غزة تعصر زيتونها رغم الحرب.. شهادات حول حصاد زيتون 2024

الصورة
زيتون من قطاف قطاع غزة 2024
زيتون من قطاف قطاع غزة 2024

الاحتلال جرف 90% من أشجار الزيتون والأراضي الزراعية

آخر تحديث

ليست أشجار الزيتون وحدها ما تم تجريفه في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ عام، فالشجر والحجر والبشر جميعهم في مرمى النار، لكن الإصرار على الحياة هو عنوان الغزي رغم الحرب الطاحنة، حيث باشر العديد من المزارعين مع بداية موسم زيت الزيتون لعام 2024 بقطف ثمار الزيتون التي نجت من مدافع الاحتلال وصواريخه وآلياته.

من الاكتفاء الذاتي إلى الشح الشديد

في عام 2020 سجل قطاع غزة اكتفاء ذاتيا من زيت الزيتون بنسبة 100% حتى إنه في ذاك العام صدّر كميات من زيت الزيتون لمدن الضفة الغربية، بينما قدر مزارعون أن موسم زيت الزيتون لعام 2024 قد لا يغطي سوى 9-10% من احتياجات القطاع. 

وبمشاعر ينتابها الحزن والأسف، كانت وزارة الزراعة الفلسطينية قد قدرت إنتاج ما يقرب من 1500-2000 طن من زيت الزيتون من أشجار قطاع غزة وحدها، وهي النسب التقريبية لما كان القطاع ينتجه قبل العدوان الإسرائيلي.

صورة لموسم الزيتون في خانيونس 2021
صورة لموسم الزيتون في خانيونس 2021

أشجار زيتون تطرح بركتها رغم صعوبة الاهتمام بها

أجرت حسنى عددا من المقابلات مع بعض مزارعي الزيتون وأصحاب المعاصر في القطاع للاطلاع على واقع هذا الموسم، إذ قال المزارع محمد فتوح -الذي كان يقطن في مدينة غزة ونزح نحو دير البلح- إن من طبيعة أشجار الزيتون أن تحمل عاما ويقل حملها في العام الذي يليه، لافتا إلى أن حمل أشجار الزيتون لهذا العام يعد خصبا ووفيرا، وأن الأشجار التي حملت في جوفها ثمار الزيتون لهذا العام رغم الحرب وقلة الاعتناء بها وقلة سقايتها، هي أشجار مباركة، وفي حصادها لهذا العام بركة لأهالي القطاع. 

وقال فتوح لـ حسنى إن مزارع الزيتون في غزة أمام هاجسين، الأول يتمثل بتجريف الاحتلال لـ90% من أشجار الزيتون والأراضي الزراعية، والثاني يتمثل بصعوبة الوصول إلى الأشجار التي نجت من براثن الاحتلال.

فتوح: "جرف الاحتلال معظم الأراضي الزراعية بدءا من صلاح الدين وشرقها وحتى مناطق حي الزيتون، وجرف جميع أشجار حي الزيتون بالتحديد".

 المزارع مشروع شهيد

وفي شهادته عن موسم الزيتون قال مدير معصرة دلول أبو أحمد دلول في دير البلح، إن من يذهب لقطف الزيتون من أرضه هو مشروع شهيد، إذ إن طائرات الاحتلال وآلياته تستهدف بشكل مباشر أي مزارع يحاول الوصول إلى أرضه، مضيفا أنه لا مجال للبقاء وقتا طويلا داخل الأراضي الزراعية، واصفا من يذهب إلى قطاف أرضه "بمن يسرق الوقت سرقة قبل أن يداهمه الاحتلال". 

وبمشاعر تملؤها الحسرة، استذكر دلول استقبال الغزيين لموسم قطاف الزيتون قبل العدوان الإسرائيلي قائلا:

"ما بياخد الغزي راحته أبدا في أرضه، زمان كان الغزي بقيم الموائد والأكلات الشعبية اللي بتنطبخ بزيت الزيتون، وبتجتمع العائلات والأطفال والكبار في الأراضي الزراعية الشاسعة لقطاف الزيتون، اليوم بيسرق الغزي الوقت سرقة حتى يلقط أشجاره".

