ماذا يعني تحقيق الجنائية الدولية في جرائم الحرب الإسرائيلية؟
تساؤلات تجيب عليها صحيفة هآرتس
المحكمة الجنائية الدولية تأسست سنة 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء، وهي منظمة دولية دائمة، تسعى إلى وضع حد للثقافة العالمية المتمثلة في الإفلات من العقوبة، وهي أول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية، وبزمن غير محدد، لمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الفظائع بحق الإنسانية وجرائم إبادة الجنس البشري، وبلغ عدد الدول الموقعة على قانون إنشاء المحكمة 121 دولة.
وقد أصدرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا الأربعاء الماضي بيانا تعلن فيه فتح تحقيق رسمي في جرائم مفترضة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. حيث ذكرت "هناك أساسا معقولا" لأن تكون الأراضي الفلسطينية قد شهدت جرائم حرب من الأطراف التي شاركت في حرب غزة عام 2014 أي الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية المسلحة وعلى رأسها حركة حماس. ودانت إسرائيل قرار المحكمة واعتبرته "سياسيا"، فيما رحبت به حركة حماس والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
المراسلة الصحافية التي تغطي الدبلوماسية وشؤون مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لصحيفة «هآرتس» جودي مالتز كتبت تحليلًا نشرته الصحيفة العبرية حول تداعيات قرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق حول ارتكاب القوات الإسرائيلية جرائم حرب محتملة في الأراضي الفلسطينية ضد الفلسطينيين ورد الفعل الإسرائيلي المحتمل.
اسرائيل تُغرق الداخل الفلسطيني في مسلسل الجرائم الجنائية
وفي مطلع تحليلها أوضحت الكاتبة أنه بعد مرور شهر واحد من حكم المحكمة الجنائية الدولية بأن ولايتها القضائية تشمل الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967، أعلنت كبيرة ممثلي الادِّعاء بالمحكمة فاتو بنسودا قرارها بفتح تحقيق في جرائم حرب محتملة ارتكبتها إسرائيل وحماس منذ 13 يونيو (حزيران) 2014.
وكان القرار متوقعًا لأن فاتو بنسودا كانت قد قررت بالفعل، من خلال فحص أولي، أن هناك أسبابًا معقولة لفتح تحقيق. ومن أجل المضي قدمًا، أرادت أولًا التأكد من حصولها على تصريح بالعمل في الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس الشرقية.
ولكن ما الذي سيحدث بعد ذلك، ومَنْ مِن المحتمل أن يتأثر بهذا القرار؟ إليكم هذه الأسئلة وغيرها من القضايا التي أثارها إعلان الصادر مؤخرًا.
1- كيف يبدو الجدول الزمني؟
ترجِّح الكاتبة أن تُسلِّم المدَّعية العامة قريبًا خطابًا رسميًّا إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية بقرار المحكمة الجنائية الدولية. ومن لحظة تلقيهما الخطاب، سيكون أمامهما 30 يومًا لإخطار المحكمة بما إذا كانوا يعتزمون فتح تحقيق مع المواطنين المشتبه في تورطهم في تلك الجرائم. وفي مثل هذه الحالة يجب على المدَّعية العامة الحصول على موافقة المحكمة بشأن ما إذا كانت مهتمة ببدء تحقيق فوري أم لا.
وفي المرحلة الأولى من التحقيق، ستُؤخذ شهادات ضحايا الجرائم المزعومة. وبعد ذلك، ستطلب المدَّعية العامة شهادة حول قواعد الاشتباك، وكيف تُنفَّذ، من منظمات حقوق الإنسان والخبراء وربما من جنود إسرائيليين سابقين. وقد يستغرق التحقيق بضع سنوات للوصول إلى مرحلة إصدار أوامر الاعتقال، هذا إذا حدث تحقيق من الأساس. وعادةً ما تصدر أوامر الاعتقال سرًّا ويُطلَب من الدول الأعضاء في المحكمة تنفيذها.
2- هل يستطيع الشخص الذي سيخلف فاتو بنسودا في موقع المدَّعي العام تغيير القرار؟
توضح الكاتبة أنه من الناحية النظرية، يمكن لخليفة فاتو بنسودا أن يتوصل إلى نتيجة مفادها أنه لا توجد أدلة كافية لتبرير فتح أي قضايا، أو إصدار لوائح اتهام، وأن يعلن انتهاء التحقيق. غير أن فرص حدوث ذلك بمجرد تولي هذا الشخص منصبه في يونيو (حزيران) ليست كبيرة جدًّا.
