سد الوالة يفتح جرح الأردنيين و يعيد إلى ذاكرتهم قضية تلوث مياههم المتكررة

الصورة

مشكلة التلوث قديمة لكنها متجددة ولا حلول جذرية

المصدر

المشكلة متكررة ويجب معالجتها، سكان المنطقة يعتبرونها إهانة وإساءة لهم ولا يقبلونها، وما يحدث ضد الوطن ويتعارض مع رسالة وأهداف وزارة المياه المتمثلة بحماية السدود من السيول الملوثة بالمياه العادمة ومياه الصرف الصحي، عادل الجنادبة رئيس بلدية ذيبان.

بتلك الكلمات وصف، عادل الجنادبة، ابن ذيبان ورئيس بلديتها، مشاعر أهالي منطقته، تجاه تلوث مياه سد الوالة بالمياه العادمة ومياه الصرف الصحي منذ سنوات وبشكل متكرر، آخرها كان في الأيام الأخيرة من شباط الماضي.

 فقد اشتكى أهالي محافظة مادبا وسكان منطقة ذيبان ولواء الجيزة، من تغير طرأ على لون ورائحة مياه سد الوالة / 20 كم جنوبي محافظة مادبا، معللين السبب، بتسرب مياه عادمة، من محطة تنقية جنوب عمّان وهي بنظرهم المتهم الرئيس بالتلوث.

 

صور تظهر تلوث مجرى سيل وادي الرميل  الذي يغذي السد بالمياه العادمة /  (المصدر رئيس بلدية ذيبان)

لم يشكل الحديث عن مشكلة التلوث مع الجنادبة أي مفاجأة، فمن خلال البحث المسبق عبرالشبكة العنكبوتية، وجدنا  العديد من التقارير  الإعلامية  قد سلطت الضوء على معاناة أهالي منطقة  الجيزة  القريبة من محطة التنقية.

يشتكي أهل المنطقة شكوى استمرت لسنوات بسبب التسرب المتكرر لمياه الصرف الصحي من تلك المحطة، يقولون إنها تتسبب بمكرهة صحية وبيئية بعد جريان تلك المياه إلى مناطق وادي أرينبة الغربية والناصرة والمبروكة وزينب والزعفران ووادي الرميل وصولاً إلى سد الوالة.

الجنادبة  أكد لـ "حسنى" أن مياه وادي الرميل أصبح لونها أسود ورائحتها كريهة جدا، و أنه على إثر ذلك تم تنبيه المسؤولين، وأنه التقى وزير المياه في حينها معتصم سعيدان في محطة التنقية،  حيث وعد الوزير بتشكيل لجنة تحقيق للوقوف على الأسباب الحقيقية لحدوث تلك المشكلة، وأضاف:

القضية أصبحت قضية رأي عام، والوزير السابق معتصم سعيدان لا يتحمَّل مسؤوليتها، لكنه يتحمل مسؤولية عدم إيجاد حل لها، عادل الجنادبة رئيس بلدية ذيبان.

 رئيس البلدية الجنادبة اتهم بشكل لا لبس فيه، تعمّد محطة تنقية جنوب عمان، تفييض المياه العادمة إلى وادي الرميل، قبل حدوث المنخفض الأخير الذي شهدته المملكة شباط الماضي، وذلك تحسبًا لحدوث ضغط عليها نتيجة توقع هطولات كبيرة من الأمطار، لكن الأمطار أتت بشكل يمكن استيعابه، والنتيجة أن إجراء المحطة بتفييض المياه العادمة لم يكن له داعٍ و أدى إلى تلوث واضح للعيان، حسب قوله.

بدا لنا أنه ليس الجنادبة وحده من يُحمّل مسؤولية عدم إيجاد حلول لتلك المشكلة لوزارة المياه، فالمهندس محمد السنيد مدير محطة الوالة الزراعية وأحد سكان المنطقة، حمّل الوزارة المسؤولية أيضًا متهمًا إياها بالتقصير.

السنيد قال لـــ "حسنى" إنه تحدث مرارًا إلى المسؤولين عن تلك المشكلة، وروى لنا ما حدث عام 2009 بين أهالي مادبا و وزير المياه حينها محمد النجار، عندما اتهموه صراحة بمحاولة إخفاء حقيقة تلوث مياه وادي الهيدان الذي يغذي المحافظة بالمياه.

