الإصلاح الأمني أولا

الصورة

قبل يومين شاركتُ في ندوة مُغلقة في المركز الوطني لحقوق الإنسان بعنوان "حقوق الإنسان والإصلاح التشريعي والسياسي مدخلا للمئوية الثانية" ، شارك فيها نُخبة من المُفكرين والسياسيين والمُهتمين ،و لفت إنتباهي مضمون الكلمة التي ألقاها رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات  الذي تحدثَ عن الميثاق الوطني الأردني الذي تمت مباركة توصياتهِ في مؤتمر وطني شامل عام 1991( قبل أكثر من ثلاثين عاما )  وبمباركة وإشراف مباشر من الملك الحسين رحمه الله ، حيث كان يعتقدُ الجميع أن ذلك الميثاق سيكون بدايةً لمرحلةٍ جديدة في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية من أجل التحول نحو الديمقراطية،ولكنها بكل أسف على حد تعبير عبيدات إنتهت " بالتحول عن الديمقراطية".

وجاء بعدها ميثاق الأجندة الوطنية التي أيضا تطّلع لها الكُثر كخطوة نحو الإصلاح حينها لكن توصياتها لم تتم كما يُراد ،وكذلك حال معظم المبادرات الوطنية المتعلقة بالإصلاح السياسي !وأكدّ دولته كذلك على معاناتنا منذ أكثر من عقدين من أزمة سياسية اقتصادية شاملة أكلت الأخضر واليابس تعود لعدة عوامل رئيسية كان قد ذكرها في معرض كلمته بالتفصيل .

كان من النقاط المهمة التي ذكرها دولته - وهو مدير دائرة المخابرات الأسبق - بأن بوابة الإصلاح الديمقراطي وحجر الأساس للتغيير هو ضبط إيقاع مؤسسات الدولة المختلفة وتصويب العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية ،حيث تم بكل أسف عبر عقود استخدام السلطة التنفيذية لحرمان المواطنين من حقوقهم الأساسية وتم بواسطتها بكل أسف تمزيق النسيج الوطني ،وكان من أهم الأمور التي ذكرها بأنه لابد من إصلاح المؤسسة الأمنية بالكامل ، حيث أصبح واضحا أنها تتمتع بسلطة واسعة ونفوذ استثنائي تُمارسه على الحكومة والنواب والأعيان والقضاء ! ولا بد من  إصلاح هذه المؤسسة بحيث تتمكن السلطة القضائية والتشريعية من ممارسة دورها دون أي تدخل منها ، وبما يلزم التزامها الكامل لضمان عدم انتهاك حقوق الانسان ،لأن وظيفة المؤسسات الأمنية بالدرجة الأولى هو حفظ الشرعية السياسية وليس التدخل بها .

تقاطع واتفق الدكتور مروان المعشر في كلمته مع ما ذكره أحمد عبيدات ، حيث أكد بأن الناس قد ملّت ويئست من تجارب اللجان المختلفة ،ولكن لا مجال لدينا سوى المحاولة والصبر والانتظار، وبأن اللجنة الأخيرة التي تم تشكيلها لتحديث قوانين الإصلاح السياسي لا تتحدث عن إصلاح شامل كما هو الأمل حيث تم تحديد مهامها في ثلاثة مجالات رئيسة فقط ، لكنها خطوة على الطريق ،وأكد على ضرورة الاسترشاد بالاوراق النقاشية للملك في عملية الاصلاح ذلك أنها صدرت من رأس الدولة ، لكنه عاد وأكد بأنه بات من الضرورى إعادة تعريف الدورالأمني ، والفصل الكامل بين الأمني والسياسي لأن الأمني بات يتدخل في السياسي بشكل كامل ، وتساءل كذلك عن الدور الأمني المطلوب وما هي حدوده؟ حيث بكل أسف لم يعد هنلك حدود واضحة للدور الأمني وتدخلاته ، فجميع اللجان وجميع الجهود المتعلقة بالاصلاح كانت تصطدم دائما "بالحائط الأمني" الذي كان وما زال يسوق دائما حُججا مختلفة لتدخلاته ، وأكد على أن جميع الخطط واللجان والجهود ونتائجها لامعنى لها إطلاقا اذا بقيت التدخلات الأمنية كما هي الآن.