زيتون ملقط من منازل في دير البلح 2024
زيتون ملقط من منازل في دير البلح 2024

زيت الزيتون من الحواكير والحدائق

ويقول دلول إن ما يتم عصره في معصرته اليوم هو قطاف الأشجار الموجودة داخل منازل الغزيين وعلى الشوارع الرئيسية وفي بعض الحدائق التي فيها بعض أشجار الزيتون.

وقد تعرضت معصرة الدلول للقصف مرتين، فقد كان لدى أبو أحمد خطان اثنان لإنتاج الزيتون، وبعد القصف أصلح أحدهما وعمل على تشغيله في إصرار منه على عصر الزيتون واستمرار الحياة وإيجاد لقمة العيش.

"كان الخط الواحد يعصر 50 طن زيتون، اليوم الخط اللي مشغلو يا دوب بعصر 20 طن".

من إحدى معاصر الزيتون في غزة

الأسعار 3 أضعاف ما كانت عليه

وحول أسعار زيت الزيتون لهذا العام، يقول المزارع فتوح إن عصر كيلو الزيتون ما قبل الحرب كان بتكلفة "أغورتين" وهي العملة الأقل من شيكل، فيما يصل الآن إلى 150 شيكلا، مؤكدا أن ذلك ليس غلوا من المزارعين أبدا وإنما نظرا لارتفاع تكاليف عصر الزيتون. 

ويعتمد عصر الزيتون بشكل أساسي على وجود الكهرباء لتشغيل آليات العصر، فيما تفتقد المعاصر للكهرباء، ما يجعلها مضطرة إلى تشغيل المولدات أو الاعتماد على السولار، ويقول فتوح إن سعر لتر السولار يقدر بـ50 شيكلا على الأقل، كما أن تكلفة التنكة الحديدية تقدر بـ80 شيكلا.

"حتى الجلن الفاضي صارت تكلفته 60 شيكل بعد ما كانت بـ8 شيكل". 

ويقول دلول إن غلاء أسعار زيت الزيتون يعود إلى غلاء أسعار القطع اللازمة لتشغيل المعاصر، وارتفاع أسعار المولدات.

"بدل ما كانت تنكة الزيت بـ400 شيكل، اليوم التنكة بـ1200 شيكل، يعني 200 دينار أردني تقريبا".

ويختم دلول كلامه قائلا: 

"نسأل الله أن يفرج عنا ما نحن فيه وما يطولها علينا من شدة".

أما ختام كلام فتوح فقد كان:

"حمل شجر الزيتون موجود والحمد الله، لأنو ربنا وضع فيه البركة، بس العلة على الاحتلال اللي جرف كل شي".

الغزيون يستخدمون زيت السيرج بدل زيت الزيتون

وفي استطلاع لـ حسنى أجراه الصحفي رامي الصيفي، عبر الغزيون عن مشاعر الحزن، وفاضت أعينهم بالدمع مستذكرين موسم قطاف الزيتون ما قبل العدوان الإسرائيلي.

يقول سلام محمود بدر من دير البلح إنه لم يشتر زيت زيتون لهذا العام، كما أنه لم يستطع الوصول إلى أرضه ذات الـ8 دونمات في شمال غزة، لأن جرافات الاحتلال جرفتها بالكامل، ومتأسفا أنه بدأ يستخدم زيت السيرج بدل زيت الزيتون الذي يباع اللتر منه بـ15 شيكلا، قائلا:

"صرنا نشتري زيت السيرج اللي هو أسوأ أنواع الزيت بعد ما كنا ناكل ونغمس بزيت الزيتون".

ويردف واصفا حالته الصحية: 

"إن مرضى القلب والضغط ممنوعون من الزيوت المهدرجة بينما نضطر نحن كبار السن إلى استخدامها اليوم، ما يجعل صحتنا في تدهور دائم".

