تقرير : هل تحول خدمة إلكترونية.. المواطن الأردني إلى "غارم إلكتروني"؟
لم يتنفس المجتمع الأردني الصعداء بعد، حينما تمكن وبعد معاناة من التخلص من ظاهرة "الغارمات" التي ضربت المجتمع الأردني اجتماعياً واقتصادياً، حتى استيقظ على ظاهرة احتيال غريبة، ليست بحاجة إلى تكبد معاناة الذهاب لأي جهة، ولا الانتظار لفترات طويلة تحت أشعة الشمس للحصول على "المال" بأسرع طريقة، بل تتم "بلمح البصر" كما يروج لها من خلال أي هاتف ذكي!
حالات وشكاوي كثيرة لأشخاص وصلت إلى إذاعة حسنى للاحتيال عليهم، مستغلين خدمة بنكية رقمية تتيح للمشترك بطاقات شراء إلكترونية بقيمة ألف دينار، بعضها كان على مستوى موظفي القطاع الخاص، وبعضها استغل حاجة الفئات الأقل حظاً للمال في المجتمعات الفقيرة، وأخرى أخذت منحى الاحتيال التجاري.
البنك التجاري أطلق خدمة رقمية لفتح الحساب و الحصول على بطاقة ائتمان رقمية تسهيلا على عملائه وأسوة ببنوك عالمية، حيث يقوم طالب الخدمة بتنزيل التطبيق على الهاتف الذكي وإرسال صورة الهوية الشخصية والتقاط صورة سلفي عبر الهاتف لتأكيد شخصيته، إلا أن محتالين رأوا في هذا فرصة للاحتيال على آخرين مستغفلين بفتح حسابات رقمية وتقديم بيانات المستغفلين برضاهم بحجج مختلفة. ورغم استفادة آلاف العملاء من هذه الخدمة إلا أن أشخاصا وقعوا ضحية احتيال استغل هذه الخدمة الجديدة.
موظف في القطاع الخاص
"أحمد" موظف في شركة للقطاع الخاص تحدث لـ حسنى عن الاحتيال الذي تعرض له، حيث ادعى مدير شركته بأنه بحاجة لصورة عن بطاقة الأحوال الشخصية لجميع الموظفين، وصورة شخصية ملتقطة عبر الهاتف، وذلك لغايات الحصول على موافقات أمنية مرتبطة بالعمل.
إلا أن "أحمد" قد تفاجأ بأنه مطالب من خلال ذلك البنك التجاري بقيمة بطاقة الشراء، ويجب سدادها شهرياً ضمن المدد المحددة، ويقول أحمد أنه خشي من أن يعمم عليه قضائياً، ويدعي "أحمد" أنه حاول الاستفسار من البنك أو البنك المركزي أو أصحاب الخدمة دون إجابة، مما اضطره مجبراً على دفع أول قسط له لكي لا يطلب للتنفيذ القضائي.
أم محمد والحصول على تبرعات
أما "أم محمد" فهي سيدة من الأسر العفيفة التي تسكن في أحد أحياء عمّان الفقيرة، وتقول إن إحدى المحسنات والعاملات بالعمل الخيري اتصلت بها بشكل فردي لكي تبشرها بوجود شخصية من جنسية خليجية ترغب بإعطاء مجموعة من الأسر العفيفة مبلغاً من المال قبل عيد الأضحى المبارك، فاستبشرت "أم محمد" خيراً وذهبت دون تفكير.
طلب الشخص الذي يدعي أنه من جنسية خليجية أن يكون مكان التوزيع هو بيت تلك السيدة المحسنة وليس جمعية خيرية، وسلم كل سيدة منهن ومن بينهن" أم محمد" مبلغاً مقداره 25 ديناراً، فيما طلب أن يتم تصوير بطاقات الأحوال المدنية لهن بالإضافة لصورة ملتقطة عبر الهاتف، بحجة أنه لا ينظر للنساء، بحسب رواية "أم محمد".
فتفاجأت "أم محمد" بعد أيام باتصال من ذات البنك التجاري، لكي يطلب منها تسديد ما عليها من التزامات، فقامت بعمل مناشدة عبر إذاعة حسنى لتوصيل صوتها، حيث تم توجيهها لتقديم شكوى لدى المركز الأمني، وقام الأمن العام بالقبض على هذا الشخص وهو من جنسية أردنية وليست خليجية وإيداعه القضاء لاتخاذ المقتضى القانوني.
