توالت ردود الفعل العربية التي تدعم الأردن عقب إعلان رسمي كشف فيه وزير الاتصال الحكومي، محمد المومني، عن إحباط دائرة المخابرات العامة مخططا
مراسلون بلا حدود: الأردن يتراجع في مؤشر حرية الصحافة ويحتل المرتبة 147

كشف تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" عن تراجع الأردن في تصنيف حرية الصحافة العالمي، ليحل في المرتبة 147 من أصل 180 دولة، متراجعا 15 مركزا دفعة واحدة عن العام الماضي.
ويشير التقرير إلى مفارقة بأن دولا تعاني من أزمات مزمنة، وانقلابات عسكرية، وبنى تحتية هشة، تقدمت على الأردن في هذا المضمار، مثل زيمبابوي (126)، ورواندا (124)، وإثيوبيا (130)، وسيراليون (74)، وغينيا (111)، وموزمبيق (113)، والنيجر (117).
رقابة حكومية على الإعلام في الأردن رغم الاستقرار
وبحسب تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" يتميز الأردن باستقرار سياسي نسبي مقارنة بجيرانه، إلا أن ذلك لم ينعكس إيجابا على حرية الصحافة التي تبقى –وفق المنظمة– محاصرة بين الرقابة الذاتية والخطوط الحمراء التي تفرضها السلطات الرسمية.
ويضيف التقرير أن السلطات الأردنية تستمر في فرض سيطرتها على وسائل الإعلام المحلية من خلال تعيين رؤساء تحرير في مؤسسات رئيسية مثل مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردني، ووكالة الأنباء الأردنية (بترا)، وصحيفتي "الدستور" و"الرأي". كما تقوم الدولة بالتحكم المالي في هذه المؤسسات، مما يعزز من هيمنتها على المشهد الإعلامي.
في المقابل، تسيطر جهات أخرى، مثل الجيش أو السلطات البلدية، على بعض وسائل الإعلام، ما يمنحها امتيازات خاصة، خصوصا في تغطية الأحداث الجارية في مناطق محددة من البلاد. هذه السيطرة تؤثر على تنوع التغطيات الإعلامية وتفرد بعض المنابر بمزايا على حساب غيرها.
علاوة على ذلك، تفرض النيابة العامة قيودا صارمة على الصحافة، فهي تمنع وسائل الإعلام من تغطية موضوعات حساسة، كقضايا الفساد والجريمة، التي تحظى باهتمام واسع من قبل الرأي العام.
صحافة بعيدة عن تحقيق الاستقلالية في الأردن
يشير التقرير إلى أن المشهد السمعي البصري الأردني يضم قنوات حكومية مثل "المملكة"، إلى جانب قنوات خاصة مثل "رؤيا"، بالإضافة إلى عشرات المحطات الإذاعية العامة والإذاعات المجتمعية الخاصة، ومواقع إلكترونية مستقلة ومع ذلك، تبقى التعددية الإعلامية محدودة، خاصة فيما يتعلق بتغطية قضايا حقوق المرأة أو المواضيع الحساسة المتعلقة بمكونات المجتمع المختلفة كالفلسطينيين والشركس والدروز والمسيحيين، كما أن التقرير يرى بأن الصحافة ما زالت بعيدة عن تحقيق الاستقلالية في الأردن.
قوانين تعمق الرقابة الذاتية
وفقا لـ"مراسلون بلا حدود"، فإن التعديلات التي أدخلت على قانون المطبوعات والنشر عام 2012 أتاحت للسلطات توسيع رقابتها على المحتوى الرقمي، فقد حجبت مئات المواقع خلال السنوات الماضية، كما جاء قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، الذي أقر في آب 2023، ليمنح الحكومة أدوات إضافية لتقييد حرية التعبير، تحت ذرائع مثل مكافحة "الأخبار الكاذبة" أو "تقويض الوحدة الوطنية"، ويشير التقرير إلى أن هذا الإطار القانوني يدفع العديد من الصحفيين إلى ممارسة رقابة ذاتية صارمة خوفا من الملاحقة القضائية.
صعوبات اقتصادية وتضييق أمني
على المستوى الاقتصادي، يلفت التقرير إلى أن وسائل الإعلام الخاصة تعاني من نقص الموارد، ما يجعل بعضها يتجنب انتقاد جهات نافذة لتأمين الإعلانات أو التمويل، كما تفرض هيئة الإعلام رسوما مرتفعة لتجديد التراخيص، مما يثقل كاهل المؤسسات الإعلامية المستقلة. وتتمتع السلطات الأردنية بسلطة كبيرة لملاحقة الصحفيين قضائيا، ما يعرضهم لغرامات مالية ضخمة قد تثقل كاهلهم. بالإضافة إلى ذلك، تفرض الهيئة المختصة بتنظيم الإعلام السمعي البصري رسوما باهظة للحصول على تراخيص للبث، مما يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة لوسائل الإعلام الخاصة.
