قانوني، كاتب
لماذا تنحاز النخب العربية لخصوم الإخوان؟
هناك ظاهرة تشكلت معالمها بعد الربيع العربي والتي صعد فيها الإخوان المسلمين عبر الصندوق إلى قيادة الدول في كل من تونس ومصر والمغرب.
في مصر انحاز حزب النور الإسلامي اليميني المتشدد المحسوب على الحركة السلفية إلى العسكر في مواجهة تيار الإخوان، كما انحاز شيخ الأزهر إلى العسكر، وكان جزء من الجالسين على دكة منصة الانقلاب والمظلة الدينية لهذا الانقلاب وشرعنته.
ذات الأمر تكرر من كل التيارات اليسارية المصرية ضد الإخوان في مصر وكذلك التيارات الليبرالية، وحتى من الذين كانوا جزءا من الإسلام السياسي إلى عهد قريب انحازوا إلى العسكر في مواجهة الإخوان.
ذات الأمر تكرر في تونس إذ لاحظنا الكثير من الأحزاب اليسارية والأحزاب الليبرالية العلمانية انحازت إلى إجراءات قيس سعيد في تفكيك حكم المؤسسات وتوزيع السلطة لصالح الاستحواذ على كل السلطات وتركيزها بيده بشكل مطلق نكاية في الإخوان في تونس " حزب النهضة " ويستثنى من هذا الموقف ما قام به الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، الذي انحاز للديمقراطية رغم خلافه المعلن مع الإخوان.
هذه الظاهرة في العالم العربي تستحق التأمل والنظر، كيف يمكن لسياسي أن يقف ضد العملية الديمقراطية التي جاءت بها الشعوب بالنضال والتضحيات نكاية بفصيل سياسي آخر، ولماذا ينحاز العلماني الليبرالي واليساري، وينحاز اليميني الإسلامي ضد الإخوان في معاركهم مع خصومهم؟! إذ يمكن قراءة هذه الظاهرة ويفسرها على النحو التالي: -
- يفسر البعض انحياز التيارات الإسلامية اليمينة والشخصيات الإسلامية المستقلة ضد الإخوان في معاركهم مع خصومهم على أن هذه التيارات والشخصيات لديها مشكلة حقيقية مع الديمقراطية ومفهومها وحكم الشعب لنفسه ويرفضونها من حيث الأساس، كما أن لديهم فقه أصولي يبرر الحكم المطلق وحكم الفرد تحت باب حكم المتغلب الموروث من الفقه الإسلامي القديم ، كما أن البعض يرى هذا العداء نتيجة للعجز عن مطاولة شعبية الإخوان التي ظهرت في الربيع العربي يجعلهم يصابون بالحسد الفكري والتنظيمي، وهم ينظرون لأنفسهم كورثة وحراس للدين وينظرون للإخوان بعين الانتقاص ويصفونهم بالمميعين للدين على حد وصفهم ، لكل ذلك نجد هذا الانحياز إلى العسكر وكل خصم للإخوان في معاركهم مع خصومهم .
- العلمانية الليبرالية تقوم على فكرة الحرية وتقديسها، الحرية السياسية والحرية الشخصية، ينظر هؤلاء إلى الإخوان على أنهم ينادون بالحريات السياسية ما دامت هذه الحريات قادرة على إيصالهم إلى سدة الحكم عبر الصندوق ، وأن الإخوان كما يصفهم الليبراليون خصوما للديمقراطية ولا يؤمنون بها، ويستخدمونها كوسيلة لا كاستراتيجية يؤمنون بها ، كما أن لدى التيارات العلمانية الليبرالية مشكلة مع الإخوان، فيما يتعلق بالحريات الشخصية، فهم يرون الإخوان يعادون الحريات الشخصية أيضا بشكل معلن مما يجعلهم متخوفين من فرض الإخوان أنماط حياتهم المحافظة على كل فئات المجتمع وتكرار النموذج الإيراني والنموذج الطالباني في أفغانستان أو حتى نموذج غزة قبل أن تستدرك قيادة حماس تلك البدايات وتوقفها ، فالتيار الليبرالي لديه فجوة ثقة مع الإخوان فيما يتعلق بالحريات السياسية وقبولها والإيمان بها، ولديهم تخوف شديد فيما يتعلق بموقف الإخوان من الحريات الفردية المتحررة التي يقدسها التيار الليبرالي.
- أما التيارات اليسارية فهي مدارس مختلفة معظم هذه التيارات لديها فلسفة حادة اتجاه فكرة الدين في الحياة العامة، فهذه التيارات على اختلاف تلاوينها وفي معظمها تنظر إلى التدين السياسي كنوع من أنواع الرجعية السياسية وبعض هذه التيارات لديها مشكلة مع فكرة التدين والدين من حيث الأساس لذلك نجد في صفوفها خصوم الإخوان في أي معركة يخوضها الإخوان.
هذا المقال ليس دفاعا عن الإخوان والانتقاص من خصومهم؛ فهو أقرب لوصف الحال ومحاولة فهم هذا السلوك السياسي من خصوم الإخوان ، كما لا شك أن الإخوان لديهم مشاكل سياسية عميقة ويحملون منظومة فكرية عاجزة كل العجز عن القدرة على بناء الحياة السياسية الراشدة ، فهم كما وصفوا يحملون بذور الفناء السياسي في دواخلهم مما يجعلهم غير قادرين على التقدم والمساهمة في بناء أوطانهم ونهضتها ، لكن موقف خصوم الإخوان أيضا يثير القلق والريبة والشك من هذه التضحية بالديمقراطية وحكم الشعب والانحياز لحكم الفرد، مقابل التخلص من خصوم تغلبوا عليهم بالصندوق .
هذه التخوفات والتوجسات التي اظهرتها تلك التيارات السياسية الدينية والعلمانية بشقيها الليبرالية واليسارية، وهذا السلوك يحتم علينا البحث عن اجتراح تيار وطني محافظ يخرج من كل تلك التلاوين والاستقطابان والتخوفات ليكون مظلة للجميع ويدعمه الجميع في محاولة تشكيل حالة تؤسس لمرحلة حكم ديمقراطي تكون بداية لمرحلة النهوض التي يجب أن تسلكها المنطقة للعبور للمستقبل المنشود الذي تتطلع إليه الشعوب .