أم العريس وفضح المستور

الصورة
المصدر

بقلم الدكتورة ميرفت سرحان 

بعد انتشار الجرائم بأنواعها .. قتل وسرقة ومخدرات وتهريب، وغيرها .. عافانا الله منها .. كان لا بد من البحث عن وسائل متعددة ومختلفة لمحاربتها .. ومن بين هذه الوسائل أجهزة التفتيش التي توضع على مداخل المطارات والفنادق و"المولات"، وغيرها .. بهدف كشف حيازة الأشخاص لأي من الأسلحة أو المعادن الممنوعة .. وكل ما يضر بالآخرين .. ثم اتخاذ الإجراء المناسب بحقهم ..  

أجهزة التفتيش هذه تذكرني بحال أم شهاب، التي قررت أن تزوج ابنها، الذي حصل على وظيفة للتو .. فاستدعته لتفاتحه بالموضوع .. وكانت بداية الحكاية كالتالي: "يلا يمه يا شهاب بدنا ندورلك على عروس" .. فرح الشاب بما قالت والدته، وتحمس للفكرة بشدة .. وقال لها: "شو رأيك يمه!!" أحلام بنت الجيران، صغيرة وحلوة ومتعلمة"، ردت الأم: "لا يا حبيبي!! هيه، بنت فوزية القوية، رح تغلبك يمه"، وأخذت تطوي الغسيل الموضوع على الكنبة ..

كانت شادية أخت شهاب حاضرة للجلسة، فذكرت لانا زميلتها في مشغل الخياطة، إلا أن الأم ردت بسرعة: "أي لانا؟!، هاي البنت الهبلة؟! أي ما بتنفعك يمه"، ثم غادرت الأم غرفة الجلوس وهي تقول: "خليني أروح أجلي الجليات" ..  في هذه الأثناء .. دق جرس الباب، وقبل أن تتوجه شادية لفتحه، ذكرتها والدتها بمبلغ المال الذي استدانته من أم باسم، التي ربما جاءت لتستعيده، بعد أن تأخرت عليها بالسداد، وأكدت الأم على شادية أن تتملص من أم باسم .. 

بعد يومين ذهبت أم شهاب وابنها للتعرف على العروس وعائلتها .. من طرف الجارة أم سارة .. استقبلتهم عائلة العروس، ورحبت بهم، وأحسنوا ضيافتهم .. وحين رجوعهم للمنزل قالت أم شادي لابنها: " والله ما عجبتني لا الأم ولا بنتها، هدول عودهم مليان، بكره بتصير قد الطابة يمه، ما الك مصلحة معها "، وضحكت بسخرية، ومشت قائلة: "خليني أروح أغير أحسن" .. 

بعد فترة تعرف شهاب على زميلة له في العمل، وحدث بينهما إعجاب متبادل .. وأثناء زيارته وأمه لعائلة الفتاة، وبعد أن قدمت العائلة الضيافة، بدأت أم شهاب "بقصقصة البزر، وصدى صوت القصقصة، يكاد يخرق جدران المنزل، وبدأت الأم باستجواب الفتاة: كم عمرك؟، "شو بتعملي براتبك، بتشاركي بمصروف البيت؟"، بيتكم ملك، ولا إيجار؟، أختك من بيت مين متزوجة؟، "كأنك عاملة بروتين لشعرك؟، ولا هي طبيعته؟"، وبعد أن عادا للمنزل، قالت لابنها: "والله يمه ما عجبوني، شفت كيف أمها ظلت مكشرة طول القعدة؟، والله ما أنا عارفة ليش؟!!، وتحركت للداخل قائلة: "خليني أشوف أخوانك شو بيعملوا" .. 

أم شهاب وبعض الأشخاص من أمثالها، لفرط غرورهم وفيض جهلهم نصبوا أنفسهم مفتشين على أحوال البشر .. واستخدموا  وسائل مختلفة لكشف عيوب الآخرين، وفضح المستور من خصوصيتهم، وتسلط الضوء على ما ينقصهم، ثم وضع تفاصيل حياتهم تحت المجهر لتضخيم أي خلل لديهم، والمبالغة في تصوير حجم أي ضعف عندهم ..

أم شهاب، وأمثالها الكثر، يستغلون أي ظرف يتيح لهم لإبداء رأيهم بغيرهم، وكل فرصة تسنح لهم للإدلاء بحكمهم على الآخرين .. فيبذلون جهدًا مضاعفًا في انتقاد فلان، والتقليل من شأن علان .. ولا يترددون أبدًا في الاستهزاء بهذا، والسخرية من ذلك ..

أرى أن تهكمهم على غيرهم، ما هو إلا ساتر يستخدمونه في محاولة لإخفاء نفوسهم المريضة، وعقولهم الخاوية، متغافلين عن عيوبهم العديدة، ومتناسين قصورهم في مواطن كثيرة، ومتجاهلين سيئاتهم وأخطائهم الجمة .. 

والمدهش أنهم يستغربون إذا استاء أحد ما من تصرفاتهم اللئيمة تجاه الآخرين، أو استنكر  أقوالهم القبيحة في حق غيرهم، أو استهجن تلميحاتهم الخبيثة نحو الآخرين .. أما المضحك؛ أنهم يشعرون بالانزعاج إذا تم انتقاد صفاتهم، أو استنكار تصرفاتهم .. وكأنهم معصومون، أو منزهون عن أي نقص أو قصور .. ثم تغافلوا من جديد عن أن جهاز الكشف الذي يستخدمونه لتتبع عورات الناس ما هو إلا مرآة تعكس بواطنهم ..  

أقتبس بعض الأبيات للإمام الشافعي:

إذا شئت أن تحيا سليمًا من الأذى

‏                    وحظك موفور وعرضك صيّن

‏لسانك لا تذكر به عورة امرئ

‏                      فكلك عورات وللناس ألسن

‏وعينك إن أبدت إليك معايبًا

‏                فصنها وقل يا عين للناس أعين

‏وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى

‏                   وفارق ولكن بالتي هي أحسن

دلالات

اختصاصية علم نفس ومرشدة في وزارة التربية والتعليم

الأكثر قراءة
00:00:00