في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الحصار الرقمي في الواجهة
لم تغفل الحكومات أهمية الإستخدام الواسع لوسائل التكنولوجيا، والتطورات التقنية الحديثة في الحصول على المعلومات وتسهيل التواصل بين الشعوب،لتقوم بتوجيه هذه التكنولوجيا في عمليات الرقابة والتجسس على الصحفيين مما يعرضهم للخطر عبر كشف معلومات ذات حساسية وخصوصية عالية يمكن استخدامها في مضايقة الصحفيين، وفي قضايا تعسفية توجه ضدهم .
اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف في الثالث من أيار/ مايو، من كل عام، خصص هذا العام تحت عنوان " الصحافة تحت الحصار الرقمي"، لينبه إلى التحديات التي تواجهها الصحافة في عصر التكنولوجيا والانترنت، ويسلط الضوء على الجوانب المتعددة المتعلقة بتأثير التطورات التكنولوجية على وسائل الإعلام واستخدام وسائل الرقابة من قبل الجهات الحكومية وغير الحكومية، مثل جمع البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي وحرية التعبير وانتهاك الخصوصية، إلى جانب التهديدات التي تقوض ثقة الجمهور بوسائل الاعلام، نتيجة الرقابة والهجمات الرقمية على الصحفيين، والعواقب المترتبة على ثقة الجمهور في الاتصالات الرقمية.
تحتفي الأمم المتحدة بهذا اليوم لتذكر الحكومات بضرورة احترام التزاماتها بحرية الصحافة، وتقييم حالة حرية الصحافة في جميع أنحاء العالم، وبنفس الوقت إحياء ذكرى الصحفيين الذين فقدوا حياتهم في السعي وراء قصة ما، وأن ما فعلوه كان دفاعا عن حرية الصحافة والتزاما بأخلاقيات المهنة، ومبادئها الأساسية وحمايتها من أي اعتداءات على استقلاليتها.
اليوم العالمي لحرية الصحافة.
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم العالمي لحرية الصحافة في عام 1993 عقب التوصية التي تم تبنيها في الدورة السادسة والعشرين للمؤتمر العام لليونسكو في عام 1991، استجابة لدعوة من الصحفيين الأفارقة الذين أصدروا في المؤتمر إعلان ويندهوك التاريخي الذي دعا إلى تعزيز التعددية لوسائل الإعلام واستقلاليها.
وفي هذا اليوم يستطيع الصحفيون أن ينادوا بالتمسك بمهماتهم الصحفية التي لا تتوقف عند نقل الحقيقة ؛ وإنما الإنحياز إلى المستضعفين وإيصال صوت المهمشين والدفاع عن حقوقهم والتعبير عن معاناتهم وآلامهم ، وكذلك الدفاع عن الصحفيين الذين يعانون من التهميش والقمع والاعتقالات سواء من السلطة الحاكمة أو في مناطق الاحتلال والنزاعات والحروب ، حيث يجد الصحفيون معاناة في الوصول إلى أماكن ومصادر الأخبار ، ومنهم من يتعرض للقتل أو القمع أو الضرب أو الاعتقالات أو التهديد.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الصحفيين الذين يعانون من الاعتقال والسجن والتعذيب في الكثير من الدول التي لا تحترم الحريات وأكبر مثال على ذلك صحفيو فلسطين المحتلة فهناك 15 صحفيا فلسطينيا في سجون الاحتلال الصهيوني، منهم الأسير محمود عيسى المحكوم ب 3 مؤبدات و46 عاما، والأسير باسم خندقجي المحكوم ب 3 مؤبدات، وأحمد الصيفي المحكومة ب 17 عاما، والأسير منذر مفلح المحكوم ب 30 عاما، والأسير هيثم جابر المحكوم ب 28 عاما، ناهيك عن الصحفيين المحتجزين في بعض السجون العربية.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية،وبحسب اليونسكو فقد شهد 85 % من سكان العالم، انخفاضا في حرية الصحافة في بلادهم وقتل 400 صحافي أثناء قيامهم بعملهم.
واجه الصحفيون خلال السنوات القليلة الماضية تحديات عديدة جراء تقييد حرياتهم حيث تم استهدافهم بشكل متزايد بالقمع والاعتقال والإسكات والتهديد وغير ذلك من الأساليب وبالذات في مناطق النزاع والحروب، ومع حدوث أكبر أزمة صحية خلال المائة عام الماضية وهي جائحة كورونا، انتهزت العديد من الحكومات الفرصة لتنفيذ سياسات استبدادية أو تعزيز سلطتها بطرق تعسفية على الصحفيين الذين تضرروا من هذه الجائحة التي أودت بحياة الملايين، إلى جانب فرض قوانين تحد من حرية التعبير.
وكذلك واجه الصحفيون استخدامات غير مشروعة لتقنيات الاتصالات الرقمية من قبل الحكومات لتعزيز الحكم الاستبدادي في جميع أنحاء العالم، وعملت بعض الدول على شن حملات لكسب الدعم من المؤسسات الصحفية في برامجها ومشاريعها وحتى في حروبها غير الشرعية والمخالفة لكل المواثيق الإنسانية.
مؤشر حرية الصحافة في العالم
وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة نشرت منظمة مراسلون بلا حدود تصنيفها لحرية الصحافة في دول العالم لعام 2022 الذي يقيّم ظروف ممارسة الصحافة في 180 دولة حيث استندت المنظّمة في تصنيفها إلى 5 عوامل أساسية هي :
- السياق السياسي لكل دولة.
- الإطار القانوني لعمل الصحافيين.
- السياق الاقتصادي.
- السياق الاجتماعي والثقافي.