3- ماذا يحدث إذا لم تتعاون إسرائيل مع التحقيق؟
قد تقدِّم إسرائيل إخطارًا بأنها تنوي التحقيق مع مواطنيها بنفسها، ولذا ليس هناك سبب لتدخل المحكمة، بحسب الكاتبة. وبدلًا عن ذلك قد تتجاهل رسالة المحكمة تمامًا. ولكن حتى من دون تعاون إسرائيلي، يمكن للمدَّعية العامة إجراء تحقيق. وإذا لم تسمح إسرائيل بدخول ممثلي المحكمة الجنائية الدولية إلى أراضيها، يمكن الحصول على الشهادة في لاهاي أو في دول أخرى.
4- مَنْ الذي يمكن التحقيق معه؟ وهل سيواجه صغار الضباط والجنود مخاطر الاعتقال؟
يبدو أن المستهدفين الرئيسين للتحقيق هم صناع القرار في الحكومة وكبار الأفراد العسكريين. لقد أعدت مؤسسة الدفاع بالفعل قائمة بمئات من هؤلاء الإسرائيليين الذين قد يجدون أنفسهم قيد التحقيق. ويبدو أن الجنود ذوي الرُّتب المتدنية ليس لديهم ما يخشونه إلا إذا كانوا قد شاركوا في مذبحة.
5- كيف تخطط إسرائيل للدفاع عن المتورطين؟
تلفت الكاتبة إلى أن وزارة العدل الإسرائيلية أعلنت بالفعل أنها مستعدة للدفاع الكامل عن أي مواطن يخضع للتحقيق. ومن المتوقع أن يُستدعَى هؤلاء المواطنون قريبًا لحضور إفادات حول هذه القضية. وخوفًا من احتمال اعتقالهم في الخارج، قد يُطلب من بعضهم تجنب الذهاب في أي رحلات جوية خارج إسرائيل، أو على الأقل أي رحلات جوية إلى الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، حتى لا يتعرضوا لأي عمليات اعتقال أو محاكمة. وقد أعرب عدد من الدول الأعضاء بالفعل عن اعتراضهم على التحقيق وسيحاول المسؤولون الدبلوماسيون الحصول على موافقة هذه الدول على عدم إجراء أي اعتقالات.
6- ما هي الحوادث التي سيجري التحقيق فيها؟
وتمضي الكاتبة إلى أن التحقيق سيتناول جرائم الحرب المزعومة التي ارتُكِبت في الضفة الغربية أو غزة أو القدس الشرقية منذ 13 يونيو 2014. وأشارت فاتو بنسودا في مقال رأي نُشِر في أواخر عام 2019 إلى ثلاثة أنواع من جرائم الحرب المحتملة: تلك التي ارتكبتها إسرائيل وحماس خلال عملية الجرف الصامد في صيف 2014، وتلك التي ارتكبتها إسرائيل خلال المظاهرات الحاشدة عند السياج الحدودي بين إسرائيل وغزة ابتداء من مارس (أذار) 2018، وتلك التي ارتكبتها إسرائيل عن طريق توطين المواطنين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة.
«هآرتس»: بهذه الحيلة تستولي إسرائيل على الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات
وفيما يتعلق بالشكوك حول الأعمال الإسرائيلية على طول حدود غزة في السنوات الأخيرة، يمكن لإسرائيل أن تدَّعي أنها قادرة على التحقيق فيها بنفسها. ومشروع الاستيطان أمر مختلف تمامًا، لأن الحكومة الإسرائيلية لم تقبل أبدًا الادِّعاء بأن نقل مواطنيها إلى الأراضي التي احتلتها خلال حرب الأيام الستة يشكِّل جريمة حرب.
7- هل تدين المحكمة الجنائية الدولية الدولة أم تدين أشخاصًا بعينهم؟
تؤكد الكاتبة على أن المحكمة الجنائية الدولية لا تدين إلا الأشخاص وليس الدول، ولكن فقط الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم في المناطق الخاضعة لولايتها القضائية. ولهذا السبب طلبت فاتو بنسودا رأي القضاة بشأن ما إذا كانت ولايتها القضائية تشمل التحقيق في الجرائم المزعومة التي ارتُكِبت في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية.
8- مَنْ الذي أدانته المحكمة في السنوات الأخيرة؟
وتختتم الكاتبة تحليلها بأن المحكمة الجنائية الدولية منذ إنشائها في عام 2002، أدانت تسعة أشخاص وبرَّأت ساحة أربعة آخرين. وكان توماس لوبانجا دييلو وجيرمان كاتانجا، قادة الميليشيات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، من بين المُدانين. وأصدرت المحكمة 35 مذكرة اعتقال حتى الآن.
"موقع سياسة"