مطالبات بوقف عمل شركة سياحية محلية
ولأنّ بطاقات الشراء تلك تتيح لمن حصل على معلوماتها السرية الشراء الإلكتروني، امتهنت إحدى شركات السياحة والسفر شراء التذاكر إلكترونياً عن طريق أموال هذه البطاقات التي تعود لمواطنين تم تضليلهم من قبل محتالين استغلوا سهولة الخدمة، وذلك من خلال نشر إعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تعرض تذاكر للسفر بأسعار أقل من سعرها الحقيقي، واطلعت حسنى على كتاب صادر من جمعية وكلاء السياحة والسفر إلى وزير السياحة تطلب منه وقف عمل هذه الشركة والتي تسيء للقطاع السياحي.
كل هذه الحالات تطرح تساؤلات حول الدور الرقابي للبنك المركزي على مثل هذه الخدمات؟ ومعايير الأمان اللازمة لفتح هذه الحسابات الإلكترونية؟ وعن إمكانية فتح حسابات بنكية على هذه الخدمة لأشخاص آخرين.
البنك المركزي أوقف الخدمة .. ويحقق في الحالات
مدير وحدة حماية المستهلك في البنك المركزي الدكتور وليد القصراوي قال إن البنك على علم بهذه الشكاوى، وأن هذه الخدمة أوقفت حاليا.
أكد ذلك، محافظ البنك المركزي الدكتور عادل شركس، الذي قال لـ حسنى إن على المواطن أن لا يقوم بإعطاء معلوماته الشخصية من بطاقة الأحوال المدنية، أو الهاتف، أو السيارة لأي شخص، وأن البنك المركزي يتابع هذه الحالات، وقام بعمل تحقيق في الحالات التي وصلت له.
وأضاف أن خدمة فتح الحسابات إلكترونياً موجودة ضمن هذا البنك، وغيره من البنوك، ولكن البنك قام بوقف إصدار بطاقة الشراء الإلكترونية منذ شهر ونصف حماية للعملاء، فيما وعد بمتابعة الحالات عبر تحقيق مستقل.
سياسياً .. الشمول المالي .. مشروع دولي
وربما لا يتعلق الأمر فقط بالشأن المالي والاقتصادي وحالات النصب والاحتيال، فسياسياً اعتبر الخبير في التجارة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ليث أبو جليل أن هناك دعوات دولية من صندوق النقد الدولي، والعربي كذلك، إلى ما يسمى بسياسة "الشمول المالي"، ويمكننا تعريف هذه السياسة من خلال موقع صندوق النقد العربي بأنها " توفير الخدمات المصرفية لنسبة 63 في المائة من المواطنين الذين تزيد أعمارهم على 15 عاماً الذين لا ينتفعون بالحسابات المصرفية الرسمية، إلى جانب تسهيل انخراطهم في الاقتصاد الرسمي والمساهمة في التنمية المستدامة وفقًا لأهداف الأمم المتحدة".
والأردن جزء من هذه السياسة العالمية، والتي لا يستطيع رفضها، حيث يتم تطبيق هذه السياسة من خلال البنك المركزي الأردني، والبنوك التجارية الموجودة بالأردن، ويلاحظ الآن انتشار شركات التمويل الأصغر وحجم التسهيلات المعروضة للأفراد لا سيما ممن لا يملكون حسابات بنكية أو عمل منتظم أو مصدر دخل ثابت، إذ تقدم هذه المؤسسات للأفراد تسهيلات مغرية قد لا تحظى الشركات الكبيرة بمثلها، وفق أبو جليل.
وأكد أبو جليل أن هدف كل هذه السياسات، الوصول للسياسة المالية الآمنة وبدون مخاطر والتي تزيد الغني غناً والفقير فقراً، وهي تجارة المال بالمال، وكل ذلك تنفيذاً لأجندات رأسمالية يتجه كل العالم نحوها الآن خلال المؤسسات المالية المحلية.
مسؤولية من؟
و تفتح هذه الحادثة جدلا حول من يتحمل مسؤولية التوعية للأفراد للتغلب على حالات الاحتيال الرقمي، وما حجم مسؤولية البنك المركزي بهذا الصدد.