وفي ظل هذه الضغوط المالية، تواجه المؤسسات الإعلامية المستقلة صعوبات شديدة في الاستمرار، خصوصا تلك التي لا تتبع للدولة. نتيجة لذلك، تضطر بعض وسائل الإعلام الخاصة إلى الامتناع عن انتقاد الشركات الكبرى أو الشخصيات العامة من أجل الحفاظ على مصادر تمويلها واستمرار عملها، أما من الناحية الأمنية، فتؤكد المنظمة أن أجهزة المخابرات تمارس ضغوطا على الصحفيين، بما في ذلك الاستدعاءات الأمنية المتكررة، وغالبا ما يشترط عليهم التزام الصمت مقابل الإفراج عنهم.
وبحسب منظمة "مراسلون بلا حدود"، لا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين الأسوأ عالميا من حيث حرية الصحافة حيث تشهد العديد من الدول انتهاكات متكررة ضد الصحفيين ووسائل الإعلام، وسط تراجع في مستوى الشفافية وتزايد الرقابة والتضييق.
الشرق الأوسط في دائرة الخطر.. دول عربية تتذيل تصنيف حرية الصحافة
وسط الاضطرابات المستمرة في الأراضي السورية، جاءت دمشق في المرتبة 177 عالميا، في مؤشر يعكس حجم التحديات التي تواجه العمل الصحفي هناك، في ظل إرث طويل من القمع الإعلامي خلال سنوات حكم نظام الأسد، وغياب أفق واضح لإصلاح المشهد الإعلامي حتى بعد تراجع سطوة النظام على أجزاء من البلاد.
أما مصر، فقد واصلت تراجعها في حرية الصحافة محتفظة بموقعها بين أسوأ عشر دول في العالم، لتستقر في المرتبة 170، بسبب السياسات الحكومية التي تقيد التغطية المستقلة للأحداث والأزمات الداخلية.
وفي الأراضي الفلسطينية، حل التصنيف عند المرتبة 163، في ظل ما وصفه تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" بـ"التهديد المتزايد لسلامة الصحفيين"، خاصة في قطاع غزة، الذي سجل أرقاما غير مسبوقة في مقتل الصحفيين خلال العام والنصف الماضيين. وأشار التقرير إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي مسؤول عن مقتل نحو 200 إعلامي، بينهم ما لا يقل عن 43 قتلوا أثناء تأدية عملهم، ما أدى إلى تراجع تصنيف "إسرائيل" 11 مرتبة هذا العام لتستقر في الموقع 112.
أما لبنان، ورغم تقدمه النسبي، فقد بقي في المرتبة 132 بسبب الأزمات الاقتصادية والضغوط السياسية التي تكبل الإعلام المحلي، وسجلت تونس المرتبة 129، لكنها تراجعت بشكل حاد في المؤشر الاقتصادي نتيجة أزمتها السياسية، لتكون الدولة الوحيدة في شمال إفريقيا التي شهدت هذا التقهقر الاقتصادي ضمن التصنيف.
دول الخليج.. رخاء اقتصادي لا ينعكس على حرية الإعلام
رغم الاستقرار الاقتصادي النسبي في دول الخليج، فإن بيئة الصحافة ما تزال مقيدة بأنظمة صارمة وضغوط سياسية مستمرة، فقد جاءت السعودية في المرتبة 162، والإمارات في المرتبة 164 بعد تراجعها أربع مراتب، وهو ثاني أسوأ تراجع في المنطقة، وسُجلت سلطنة عمان في المركز 134، والكويت في المرتبة 128.
خريطة العالم تزداد قتامة.. نصف سكان الكوكب يعيشون في دول "خطيرة جدا" على الصحافة
تظهر خريطة التصنيف العالمي، كما نشرتها "مراسلون بلا حدود"، اتساع مساحة الدول المصنفة باللون الأحمر، والتي تمثل المناطق الأخطر على حرية الإعلام وسلامة الصحفيين، وتشمل معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
التقرير يؤكد أن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون في 42 دولة تصنف أوضاع حرية الصحافة فيها بأنها "خطيرة للغاية". ولا تقتصر الانتهاكات على المنطقة العربية، بل تتعداها إلى آسيا الوسطى، حيث سجلت الصين تدهورا مقلقا بوصولها إلى المرتبة 178، تسبقها كوريا الشمالية (179)، فيما تتذيل إريتريا التصنيف العالمي في المرتبة 180، كأخطر مكان على الصحفيين في العالم.
اقرأ المزيد.. كيف ستتعامل عمّان مع طروحات ترامب؟