لليوم الـ47 على التوالي، يرزح شمال غزة تحت حصار وتجويع إسرائيلي وسط قصف جوي ومدفعي عنيف، ما يؤدي إلى عزل كامل للمحافظة الشمالية عن باقي
رغم الحرب، مبادرة تعليمية في دير البلح في إصرار على العلم والتعلم
100 طالب وطالبة في مركز إيواء المناصرة يتابعون تعليمهم الأساسي
يصر الاحتلال الإسرائيلي في سياسة ممنهجة في حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على قطاع غزة منذ تشرين أول لعام 2023 باستهداف المدارس والجامعات بشكل ممنهج، حيث شهد العالم إصرار الاحتلال على تدمير وتفجير جامعات بأكملها، واستهداف مدارس بشكل متعمد ومتسلسل، وكأنه يرسل رسالته إلى أهل غزة بأنه لا عودة لطلابكم إلى مقاعد الدراسة.
ومقابل ما يرجوه الاحتلال من الغزي من إذعان وجهل، يبدأ الغزي مبادرات تعليمية في أماكن النزوح في رسالة تحد واضحة؛ أنه لا سبيل لديه إلا العلم والمعرفة. حيث دشن عدد من النازحين في العديد من مراكز الإيواء مبادرات تعليمية لتعويض أبنائهم عما فاتهم من خطط دراسية العام الماضي والحالي، رغم استمرار الاحتلال بعدوانه الغاشم على أهالي القطاع.
إقرأ المزيد : أكثر من 3 آلاف فيديو يشرح المنهاج الفلسطيني عبر تطبيق مجاني لأهل غزة
مبادرة مستمرون في العلم والتعلم
وفي مركز إيواء في منطقة دير البلح وسط قطاع غزة، دشن معلمون نازحون مبادرة " مستمرون في العلم والتعلم"، حيث لاقت المبادرة رواجا وتفاعلا كبيرا من الأهالي النازحين وأبنائهم.
وفي جولة لـ حسنى في مكان المبادرة ، تهافت الطلبة معبرين عن اشتياقهم لمدارسهم وزملائهم ومعلميهم، وبينوا أنهم وجدوا في هذه المبادرة شيئا من ذكرياتهم وآمالاهم في عودتهم إلى حياتهم السابقة.
"وأخيرا رح أرجع أتعلم"
ارتسمت البسمة على وجه الطالبة جودي - النازحة من مدينة غزة- وذات الـ 10 سنوات والتي من المفترض ان تكون اليوم في الصف الرابع الابتدائي، وذلك عندما علمت بانطلاق المبادرة وقالت بعفويتها:
"أخيرا بدي ارجع أدرس واكتب مثل زمان واطلع دكتورة مثل ما بتمنى."
جودي التي كانت الأولى على صفها وحرمت من العملية التعليمية منذ بداية الحرب تصف شعورها قائلة:
"مبسوطة كتير لأني بدي أرجع لأجواء المنافسة التعليمية مع البنات متل قبل الحرب واكتب وادرس واقرأ."
أما لمار وهي طالبة في الصف الثاني فلا يقل حماسها عن زميلتها جودي حيث قالت:
"أنا بدي اتعلم واكتب عشان أكون شاطرة وعلاماتي حلوة مثل ماما وبابا وما بدي أغيب أي يوم عن التعليم."
ووفقا لإحصائية أعدها المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فمنذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع، حرم الاحتلال 785000 طالب وطالبة من حقهم في التعليم، وقتل 12700 طالب وطالبة.
إقبال كبير
المعلمة أم قاسم وهي إحدى معلمات المبادرة تحدثت لـ حسنى:
"بدأت فكرة مبادرة مستمرون في العلم والتعلم عندما لمسنا عند الطلبة في بعض مراكز الإيواء حب العملية التعليمية وحب تعويض ما فاتهم من العلم بسبب الحرب فكان الإقبال منهم كبيرا ،رغم أننا بدأنا في خيمة تعليمية بسيطة إلا أن الطلاب أحبوا الفكرة وتشجعوا على الاستمرار".
"بدأنا معهم كمعلمات متطوعات بتعليم رسمي من خلال بعض الأساسيات في مادة الرياضيات وهناك تعاون من قبل الأهالي وتشجيع كبير لأبناءهم على الاستمرار ، حيث التحق عدد كبير من الطلاب في وقت قصير من بدأ المبادرة".
