تذكروا الفئة المؤمنة، التي حوصرت في المدينة يوم الأحزاب، حين اجتمعت ملة الكفر وتداعوا من كل حدب وصوب للقضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه في مدينتهم. فانظر إلى وصف الله تعالى لحالهم التي كانوا عليها، لتعلم الحقيقة، حقيقة البلاء وعظمة النصر بعدها بإذن الله، قال تعالى: 

"إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا" [الأحزاب: 10]

من فوقكم، من أسفل منكم, فزاغت أبصار من؟ وقلوب من؟ وظنون من يا سادة؟ إنها أبصار وقلوب وظنون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الطابور الخامس

وفي مثل هذه الأوقات الصعبة، والحوادث الشديدة، والتضحيات الجسيمة، تتحرك الطفيليات الملتصقة بجسم هذه الأمة، تمص دمه وتضعف جسمه، نعم تنشط هذه الطفيليات الدودية لتعمل عملها في إشاعة الفتن وتحطيم المعنويات وإفساد الأجواء الإيمانية.

" وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا"[الأحزاب: 12]

ولخطورة هذه الفئة الطفيلية، يطيل المولى سبحانه وتعالى الحديث عنهم، لبيان خطرهم على الصف المؤمن، وللتحذير من الوقوع في شركهم والاغترار بحديثهم، خاصة وهم اليوم يملكون القوة الإعلامية بكل أشكالها؛ من مواقع ووكلات وفضائيات وقنوات، ويجدون من يقف خلفهم ويمدهم في نفاقهم.

نعمة الله

الصبر واليقين والثبات عاقبته نعمة من الله عظيمة، ومقام لا يستحقه إلا الصابرون. 

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ". [الأحزاب: 9]

يا أهل غزة جاءتكم جنودهم، كما جاءت رسولكم صلى الله عليه وسلمن بالأمس جنود الأحزاب تحاصر المدينة، واليهود داخلها يترقبون لحظة الانقضاض والغدر كما هي شيمهم وعادتهم، لكن نعمة الله كانت أعظم، فأرسل جنوده ويا لها من جنود، وإن لم تروها، قلبت قدورهم، وقلعت خيامهم، وأفسدت مخططاتهم، وفرقت جمعهم، وهزمتهم شر هزيمة، فكان النصر والتمكين والتطهير للمدينة بعد ذلك من رجس اليهود. 

فاصبروا وصابروا وارابطوا واتقوا الله إن نصر الله قريب قريب قريب..

الأكثر قراءة
00:00:00