أين نخزن الزيتون ونحن في نزوح مستمر

وفي استهزاء مما آلت إليه الأوضاع، يقول المزارع أحمد بدر إن النزوح المتكرر يمنع الناس من التفكير في تخزين زيت الزيتون والزيتون أو شرائهما؛ بسبب غلاء الأسعار وصعوبة النقل في ظل النزوح، مع صعوبة التخزين في الخيم. 

ويضيف أن تنكة زيت الزيتون باتت بـ1700 شيكل بعد أن كانت سابقا بـ450 شيكلا، مما يجعلها غالية كالذهب، ويتساءل: "مين منا بشتري ذهب اليوم؟". 

أما عن ذكرياته المرتبطة بموسم قطاف الزيتون فيقول:

"كانت فرحة ما بعدها فرحة، كنت آخذ الأولاد والحجة ونروح على الأرض نعمل الأكلات الزاكية وكانت فرحتنا بموسم الزيتون متل فرحتنا بالعيد، بس اليوم لا بنقدر نوصل أراضينا ولا ضل فيها زيتون".

فقدنا من كانوا يشاركوننا فرحة الزيتون

ويصف خالد أبو وردة مشاعره قائلا: 

"يا سلام ما أحلاها وما أجملها من أيام، لما كنا سعداء، وكنت آخد أخوي -اللي استشهد الله يرحمه- وأمي والأولاد وأولاد العيلة ونروح نقطف الزيتون ونعصره، ونطبخ منه المسخن والأكل الزاكي، كانت رحلة مع الأحباب والصحاب".

ويحزن أبو وردة ليس على أرضه التي جرفها الاحتلال في شمال غزة، بل على الذين رحلوا من شباب العائلة وأطفالها واستشهدوا في هذه الحرب الطاحنة والذين كانوا يشاركونه فرحة قطاف الزيتون. 

أما اليوم فلم يشتر أبو وردة لترا واحدا من زيت الزيتون، بعد أن كان يبيع ما يزيد على حاجته من زيت زيتون أرضه، وذلك لغلاء سعر الزيت ورداءة نوعيته في الأسواق، لافتا إلى أن الغزي في حال توفر معه مبلغ جيد من المال فإنه يعطي الأولوية لشراء الخضار والحاجات الأساسية بدلا من صرفها كلها على لتر زيت زيتون قد يكون مغشوشا أيضا، حسب وصفه.

"ما عمرنا اشترينا من السوق"

تفيد مراسلة حسنى في جنوب القطاع مريم سلامة بأن الحال في جنوب غزة ليس أحسن من وسطه، فالوضع في ميناء رفح كالحال في دير البلح.

وتقول مريم إن والدها وأعمامها كانت لديهم ثلاثة أراضٍ من أشجار الزيتون العامرة، جرفت جميعها، وأصبحت العائلة التي لم تشترِ يوما زيت زيتون من الأسواق، تحاول الحصول على لتر واحد ليس مغشوشا.

"عمرنا ما اشترينا من السوق دايما الزيتون من أرضنا والزيت من عنا ونبيع كمان، بس اليوم بنقلب السوق عشان نلاقي زيت منيح مش مغشوش، وبنلاقيه بأسعار مرتفعة كمان".

لا إحصائيات واضحة عن مصير معاصر القطاع

وتفيد إحصائيات وزارة الزراعة الفلسطينية بأن القطاع قبل العدوان عليه كانت فيه 40 معصرة لزيت الزيتون؛ 32 منها معاصر حديثة و6 معاصر أتوماتكية ومعصرتان بدائيتان تستخدم الحجارة في عصر الزيتون. 

وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قد نشر في تقرير له بيانات حول إخراج جيش الاحتلال أكثر من 75% من مساحة الأراضي الزراعية عن الخدمة في قطاع غزة، وذلك عبر عزلها تمهيدا لضمها للمنطقة العازلة في الأراضي المحتلة على نحو غير قانوني أو تدميرها وتجريفها. 

اقرأ المزيد.. عام من الإبادة في غزة

00:00:00