أكد كذلك مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية د. زيد عيادات ، واستنادا الى استطلاعات الرأي التي يعقدها المركز بأن غالبية الأردنيين مع الاصلاح السياسي التدريجي، لكن هنالك تراجعا مستمرا ومضطردا للثقة بين الدولة ومؤسساتها ، وكذلك باتت الثقة المجتمعية مفقودة في هذه المؤسسات وأفراد المجتمع بشكل عام  فأصبح لدينا شرخا عاموديا وأفقيا داخل المجتمع بكل أسف ، وبحسب الاستطلاعات فأن حوالي ثلث الاردنيين يعتقدون أن الدولة غير جادة في الإصلاح و محاربة الفساد! وأن غالبية الاردنيين يعتقدون أن حرية الرأي غير مصونة وغير مضمونة ،وبأن هنالك غيابا للعدل والإنصاف في معظم القضايا التي يواجهها المواطن في حياته اليومية، ويتم التصنيف والتمييز بين فئات المجتمع المختلفة ،وبكل أسف فإن تصنيف الأردن في المعايير الدولية إنخفض إلى تصنيفها على أنها دولة ( غير حرة) و( دولة سلطوية)، وأكد في نهاية حديثه بأن الاصلاح لا يمكن أن يتم إلا إذا كان هنالك قاعدة متماسكة تمتلك مشروعا للتغيير قادرة على فرضه على السلطة في عملية  سياسية يربح فيها الجميع .

ذكرتُ في مداخلتي بأننا على ما يبدو وحتى تنجح منظومة الإصلاح وحتى تتحقق نتائج اللجان المختلفة بحاجة إلى أن نرفع شعار رئيسي عنوانه ( الإصلاح الأمني أولا) حيثُ ذكرتُ  في حديثي بأننا لابد أن نسأل سؤالا مركزيا هاما : من هي هذه الجهة أو الجهات  صاحبة النفوذ القوي التي استطاعت أن تُعطل الإصلاح طوال هذه السنوات ؟ وماهي الصلاحيات والنفوذ والقدرة التي تمتلكها هذه الجهة ؟حيث استطاعت بلا منازع أن تمرر ما تشاء من قوانين وأن تُعطل ما تشاء ، وأن تضع في الادراج ما شاءت من مواثيق ومقررات لجان وغير ذلك ؟ ما الذي يدفع مدير مخابرات سابق ورئيس وزراء سابق ووزير خارجية سابق وبعض الوزراء والنواب أن يتفقوا على نفس الفكرة الرئيسية المتعلقة بنفوذ المؤسسة الأمنية المُتمثل بقدرتها على إعاقة الاصلاح ؟ والخشية من تكرار فعلتها مع أي لجنة أخرى .

أشرتُ كذلك بأننا دائما نطلب من  الملك أن يكون ضامنا لتنفيذ مخرجات لجان الإصلاح حتى تتحقق بنوده وهو الأمر الذي نتوخاه في مقررات هذه اللجنة الجديدة ،ولكن على ما يبدو يجب علينا أن نطالب بضمانة أخرى من المؤسسة الأمنية لتحقيق نتائج هذه اللجنة ، وذلك بأن تقف على الحياد وأن لا تتدخل في الشأن السياسي كما كانت تفعل دائما وأن تجعل وتسمح لعجلة الاصلاح أن تدور دون أية ذرائع ٌ قد أوردتنا المهالك .  

أعتقد بأن لجنة تحديث منظومة الاصلاح الأخيرة هي آخر طوق نجاة لنا في هذا الإقليم الملتهب ونحن بانتظار توصياتها لكي تُطبق ،ولا يخفى علينا جميعا في خلفية المشاهد - الذي يستدعي الوقوف والدراسة-  ذلك اليأس والإحباط والملل الذي أصاب الناس ،إستطاع فيه أحد النواب أن يهز كيان المجتمع بأسره لبضعة أيام بعد أن لاقى خطابه الأولي - بكل أسف - بعض القبول في نفوس العديد من الناس المتعطشة لاسترداد مقدراتها ومحاربة الفاسدين وملاحقتهم، واستطاعت بعض العبارات البسيطة أن تأسر أذهان الناس وتسلب عقولهم وحكمتهم وأن تُحرك أفرادا وقبائل من شمال الاردن الى جنوبها  نحو الوسط !

ختاما نتأمل من  المؤسسة الأمنية بقيادتها الجديدة -التي على ما يبدو تمتلك مقومات قيادية مختلفة- أن تُفكر بشكل استراتيجي لمصلحة الوطن وليس لصالح أية حسابات أخرى ودون التذرعِ بأية ذريعة أمنية أو إقليمية أو دولية أو محلية ،فلقد سئمنا كل تلك المخاوف التي من أجلها تم تعطيل ووقف تطور الحياة السياسية والاقتصادية وتم من خلالها تجريف الحياة السياسية والحزبية ( بالبلدوزر الأمني قوي الصنع والـتأثير) وعليها أن تتخذ قراراً حازماً وواضحاً واستراتيجياً بالوقوف على الحياد وعدم عرقلة أو وقف عجلة الإصلاح هذه المرة ، فلقد  خسرنا كثيرا يا قوم وتعبنا كثيرا ولم يبق لنا المزيد من الوقت ،ولعل المعادلة تتغير هذه المرة بحيث يربح فيها الجميع ونعبر الى المئوية الثانية ولدينا بعض الأمل.  

 

 

الأكثر قراءة
00:00:00