- الأمان المتاح للصحافيين في عملهم.
وجاء تصنيف الدول العربية على النحو الآتي: جزر القمر (83)، تونس (94)، موريتانيا (97)، قطر (119)، الأردن (120)، لبنان (130)، الجزائر (134)، المغرب (135)، الإمارات (138)، الصومال (140)، ليبيا (143)، السودان (151)، الكويت (158)، سلطنة عمان (163)، جيبوتي (164)، السعودية (166)، البحرين (167)، مصر (168)، اليمن (169)، فلسطين (170)، سورية (171)، العراق (172).
فيما كانت أول 10 دول في المؤشر العالمي على الشكل التالي: 1- النرويج، 2-الدانمارك 3 – السويد، 4 إستونيا، 5 فنلندا، 6 أيرلندا، 7 - البرتغال، 8 - كوستاريكا، 9 - ليتوانيا، 10- ليشتنشتاين.
مخاطر وتهديدات العصر الرقمي
وبهذه المناسبة دعت المديرة العامة لليونسكو،أودري أزولاي، إلى التصدي للمخاطر التي ينطوي عليها العصر الرقمي واغتنام الفرص لمطالبة الدول الأعضاء وشركات التكنولوجيا والأوساط الإعلامية وسائر فئات المجتمع المدني، إلى التكاتف من أجل رسم معالم جديدة للمشهد الرقمي الحالي، بما يضمن حماية الصحافة والصحفيين على حد سواء.
وصدر تقرير عن اليونسكو بعنوان" تهديدات تلزم الصحفيين الصمت؛ اتجاهات في سلامة الصحفيين، إذ أن المراقبة والقرصنة تقوضان الصحافة، وظهر ذلك فيما قدمه الصحفيون من مواضيع استقصائية، رافق ذلك دعوات من خبراء في مجال الإتصال وحقوق الإنسان بفرض حظر عالمي مؤقت على بيع ونقل تكنولوجيا المراقبة، مفسرين ذلك أن البرامج الضارة وبرامج التجسس وعدم القدرة على اكتشافها، واستخدامها المتزايد ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من قبل الدولة والجهات الفاعلة غير الحكومية، يُعرض الصحافة الحرة والمستقلة للخطر.
ويمكن للمراقبة أن تكشف المعلومات التي جمعها الصحفيون، وتنتهك مبادئ الصحافة وبالذات مبدأ حماية مصادر المعلومات، والكشف عن معلومات خاصة حساسة يمكن استخدامها في مضايقة الصحفيين، وقضايا قضائية تعسفية ضد الصحفيين.
كما أن مراقبة تحركات الصحفيين المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتصيد الصحفيين المدعوم باستخراج البيانات والهجمات الآلية، تهدد أيضا الممارسة الحرة للصحافة، وهذه العمليات التي تقوم بها جهات حكومية وتتوسع مع التكنولوجيا وأصبحت هذه الأيام أكثر تغلغلا على الأجهزة قد لا يعرف عنها الصحفي ولا مصادره الإخبارية، وبالتالي يصبح الصحفي غير قادر عن الدفاع عن نفسه، وخاصة أن الخصوصية تعتبر شرطا ليتمكن الصحفيون من القيام بعملهم وضمان الحصول على المعلومات بحرية .
تأثير العصر الرقمي على حرية التعبير
ويعقد خلال الفترة من 2 أيار إلى 5 أيار / مايو 2022 ، في الأوروغواي المؤتمر العالمي السنوي لليوم العالمي لحرية الصحافة تحت عنوان "الصحافة تحت الحصار الرقمي" ، حيث سيتم مناقشة تأثير العصر الرقمي على حرية التعبير وسلامة الصحفيين والوصول إلى المعلومات والخصوصية، وسيصدر بيان عن المؤتمر يؤكد فيه على إعلان ويندهوك التاريخي عام 1991 على التعددية الإعلامية والاستقلال.
ويجمع المؤتمر صانعي السياسات والصحفيين وممثلي وسائل الإعلام والنشطاء وواضعي السياسات في شركات الإنترنت ومديري الأمن السيبراني وباحثين في الذكاء الإصطناعي وخبراء قانونيين من جميع أنحاء العالم لاستكشاف تأثير العصر الرقمي على حرية التعبير وسلامة الصحفيين، واستمرارية وسائل الإعلام وثقة الجمهور.
كما سيضع المؤتمر بعض الحلول أمام شركات الاتصالات لتكون أكثر شفافية تجاه الرقابة الإلكترونية، وكيفية استخدام البيانات التي تحتفظ بها شركات الإنترنت بحيث لا تخضع هذه البيانات إلى الاستغلال من قبل الحكومات وأن لا تؤثر على سلامة الصحفيين والجمهور بشكل عام.
ويمكن للصحفيين العمل على حماية إتصالاتهم ومعلوماتهم من التهديدات المتزايدة، وعلى الرغم من ذلك، تُشير بعض الدراسات إلى أن معظم الصحفيين بالرغم من أنهم يصدقون أن الخطر حقيقي، إلا إنهم لا يعتمدون وسائل الحماية الأساسية، لذلك بدأت بعض الشركات تُنبه الصحفيين من أجل زيادة الأمن الرقمي، وقد وضعت دليلا ليكون مرجعاَ للمعلومات المتعلقة بهذا الموضوع.
وكما يقول خبراء إتصالات أنه لا يمكن القول أن هناك شخصاً آمناً 100%. ولكن هناك العديد من الخطوات الأساسية التي يمكن أن يتخذها أي شخص قد تجعله أكثر أمناً بنسبة تتراوح بين 90 – 95 % من مستخدمي الإنترنت.