في منطقة الجبيهة شمال العاصمة عمان، وتحديدا في الشارع الذي يصل ما بين دوار الأميرة بسمة ومنطقة البقعة، تسيج دائرة الآثار وأمانة عمان موقع مقام الصحابي عبد الرحمن بن عوف منذ أكثر من عام دون إعلان واضح حول ما يجري خلف الأسيجة، حيث يعتقد المار من هناك أن المقام مغلق أمام الزوار.

فريق إذاعة حسنى يزور مقام الصحابي عبد الرحمن بن عوف لتقصي الحقائق

توجه فريق إذاعة حسنى للموقع لتقصي حقيقة الأعمال الجارية هناك ليكتشف أن المقام ما زال متاحا لدخول الزوار.

وعند الدخول إلى المكان المُسيّج تبين أن الموقع ينقسم إلى جهتين؛ الأولى مسجد الصحابي عبد الرحمن بن عوف ومقامه، والثانية أعمال الحفر والبناء التي تنفذها الكوادر والآليات. 

وتعد هذه الأعمال مستحدثة خلال العامين الماضيين، حيث كان الناس يقصدون المقام والمسجد للصلاة فيه وقراءة القرآن والدعاء، حيث يشرع المسجد أبوابه عند كل صلاة، ويبقى المقام مفتوحا أمام الزوار كمقصد سياحي حتى الساعة السابعة أو الثامنة مساء. 

ويذكر أن وزارة الأوقاف تعرّف المكان بالمقام وليس بالضريح، حيث يعد مكان إقامة ومرور الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف وليس ضريحا له، إذ إن ضريحه موجود في مقابر البقيع في المدينة المنورة. 

وقد أعطت الوزارة هذا المكان صفة المقام احتراما وإجلالا للصحابي وفق تأكيدات تاريخية بأنه أقام في هذا المكان ومر به -حسب موقع الوزارة الرسمي-.

لجنة ملكية لإعمار المقامات تشرف على المقام

بني مسجد عبد الرحمن بن عوف فوق المقام بطراز إسلامي عام 2004، وكان الموقع قبل بناء المسجد مقاما بسيطا، بحسب ما قاله لـ حسنى مدير إعمار المقامات في اللجنة الملكية لإعمار مقامات الأنبياء والصحابة د. فواز أبو رمان. 

ويتبع هذا المقام إداريا إلى اللجنة الملكية لإعمار مقامات الأنبياء والصحابة والتي أمر الملك عبد الله الثاني بتشكيلها عام 2018 لتطوير عدة مواقع من أضرحة ومقامات للأنبياء والصحابة وإعادة إعمارها.

يترأس هذه اللجنة الأمير هاشم بن الحسين، ويكون وزير الأوقاف نائبا له، كما تتضمن اللجنة عدة أعضاء وزراء منهم وزير الإدارة المحلية والأشغال والسياحة ومدير عام هيئة تنشيط السياحة إضافة إلى مفتي المملكة ومفتي القوات المسلحة. 

وتعنى هذه اللجنة بمقامات الصحابة والتي يقدر عددها بـ52 مقاما وضريحا موزعة على أرجاء المملكة.

حديقة قيد الإنشاء في محيط المقام

في الأول من أيلول من عام 2021 أصدرت لجنة عمان في أمانة عمان قرارا بالموافقة على إنشاء حديقة ومقام الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف الواقع في حوض أبو العوف من أراضي شمال عمان - الجبيهة بمساحة 7 دونمات ونصف، حيث تم إعداد التصاميم الخاصة بالحديقة والمقام وتجهيز المخططات الهندسية ووثائق العطاء.

اكتشاف آثار في محيط مقام عبد الرحمن بن عوف

وبين أبو رمان لـ حسنى أن فكرة إنشاء حديقة في محيط المقام جاءت كمقترح من أمانة عمان وبتمويل وتبرع مالي منها وبإشراف إداري من اللجنة الملكية، وكان الهدف منها إحياء المقام كموقع سياحي ديني ومتنفس وحديقة لأهالي المنطقة.

وبدأت عمليات إنشاء الحديقة في منتصف عام 2022، لتتوقف بشكل طارئ بعد أن اكتشفت فرق العمل وجود آثار في محيط الموقع، حيث تمت إحالة الموقع إلى دائرة الآثار العامة للتأكد من هذه الآثار والتنقيب عنها. 

وفي مطلع عام 2023، باشرت دائرة الآثار أعمال التنقيب وتم تجميد أعمال الإنشاء الخاصة بالحديقة.

ويقول أبو رمان لـ حسنى إن الآثار التي تم اكتشافها قيّمة وهي تعود لكنيس، مبينا أنه تم تسليم الموقع لدائرة الآثار للقيام بكافة أعمال التنقيب.