فيديو يظهر تلوث مياه وادي الرميل - المصدر رئيس بلدية ذيبان

إجراءات وزارة المياه

الصورة
وزير المياه-د. معتصم سعيدان

 وزير المياه السابق معتصم سعيدان - جولة تفقدية لمحطة تنقية الجنوب

في 22 من شباط الماضي، وزير المياه السابق د. معتصم سعيدان، أكد في بيان رسمي، أنه ومنذ ورود شكاوى من مواطنين حول تغيّر لون مياه سدّ الوالة، أن الوزارة ومن خلال مختبراتها قامت بفحص عيّنات من مياه بحيرة الوالة، ومياه السيل ما قبل المحطّة، والمياه المعالجة في المحطّة، والمياه الداكنة في جسر الرميل.

مضيفاً أنّ النتائج الأوليّة للفحوصات أثبتت سلامة العيّنات ومطابقتها للمواصفات، وعدم دخول مياه عادمة من محطّة جنوب عمّان إلى بحيرة سدّ الوالة، مشيراً أنه تمّ التنسيق مع وزارة البيئة التي أرسلت عيّنات إضافيّة من جميع المواقع المذكورة أعلاه إلى الجمعيّة العلميّة الملكيّة لفحصها، مشدداً في الوقت ذاته, أنّ منطقة المحطّة والسدّ هما بؤرتان ساخنتان خلال المنخفض الجوّي الأخير.

حسنى توجهت بسؤال لوزارة المياه  حول ما إذا كانت "تنفي حدوث تسرب إلى مياه السد أو أنها تنفي حدوث تلوث؟" فرفضت الأخيرة التعليق، مضيفة إنها تكتفي بما أعلنته في بيانها .

 نتائج تحليل عينات الجمعية العلمية الملكية

 

تصوير: أحمد عبد الرزاق

 

الجمعية العلمية الملكية

انتهت إلى أن  نتائج العينات، التي جمعت من مواقع في وادي الرميل، ومصب وبحيرة سد الوالة، يومي 21 و 23 من شهر شباط، إلى "عدم تلوث مياه سد الوالة بمياه الصرف الصحي من محطة جنوب عمان أو من غيرها”.

كما أكدت على "مطابقة مياه بحيرة السد، والمياه الجارية في وادي الرميل، لأغراض الإسالة إلى الأودية، وتغذية المياه الجوفية بحسب المواصفة الأردنية، رقم 893/2006؛ باستثناء عناصر الأمنيوم، والحديد والمنغيز، والتي غالبًا ما يعود ارتفاعها في المياه السطحية إلى المحتوى الطيني، أو المواد الصلبة العالقة في المياه، أو إلى مصادر صناعية في المسقط المائي".

للإطلاع على نتائج تحليلات عينات الجمعية العلمية الملكية "اضغط هنا"

الجنادبة علَّق على ما خلصت إليه الجمعية العلمية الملكية من نتائج: عدم الاعتراف بوجود مشكلة هو مشكلة في حد ذاته.

"حسنى" تواصلت  مجددًا، مع رئيس بلدية ذيبان، عادل الجنادبة، لسماع رأيه في ما خلصت إليه الجمعية العلمية الملكية من نتائج، لكنه رفض التعليق عليها، مؤكدا ثقته بالجمعية، لكنه أسلف قائلاً: إن عدم الاعتراف بوجود مشكلة هو مشكلة في حد ذاته، مجدداً مطالبته لوزارة المياه بالكشف عن الحقائق، وعدم إنكار المشكلة أو تجاهلها، كاشفاُ في الوقت ذاته عن مقترحات عدة تم بحثها أثناء لقاءه بالوزير  السابق سعيدان .

ومرة أخرى تتطابق المواقف بين الجنادبة والسنيد، لكن الأخير ذهب الى أبعد من ذلك، متهماً الجهات الرسمية بإخفاء الحقائق، مضيفاً أن الأمر مرتبط بالمنح الكبيرة التي تحصل عليها وزارة المياه،  وأن الوزارة لا ترغب أن يفتضح الأمر أمام الجهات المانحة .

السنيد قالها لــ" حسنى " وبصريح العبارة " يجب محاكمة وزير المياه السابق معتصم سعيدان والوزير الحالي محمد النجار ، على تقصيرهما بإيجاد حلول لمشكلة تلوث المياه التي تعاني منها منطقته.

 بلدية ذيبان تبحث مع وزير المياه السابق مقترحات لحل المشكلة لخصها الجنادبة لــ " حسنى" بالنقاط التالية: 

  1. تخفيض سعر متر المياه العادمة للمزارعين من 50 فلس إلى 25 فلس.
  2. مجانية المياه التي تم ضخها للمزارعين خلال شهري كانون أول وكانون ثاني الماضيين.
  3. حفر ثلاث برك داخل محطة التنقية لرفع سعتها الاستيعابية من المياه العادمة.
  4. عمل خط ناقل من محطة تنقية جنوب عمان باتجاه محطة تنقية الكفرين لاستيعاب كميات المياه العادمة الفائضة.
  5. عمل محطة فلترة بين السد والأبار الارتوازية وعددها 14.
  6. جر 4 مليون متر مكعب من مياه سد الوالة إلى سهول ذيبان ليستفيد منها المزارعون بالزراعة.
  7. عدم جر أي مياه من الآبار الارتوازية إلا بموافقة وزارة المياه بعد فحصها ومطابقتها للمواصفات.

