قانوني، كاتب
متى سوف تتحرر فلسطين
بلا شك أن الاحتلال ليس هو المرض، لكنه عرض لمرض التخلف الذي أصاب الأمة منذ مئات السنين والذي نتج عنه الاحتلال، ولولا التخلف والضعف والنكوص لما كان الاحتلال منذ البداية، وكان الآخرون يتقدمون والأمة جامدة أو تتراجع للوراء.
فلسفات ونظريات إصلاحية قامت في الوطن العربي من أجل تحرير الأرض وتعاملت مع الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين على اعتبار أنه أساس المشكلة والمرض، وأن الأمة سوف تنهض إذا ما تحررت فلسطين، لكنها تشخيصات كانت تذهب باتجاه أن الاحتلال هو المرض لا العرض، ففشلت كل التشخيصات والحلول والحروب التي تم خوضها من أجل تحرير فلسطين وازدادت الأمور سوءا.
الفلسفة اليسارية القومية
قامت الفلسفة اليسارية القومية العروبية على مبدأ؛ أن الرد على الاحتلال يكون بالوحدة العربية وأن النهوض يكون بدحر الاحتلال الصهيوني وبالوحدة العربية، لكن الواقع أثبت أن الوحدة العربية بالمعنى الامبراطوري أصبح شيئا من الماضي الذي لا يمكن استرجاعه وأن الدولة القطرية الحديثة وفلسفتها كانت أقدر على الحياة ومقاومة فلسفة ورغبة الوحدة الإمبراطورية ففشلت القوى اليسارية رغم سيطرتها على أكبر ثلاث دول عربية في مصر وسوريا والعراق في إقامة وحدة عربية وفشلت في تحرير فلسطين وفشلت أيضا في بناء دولة قطرية تليق بالإنسان العربي.
حركات الإسلام السياسي
ثم قامت فلسفة حركات الإسلام السياسي الذي صعد على أثر نكسة الفكر القومي بعد هزيمة 1967 على أن الوحدة الإسلامية هي الشيء القادر على الخلاص من الاحتلال الصهيوني واستعادة الأمة نهضتها من خلال إقامة إمبراطورية إسلامية تحكم الشعوب كما كانت في الدولة الأموية والعباسية والعثمانية، لكن التجارب أثبتت أن هذه الدولة الحلم المستحيل الذي لا يمكن إقامته وأنها فكرة مثالية تحمل بذور الفناء في داخلها، فلم تقدر تلك الحركات لا تحرير فلسطين ولا إقامة دولتها المنشودة على أي بقعة في الأرض العربية مهما صغرت فهي فكرة تخالف طبائع الأشياء للدول الحديثة.
- بعد فشل الفلسفة اليسارية القومية وفشل فلسفة حركات الإسلام السياسي في القدرة على دحر الكيان الصهيوني وإدارة عجلة النهوض يثار السؤال ما هو البديل والفلسفة التي يمكن الركون إليها لتحرير الأرض الفلسطينية وإدارة عجلة النهوض؟
قد يبدو السؤال خطأ من حيث الأساس، ومن الأجدر قلب فكرة السؤال ليكون، ما هي الفلسفة السياسية التي يمكن أن تدير عجلة النهوض في ثنايا الأمة، لنصل لنهضة يكون آخر نتائجها دحر الكيان الصهيوني وكل احتلال أجنبي للأرض العربية؟
الاحتلال هو نتيجة وعارض من عوارض التخلف والنكوص
وإذا ما اتفقنا أن الاحتلال هو نتيجة وعارض من عوارض التخلف والنكوص فإن السؤال متى سوف تتحرر فلسطين؟ سيكون بالإمكان الجواب عليه بسهولة ووضوح.
متى سوف تتحرر فلسطين، فالجواب عن ذلك، متى ما كانت الدول العربية بمجموعها أو الدول المؤثرة منها قادرة على إقامة الدول الناهضة الحديثة، كيف السبيل إلى ذلك لتحقيق النهوض؟ الجواب عليه يبدو سهلا في ظل التجارب الإنسانية الحديثة؛ فنحن لا نريد إعادة صناعة العجلة من جديد، فالطريق واضح والتجارب ماثلة أمامنا، وإن كانت كل تجربة من تجارب الدول الناهضة لها خصوصيتها، لكن جميع نهضات هذه الدول قامت على عناصر مشتركة، مثل الدولة القطرية الوطنية الحديثة، دولة المواطنة، والنظام الديمقراطي الذي يحكم الدولة، والحكم الحديث للمؤسسات، عندها سوف تعمل ماكينة الدولة وتدور عجلتها وتتجه بالسير الصحيح على طريق النهوض.
ومتى ما كان لدينا دول ناهضة سيكون النهوض شاملا من كل جوانب الحياة، وأولها وعصبها النهوض الاقتصادي "صناعي وزراعي وخدماتي" يتبعه نهوض صحي وتعليمي وبنية تحتية، عندها يمكن ذهاب الدول الناهضة إلى اتحادات كونفدرالية بين كل تلك الدول الناهضة، في وقتها تصبح هذه الدول الناهضة قادرة على إزالة عوارض التخلف ومنها الاحتلال ومواجهة الكيان والعربدة الصهيونية، فلا يمكن لدول متخلفة مواجهة دولة حديثة مدعومة من دول حديثة.
حركات المقاومة في فلسطين
وفي ظل هذا الطرح يأتي السؤال، ما قيمة حركات المقاومة الفلسطينية ضمن هذه النظرية، الجواب أن حركات المقاومة الفلسطينية تدرك أنها غير قادرة على دحر الاحتلال وستبقى حركات مشاغلة للكيان حتى لا يتقدم ولا يتمدد أكثر في ظل هذا الفراغ من التخلف والنكوص إلى حين استعادة الدول نهضتها ومنعتها.
متى تتحرر فلسطين، علينا أن نحول السؤال كيف لنا البدء ببناء الدولة الناهضة الحديثة، التي ستكون آخر ثمراتها تحرير جميع الأراضي العربية من أي احتلال أجنبي.