لا يوجد إعلان رسمي عن الآثار

لم تعلن دائرة الآثار العامة في حينها عن أي تفاصيل، كما لم تعلن أمانة عمان عن أسباب توقف أعمال إنشاء الحديقة، ولكن في بحث أجرته حسنى تبين وجود تقرير لوزارة السياحة نشرته وكالة الأنباء الرسمية "بترا" حول إنجازات الوزارة في مئوية الدولة الأردنية نهاية العام الماضي، حيث ورد في التقرير وتحت عنوان "جهود دائرة الآثار العامة"، اكتشاف كنيسة بيزنطية داخل حدود مقام الصحابي عبد الرحمن بن عوف في عام 2023، دون ذكر مزيد من المعلومات.

هل ما زالت الحديقة قيد الإنشاء؟

وبحسب أبو رمان فإن مشروع إقامة حديقة في محيط مقام الصحابي عبد الرحمن بن عوف ما زال قائما، إلا أن استكماله يتوقف على انتهاء دائرة الآثار من عمليات التنقيب عن الكنيس البيزنطي الذي تم اكتشافه.

هل هناك شبهة فساد وراء تأجيل افتتاح الحديقة؟

ونظرا لغياب المعلومات، تناقل البعض شائعات حول وجود قصة فساد مالي أخرت افتتاح الحديقة، بينما بين أبو رمان أنه وبحسب المستجدات التي طرأت على الموقع، فإن اللجنة الملكية من خلال مستشارها للشؤون الهندسية منير الحجيري تعمل على تخطيط تصميم جديد للحديقة، بحيث يأخذ بعين الاعتبار إدماج الموقع التاريخي الذي تم اكتشافه، بما يضمن حماية الموقع التاريخي الموجود وإدماجه ضمن التصميم الجديد المخطط له للموقع ليكون جزءا من الحديقة والمقام.

تاريخ افتتاح الحديقة لم يحدد بعد

وفي اجتماع عقد مؤخرا، طلبت لجنة إعمار المقامات من دائرة الآثار الإسراع في إنهاء عمليات التنقيب، لإعادة استكمال عمليات إنشاء الحديقة بتصميمها الجديد الذي يراعي الآثار التاريخية، حيث أكد أبو رمان لـ حسنى أنه تم الاجتماع مؤخرا مع دائرة الآثار لاستعجالهم في عمليات التنقيب وتسليم الموقع التاريخي بأقرب وقت.

ما هي الآثار المكتشفة؟

لم تصدر دائرة الآثار العامة أي بيان بخصوص الآثار التي تم اكتشافها في الموقع، سواء عن نوعها أو كميتها أو ماهيتها، حيث تواصلت حسنى مع مدير دائرة الآثار العامة بالوكالة د. فادي البلعاوي والذي تحفظ عن توضيح ماهية الآثار المكتشفة أو تصويرها قائلا إن الموقع لم يتم الإعلان عنه رسميا وإنه ما زال قيد الدراسة. 

وخلال زيارة فريق حسنى لموقع المقام، بينت اللوحة المثبتة في مشروع التنقيب عن الآثار أنه تم البدء بالأعمال في الموقع الأثري في شهر نيسان من عام 2023، ومن المفترض أن ينتهي العمل بالمشروع مع نهاية هذا العام -أي بعد 3 أشهر -.

كما بينت اللوحة المثبتة عند المشروع أن الكنيس الذي تم اكتشافه في الموقع يعود إلى القرن الخامس الميلادي، فيما أكد مدير المشروع في الموقع بشكل مقتضب للفريق أنه من المفترض أن يُفتتح الموقع الأثري بشكل رسمي حين الانتهاء من أعمال التنقيب ومعرفة كافة تفاصيل الموقع التاريخي. 

وقد رصد فريق حسنى وجود أحد الأعمدة التي تشبه تلك الموجودة في جرش، وبعض المقتنيات التاريخية، كما رصد وجود نحو 10 أشخاص في الموقع يقومون بأعمال التنقيب.

نبذة تاريخية عن موقع مقام الصحابي عبد الرحمن بن عوف

وبحسب صفحة وزارة الداخلية فإن هذا المقام ينسب للصحابي عبد الرحمن بن عوف، وهو موجود في منطقة الجبيهة، شمال العاصمة الأردنية عمان، وهو مقام وليس ضريحا؛ أي إنه تذكار يشير إلى إقامته في هذه المنطقة أو مروره منها أثناء وجوده في بلاد الشام.

من هو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف؟ 

الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف الزهري القُرشي، ولد في السنة الثالثة والأربعين قبل الهجرة، وهو من العشرة المبشرين بالجنة ويصغر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعشر سنوات، ويعد من الصحابة السابقين الأولين في الإسلام، كما اشتهر بأنه كان غنيا وماهرا في التجارة وكان كريما ومتواضعا حتى لُقّب بالغني الشاكر.