 المشكلة محلُّ تفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي

رغم تأكيد وزارة المياه و صدور نتائج تحليلات الجمعية الملكية، بعدم وجود أي تلوث للمياه سد الوالة، فإن القضية لا تزال تتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب مطالبة الأهالي بكشف الحقائق ومحاسبة المقصرين.

يذكر أنه ليست المرة الأولى التي تثار فيها الشكوك حول حدوث تلوث لمصادر المياه في الأردن، والحديث عن تلوث مياه سد الوالة سبقه الحديث عن تلوث طال أماكن أخرى خلال السنوات الماضية.

حالات تلوث أخرى

سد الملك  طلال_ مرتفعات تل الرمان_ جرش_ الانترنت

 

سد الملك طلال - مرتفعات تل الرمان - جرش صور من الإنترنت

أكبر سدود الأردن، أنشئ في سبعينيات القرن الماضي، في مرتفعات تل الرمان - محافظة جرش، تستعمل مياهه للري وتوليد الكهرباء، تبلغ سعته التخزينية نحو 95 مليون متر مكعب.

في العام 2009 أظهرت دراسة أكاديمية تحت عنوان "تقييم حالة تلوث مياه سد الملك طلال -الأردن" أن السد يتعرض للتهديد بسبب أنشطة مستجمعات المياه المحلية والصناعية المحملة بالنفايات غير المعالجة، ما يرفع نسبة تلوث المياه كيميائيًا وبيولوجيًا. 

 

و أظهرت نتائج الدراسة التي أجريت على المياه، أن تركيز الفلزات يتعدى الحدود القياسية لمياه الري إضافة إلى وجود مستويات عالية من المركبات العضوية ، كما سجل في العام 2019 نفوق عدد من الأسماك التي تعيش في مياه السد، ورجح مزارعون ذلك إلى ارتفاع نسبة تلوث المياه القادمة عبر سيل الزرقاء إلى السد.

سيل الزرقاء

 

سيل الزرقاء - ملوث بالمياه العادمة والمخلفات الصناعية المصدر من الانترنت

 منذ أكثر من ثلاثة عقود وسيل الزرقاء، الذي يبلغ طوله 73 كم ويصب أيضًا في سد الملك طلال، يتعرض للتلوث نتيجة إسالة مياه الصرف الصحي، القادمة من بعض مناطق عمان والرصيفة والزرقاء السبب الرئيسي في تلوثه، وفيضانه المستمر وبخاصة في فصل الشتاء.

ورغم قدم المشكلة، إلا أنها ما زالت بلا حلِّ جذري، إذ ما زال مجرى السيل يستخدم مكبًا للنفايات الصناعية والمنزلية والتجارية ومخلفات البناء والأنقاض والأتربة مما جعله مكانا جيداً لتكاثر القوارض.

وادي الكرك:

 وفي شباط العام الماضي 2020 تعرضت مياه وادي الكرك إلى التلوث بالمياه العادمة ما أدى الى نفوق الأسماك و إرباك المغامرين السائرين في الوادي، واتهمت حينها محطة التنقية كما اتهمت بركة غابة الرسيس ونفت كلا من وزارة المياه ووزارة الزراعة التهم وأغلق الملف دون تصريح رسمي يكشف سبب المشكلة.

وفي جميع حالات التلوث التي سجلت في المملكة، كانت فحوصات عينات الجهات الرسمية ذات العلاقة ، تؤكد أنه لا تلوث في المياه، وأنها مطابقة للمواصفات المعتمدة، ليبقى التساؤل الذي لا يغيب أين الحقيقة؟

 ومن الجدير بالذكر أن الأردن يصنّفُ ضمن أفقر عشر دول في مصادر المياه على المستوى الدولي، فنصيب الفرد من المياه لا يتجاوز 155 مترا مكعبًا، من خط الفقر المائي العالمي والبالغ 1000 متر مكعب سنويًا.

ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها محدودية الهطول المطري، و موقع الأردن الجغرافي و المناخ، أسباب ليست هي موضع الحديث هنا، بل نتحدث عن مشكلة باتت تؤرق الجميع، لتكرارها خلال السنوات الأخيرة، وهي مشكلة "التلوث" الناتج عن اختلاط مجاري المياه الواصلة إلى السدود بالمياه العادمة ومياه الصرف الصحي وغيرها، ما يهدد ثروة البلاد المائية.

00:00:00