هنية في عمان للمرة الأولى

الصورة

بقلم عبادة العلي

المصدر

حضر إسماعيل هنية الرئيس الحالي للمكتب السياسي لحركة لحماس، وخالد مشعل -الرئيس السابق للمكتب- جنازة أحد مؤسسي الحركة وأول ناطق باسمها المرحوم المهندس إبراهيم غوشة.

الجنازة الزاخرة بالدلالات السياسية والدبلوماسية كانت تمظهرا لحركة نشطة من الاتصالات بين قيادة الحركة والأردن الرسمي بعد معركة سيف القدس، والتي بدأت باتصال من مدير المخابرات الأردنية بإسماعيل هنية بعد اتفاق التهدئة، أعقبها تصريح إيجابي من وزير الخارجية أيمن الصفدي عن التواصل مع حماس، وجرى الحديث عن تحضير لزيارة عدد من قيادات حماس للأردن، وكان النقاش الأبرز أردنيًا "هل ستلتقي هذه القيادات برسميين أردنيين، أم سيتم الاقتصار على اللقاء بالأمنيين" ليعلق الدخول إلى حين.

جاءت وفاة غوشة - رحمه الله- مدخلا مناسبا للدبلوماسية الأردنية لتجنيبها كثيرا من الإكراهات الإقليمية، إذ من المعلوم أن دخول عدد من أعضاء المكتب السياسي لحماس يحتاج وقتا أكبر من بضع ساعات!

"دبلوماسية المناسبات الإنسانية" يتقنها الأردن الرسمي منذ سنوات في تعامله مع حماس بعد القطيعة الكبرى عام 1999، دور يتقاسمه الرسمي والأمني بعناية بناء على العلاقات بالحلفاء الدوليين والإقليميين، إذ سمح لعدد من قيادات الحركة دخول الأردن في مناسبات عزاء لذويهم ضمن ترتيب مسبق.

هذه العلاقة ضعفت وقويت وتباينت من طرد قيادات حماس عام 1999، وحتى استقبال خالد مشعل من الملك عبدالله الثاني في قصر الحسينية عام 2012، وبينهما مد وجزر من اعتقالات لأعضاء محسوبين على حماس وزيارات للأمير علي بن الحسين لمنزل عائلة مشعل في عمان بطابع "إنساني" أيضا للاطمئنان على والدته قبل وفاتها.

تدرك حماس إكراهات الموقف الأردني جيدا، وتعي أيضا حساسية مؤسسات الدولة الأردنية لبعض الرواسب السياسية التي تعود إلى نصف قرن، فكان إسماعيل هنية واضحا تماما بحجم وضوح الحساسيات، ليعلنها من عمان وهو رأس الهرم القيادي في حماس بعدة رسائل مقتضبة لكنها صريحة وواضحة أن "الأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين" ورفع اللاءات "لا للتوطين، لا للوطن البديل" ثم تحدث للإعلام "شعب واحد في دولتين" ليعود مشعل لتأكيد ذلك، وإن كان للأخير -برأيي- الدور الأبرز في صياغة خطاب الحركة تجاه الأردن، فهو صاحب الخبرة الأكبر والمعرفة بالدولة والمجتمع الأردني.

المجتمع الأردني تلقى هذا المشهد بارتياح بالغ، من دخول قيادات المقاومة للأردن بعد موجات الشيطنة والملاحقة التي تعرضت لها كوادر حماس في بلدان كانت حتى عهد قريب حاضنة لها، وإن كان كثير من الأردنيين يطمحون أن تتسارع هذه الخطوات وأن تكون أكثر جرأة خصوصا أن ثوابت حماس التي أكدها هنية ومشعل هي ذاتها لاءات الملك عبدالله الثاني، وهي ذاتها المصالح العليا للدولة الأردنية وللمقاومة الفلسطينية.

يعي كاتب هذه السطور أن الفجوة لا تزال بعيدة بين الأردن الرسمي والفصائل الفلسطينية من غير حركة فتح، فتحالفات عمان لن تسمح لها بالابتعاد كثيرا في مثل هذه الخطوات، بالإضافة لتخوفات "الأمنيين" المستمرة من استثمار  زخم هذه المشاهد وتجييرها لصالح أطراف أردنية داخلية خصوصا في حال حصول انتخابات بقانون مختلف يتيح بعض الحركة للأحزاب السياسية، لكن أعتقد أن قيادة حماس أيضا ليست متحمسة للدخول بهذه المعركة الداخلية، وهي تحاول دائما التأكيد على أنها تقف مع من يدعمها بغض النظر عن توجهاتهم، وكان هذا برأيي سبب اتصال إسماعيل هنية بمجموعة من النواب والرموز الوطنية في الأردن بعد معركة سيف القدس، وكان الرابط بينهم هو دعوتهم لجهود تدعم المقاومة.

في النهاية لا بد أن الأمور أعقد مما يظهر في مناسبة عابرة، ولا شك أن معركة سيف القدس الأخيرة واتصالات بايدن المكوكية لوقف الحرب ألجأت الإدارة الأمريكية لفسح قدر أكبر أمام حلفائها لإعادة فتح خطوط الاتصال بحركة حماس، لمحاولة إعادة احتوائها باتجاهين، الأول إبعادها عن إيران، والثاني ضمان عدم وقوع مواجهات كبرى بين فصائل المقاومة وإسرائيل حتى لا تنجر الولايات المتحدة من جديد للشرق الأوسط الذي تحاول التخفف منه، وفي هذا كلام يطول، ليس مكانه هذا المقال المقتضب، ولكن واجبنا كأردنيين أن نسعى للإصلاح في بلدنا، ولاعتقادنا بأن فلسطين قضية كل عربي مسلم، من واجبنا أن نثمن هذه اللفتة بدخول قيادات المقاومة لعمان، وأن نضغط لتستمر وتتعاظم بغية الوصول إلى حالة جامعة من دعم الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه وإقامة دولته، إيمانًا بعدالة القضية، وانسجاما مع المصالح العليا  للدولة الأردنية.

الأكثر قراءة
00:00:00