شغل منصب الأمين العام للاتحاد العربي للأسمدة من 2020 إلى 2022
أزمة المياه والطاقة بين الأردن وسوريا: واقع معقد واتفاقيات على المحك

في هذا المقال، نستعرض أبرز ما جاء في اللقاء الذي أجرته قناة المملكة مع الدكتور دريد محاسنة، رئيس جمعية إدامة للطاقة والمياه والبيئة، إلى جانب المتحدث الإعلامي باسم وزارة المياه والري عمر سلامة، حول الاتفاق الأردني السوري الأخير بشأن حوض نهر اليرموك وسد الوحدة.
يعد هذا المقال تلخيصا شاملا لأبرز النقاط التي وردت خلال اللقاء، ويتناول التحديات الفنية والسياسية المرتبطة بإدارة الموارد المائية المشتركة بين البلدين، بالإضافة إلى آفاق التعاون في قطاع الطاقة.
خلفية الاتفاق الأردني السوري: مياه على المحك
في خطوة وصفت بالمفصلية، أعلنت الأردن وسوريا عن تعديل مذكرة التفاهم التي تخص الاتفاق الأردني السوري المتعلق بسد الوحدة وحوض اليرموك، في سياق نقاش أوسع شمل اتفاقية المياه الموقعة بين البلدين عام 1987. هذه الاتفاقية التي وضعت إطارا لتقاسم الموارد المائية بين الدولتين، تنص على إقامة سد في منطقة المقارن بطاقة تخزينية تصل إلى 300 مليون متر مكعب، ترافقه منشأة لتوليد الطاقة الكهربائية.
بحسب المادة الثانية من الاتفاقية، يتولى الأردن تصميم سد الوحدة وإنشائه، في حين تحتفظ سوريا بحق التصرف بمياه الينابيع التي تتفجر من أراضيها، بينما يحصل الأردن على المياه الخارجة من الخزان لاستخدامها في توليد الكهرباء. وتوزع الطاقة الكهربائية بنسبة 75% لسوريا و25% للأردن. كما ألغت المادة 15 الاتفاقية السابقة لعام 1953 والتي كانت تنص على بناء سد على مجرى نهر اليرموك.
أزمة متراكمة وتجاوزات متكررة
أوضح الدكتور دريد محاسنة أن نهر اليرموك يعد حوضا مائيا مشتركا، ومعظم ينابيعه تنبع من الأراضي السورية. إلا أن العلاقات المائية بين البلدين لطالما شابها التوتر، خصوصا مع وجود تجاوزات واضحة من الجانب السوري، سواء ببناء عدد أكبر من السدود من المتفق عليه أو التوسع في حفر الآبار المخالفة، لا سيما في الجنوب السوري.
وأكد محاسنة أن سوريا تجاوزت الحد المسموح به من عدد السدود وهو 27 سدا بحسب الاتفاق، موضحا أن تلك التجاوزات تعود إلى فترة سيطرة المتنفذين في النظام السوري السابق، حيث كان من السهل على أي ضابط أو مسؤول الحصول على رخصة حفر بئر أو إنشاء سد، مما أدى إلى استنزاف الموارد المائية وتحويل الزراعة إلى نظام ري كثيف.
أزمة سد الوحدة وتراجع الحصص المائية
أشار محاسنة إلى أن سد الوحدة، الذي كان يفترض أن يستقبل 300 مليون متر مكعب من المياه، لم يتجاوز في السنوات الأخيرة حاجز الـ30 مليون متر مكعب. واصفا هذا الانخفاض الكبير بأنه ناتج عن عدم التزام الجانب السوري بالاتفاق، إضافة إلى الجفاف وتغير المناخ الذي زاد من تعقيد الوضع.
وأبرز محاسنة التحدي السياسي المرتبط بالتعاون المائي، مؤكدا أن سوريا كثيرا ما كانت تتعاون فقط تحت ضغط سياسي، وفي أغلب الأحيان كانت تتجاهل الحقوق الأردنية، مما جعل العلاقة في هذا الجانب دبلوماسية بحتة أكثر من كونها تقنية أو مهنية.
تغير المناخ وتأثيراته العميقة
طرح اللقاء تساؤلات جوهرية حول تغير المناخ وتأثيره على الأمن المائي في الأردن، الذي يعد الآن أفقر دولة مائيا في العالم. أشار الدكتور محاسنة إلى أن الاعتماد على الأمطار لم يعد كافيا، وأن الموسم المطري المقبل غير مضمون، مما يعكس هشاشة الوضع المائي وضرورة اتخاذ إجراءات وقائية عاجلة.
