خبير هندسة المياه، ناشط سياسي
الاستدارة في المواقف السياسية لماذا ؟
د.لؤي الفروخ
شهدت السنوات الأخيرة استدارات في المواقف السياسية وتبدل سريع وانعطافات حادة في مواقف الكثير من الدول، خاصة بين الدول العربية مع بعضها البعض، أو مع الدول المحورية في المنطقة مثل إيران وتركيا أو مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
في ظل هذه الاستدارات الحادة في المواقف السياسية وما صاحبها من إجراءات أثرت بشكل مباشر على حياة الناس ومصالحهم في تلك الدول يبرز التساؤل الهام، لماذا هذه الاستدارات وهل حققت أهدافها؟
حتى نفهم ذلك لا بد من فهم الخلفية السياسية للدول، خاصة في المنطقة العربية حيث المواقف السياسية في معظم الدول العربية وحتى الدول المحورية مثل تركيا وإيران مرتبطة ارتباطا وثيقا بالسياسة الأمريكية.
في المجمل؛ فإن السياسة الأمريكية أو السياسة الغربية وحتى سياسة بعض الدول مثل الصين أو روسيا تبدو ثابتة على مدار عقود طويلة، خاصة ما يتعلق منها بالمنطقة العربية، وهي مرتكزة حول تبعية مطلقة للسياسية الأمريكية مع بعض الاختلافات حسب حدة التنافس على المصالح خاصة مع بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي لا يوجد تبدل يستدعي استدارات في المواقف السياسية إلا فيما يخص المواقف من دولة الاحتلال التي تحرص أمريكيا على دمج إسرائيل في محيطها العربي وإعطاء إسرائيل غطاء سياسيا يمكنها من كسب المزيد من الوقت لتغيير الواقع في فلسطين حسب رؤيتها التوراتية.
من هنا نلاحظ أن الاستدارات السياسية ليست بسبب السياسية الأمريكية الأساسية حيث هذه التبدلات لم تكن ملحوظة في العقود السابقة ولكنها برزت بشكل لافت بعد حراك التغيير في العالم العربي وما صاحبه من استقطابات رعتها أمريكا وغيرها من الدول الفاعلة في العالم لإفشال هذه المحاولات من جهة، وصعود تركيا كقوة اقتصادية ومحاولات إيران في التمدد كقوة ذات نفوذ من جهة أخرى.
للأسف الشديد المواقف السياسية وتبدلها في العالم العربي ليست مبنية على مبادئ، وليست نتيجة مراكز أبحاث ودراسات كما هو عليه الحال في الدول الفاعلة في العالم، وليست منبثقة من مصالح الدول أو الشعوب كما يتم تسويقها أمام الناس، والدليل أن الاستدارات السياسية في مواقف تركيا لم تحسن الوضع الاقتصادي هناك، والاستدارة في مواقف الدول العربية من إيران لم تنه تمدد النفوذ الإيراني، والاستدارات في مواقف الدول مع دولة الاحتلال لم تساعد، لا في حل الصراع مع الاحتلال، ولا حتى في تخفيف القمع الذي يمارس على أهل فلسطين، ولم تسهم في تحسين اقتصاد الدول التي طبعت مع إسرائيل، ولم تُحسن من الوضع الأمني لدول المنطقة، وبالتالي هي لا تعدو عن كونها إلا انعكاسات للاستقطابات التي تصب في مصلحة السياسة الأمريكية في المنطقة والتي لن تعود على المنطقة إلا بمزيد من التشرذم والتقسيم والفتن و الطائفية ذلك لأنها صادرة عن أفعال وردات أفعال غير مدروسة ومغلفة برغبة لدى هذه الأنظمة لإثبات أنه يمكن لأمريكا وغيرها من الدول الاعتماد عليهم لحماية مصالحهم كما حدث في تهافت الدول لمساعدة أمريكا في الخروج من أفغانستان وغيرها أو في تسهيل مهمتها في العراق.
بالطبع المتأثر الوحيد بهذه الاستدارات والتبدلات هم الشعوب فقط التي تدفع ثمن هذه المواقف الرعناء ؛ فالأصل أن تكون المواقف السياسية ليست ارتجالية ولا عاطفية ولا شخصية حسب رغبة الحكام، بل مبنية على المبادئ الإنسانية التي شرعها الخالق من إحقاق العدل ورفع الظلم وحمايه مصالح الناس.
عندها لا حاجه لمثل هذه الاستدارات التي تشكك الناس في السياسة وتكرس مفهوم التبعية.