تعليم الأطفال في غزة مسؤوليتنا
ورغم الوضع المالي الصعب ، والإرهاق النفسي في توفير الحاجات الأساسية اليومية، إلا أن المعلم محمد الخضري -قائد المبادرة ونازح من غزة - أكد أن الدافع الرئيس وراء هذه المبادرة وتنفيذها هي المسؤولية المهنية والتعليمية والوطنية، مضيفا لـ حسنى :
"كان لا بد أن يكون لنا بصمة في مجال التعليم والعلم من خلال إطلاق مبادرتنا "مستمرون في العلم والتعلم" على مستوى جنوب قطاع غزة لما وجدناه من إصرار الاحتلال على تجهيل أطفالنا عبر قصفه المدارس، ومنع أطفالنا من مواصلة العملية التعليمية"
وقد أدى القصف الإسرائيلي على غزة إلى تدمير 126 مدرسة وجامعة بشكل كلي فيما دمرت 339 بشكل جزئي وفقا لاخر احصائية نشرها المكتب الاعلامي الحكومي مؤخرا.
وأضاف الخضري:
"من باب خوفنا على مستقبل أبنائنا وطلابنا ورفضا لسياسة التجهيل التي تنتهجها قوات الاحتلال ضد طلابنا في غزة كان لزاما علينا أن تكون بصمتنا حاضرة من باب الأمانة المهنية بالاستمرار في هذه المبادرة التي تستهدف كافة مراكز النزوح في جنوب قطاع غزة لمجارات العملية التعليمية حتى لا يحدث فجوة بين الطلبة والعملية التعليمية خاصة في ظل استمرار انقطاع الطلبة عن المدارس."
محاكاة العملية التعليمية
وأوضح الخضري أن المبادرة تحاكي العملية التعليمية بكافة تفاصيلها وتركز على مادتي الرياضيات واللغة العربية من خلال طاقم تعليمي متميز يستخدم أحدث الأساليب التعليمية رغم شح وقلة الإمكانيات.
"نستخدم أسلوب الحكواتي والقصص والدمى حتى يخرج الطالب من اللقاء التعليمي بأكبر قدر من الاستفادة خاصة أنهم تعرضوا لظروف استثنائية من تعرض للخوف والدمار، وما عانوه من اضطرابات نفسية وظواهر جسمانية مثل التبول اللاإرادي وتأخر بعض القيم السلوكية والبعد عن المدارس والتأتأة وغيرها من هذه الأمراض والمشاكل".
وعن طبيعة المنهج الذي يتم تدريسة للطلاب أضاف الخضري بـ:
"إن طبيعة المنهج الذي ندرسه للطلاب هو عبارة عن مقتطفات من المنهج الدراسي الرسمي لكل صف إضافة إلى بعض الأنشطة والفعاليات الثقافية والترفيهية والثقافية والرياضية."
خيمة تدريسية حارة وحارقة
وتطرق الخضري إلى أهم الصعوبات التي تواجه المعلمين المتطوعين، وقال إن القصف الإسرائيلي المتواصل والمفاجئ قد يعطل العملية بشكل مستمر، إضافة إلى قلة ونقص الأمور اللوجستية خاصة أن جميع المدارس والأماكن التدريسية قد دمرت بشكل كامل في قطاع غزة.
ووصف الخضري العملية التعليمية في الخيمة بالتالي:
" الخيمة التي يدرسون بها حارة وحارقة ولايوجد مقاعد أو طاولات أو قرطاسية."
كما وضح الخضري طبيعة الفئة المستهدفة من هذه المبادرة، والتي شملت رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية من الصف الأول الابتدائي حتى السادس الابتدائي في عدد من مراكز الإيواء، مشيرا إلى مركز إيواء المناصرة في مدينة دير البلح كمثال بسيط استوعب ما يقارب ١٠٠ طالب وطالبة.
وشدد الخضري على أن جميع طاقم المبادرة هم من المتطوعين من المعلمين والمعلمات، وذلك في تحمل منهم لمسؤولياتهم الوطنية، لافتا أنه
تم التنسيق مع وزارة التربية والتعليم لإنقاذ هذا الجيل من الدمار الذي تريده إسرائيل، على حد تعبيره.