تدخل "إسرائيل": خطر يتصاعد
لفت الدكتور محاسنة إلى أن "إسرائيل" باتت قريبة جدا من سد الوحدة، ما يشكل تهديدا مباشرا لحقوق الأردن المائية. وأكد أن أي إخفاق في التعاون الأردني السوري سيدفع الأردن إلى زيادة شراء المياه من "إسرائيل"، وهو ما يجعل من الاتفاق الأردني السوري ضرورة استراتيجية.
وأوضح أن "إسرائيل" حاليا تتحكم بالفعل بجزء كبير من المياه، وأن أي تصعيد أو فشل في الاتفاق سيعني استمرار الأردن في الاعتماد على الشراء من "إسرائيل"، مع ما يحمله ذلك من مخاطر سياسية وأمنية.
الطاقات البديلة: محور جديد للتعاون
في ظل الوضع المعقد، برز ملف الطاقة كجزء من التعاون بين الأردن وسوريا. إذ تم الإعلان عن دراسة لرفع قدرة خط الربط الكهربائي الأردني السوري إلى 300 ميغاواط، إلى جانب بحث إمكانية تزويد سوريا بالغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء.
وأشار محاسنة إلى أن الأردن يمتلك خبرات واسعة في مجال الطاقة المتجددة، خاصة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ولديه القدرة الفنية على نقل هذه الخبرات إلى سوريا، مشيرا إلى وجود شركات أردنية بدأت بالفعل بالمساهمة في مشاريع كهربائية داخل سوريا.
كما أشار إلى أهمية دعم الربط الكهربائي مع سوريا، بما في ذلك وصول التيار إلى العاصمة دمشق، مؤكدا أن ذلك يتطلب استثمارات كبيرة لكن يمكن تنفيذه على مراحل بدعم دولي، مثل منحة وقرض البنك الدولي لسوريا.
اقرأ المزيد.. تفاهمات مع الجانب السوري بدعم قطري ومصري لتعزيز التعاون في قطاعي المياه والطاقة
الدور الأردني في إعادة الإعمار
طرح اللقاء أيضا إمكانية مساهمة الأردن في إعادة إعمار قطاع الطاقة السوري، من خلال تصدير المعرفة، والمعدات، والتكنولوجيا المستخدمة في الطاقة المتجددة، مثل الألواح الشمسية ومولدات الرياح.
وأكد الدكتور أن الأردن يمكنه أن يكون شريكا استراتيجيا لسوريا في هذا الجانب، ليس فقط لتلبية احتياجات الطاقة، بل أيضا لتقليل الاعتماد على الوقود التقليدي ودعم جهود مواجهة التغير المناخي.
استنزاف المياه في الزراعة: معضلة داخلية
ناقش الدكتور محاسنة بوضوح التحديات الداخلية في الأردن، خاصة فيما يتعلق باستخدام المياه في الزراعة. وأوضح أن ما بين 55% إلى 60% من المياه تذهب للقطاع الزراعي، مع مردود اقتصادي لا يتجاوز 4.5%.
وأكد على ضرورة إعادة النظر في السياسة الزراعية، مطالبا بربط تكلفة المياه بنوع المحاصيل المزروعة، بحيث يتم تشجيع الزراعة المرشدة وتحجيم الزراعات ذات الاستهلاك العالي للمياه، مثل الموز والبطيخ، والتي لا تعود بفائدة اقتصادية تذكر.
كما أشار إلى حجم الفاقد المائي في شبكات التوزيع والذي يتجاوز أحيانا 50% في بعض المحافظات، داعيا إلى تحديث الشبكات وتغليظ العقوبات على سارقي المياه، لأن سرقة المياه تمثل سرقة لحق الحياة نفسه، على حد تعبيره.
الخصخصة والتحلية: خيارات يجب تبنيها
طالب محاسنة بفتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في مشاريع تحلية المياه، خاصة مع وجود تجربة ناجحة في العقبة، حيث يتم تزويد المدينة بالمياه من خلال شركة خاصة. كما دعا إلى تحويل مشروع الناقل الوطني إلى شركة مساهمة عامة يشارك فيها المواطنون، الضمان الاجتماعي، والبنوك، مما يخلق تمويلا مستداما ويشجع على الشفافية.
خطوة إيجابية تحتاج إلى خطوات تكميلية
اختتم اللقاء بتأكيد من الدكتور محاسنة والمتحدث باسم وزارة المياه عمر سلامة على أن الاتفاق الأردني السوري الأخير يمثل خطوة أولى إيجابية نحو تصحيح مسار التعاون المائي بين البلدين. لكن تحقيق نتائج ملموسة يتطلب جهدا فنيا ودبلوماسيا مستمرا، وجدية في تطبيق الاتفاقيات.
كما تم التأكيد على أهمية التنسيق في قضايا الطاقة والمياه ضمن منظور استراتيجي بعيد المدى، يأخذ في الاعتبار التغيرات المناخية، والمتغيرات السياسية، واحتياجات السكان المتزايدة.