الروابدة والإصلاح والعلاقات الأردنية الفلسطينية

الصورة
آخر تحديث

شاركتُ مع مجموعة من السياسيين والباحثين والمهتمين  قبل يومين في ندوة عقدها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، تحدث فيها رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة وكانت بعنوان "الأردن وفلسطين :العيش المشترك" و أكد الروابدة على رغبته بجعل العنوان يقول : التاريخ المُعاش وليس العيش المشترك ، لأن العيش المشترك يكون بين مُكونين مُختلفين لا يوجد بينهما غالبا قواسم مشتركة ،أما التاريخ الذي نتحدث عنه فهو شراكةُ عُمر وشراكةُ مصير، لكنه في ذات الوقت حديثٌ في المُحرمات نكادُ بالسكوت عنه نرتكبُ إثما كبيرا، وقد أشار في بداية حديثه إلى أنه لا بد أن نتصارح بمنتهى الوضوح عند الخوض في هذه القضية ، فأشار إلى تعريفه ابتداءً لكلمة الأردني ،والتي تعني بلا شك كل من يتمتع حاليا بالجنسية الأردنية دون النظر في عرقه أو أصله أو دينه .

عرّج الروابدة في سردية جميلة ورشيقة على تاريخ الأردن منذ النشأة، حيث لم يكن من أهداف الأردن قبل تأسيسه أن يقيم دولة في الأردن لذلك بقي يسمي حكوماته حكومات "الشرق العربي" حتى عام 1926، ولم تقم حينها هُوية وطنية أردنية بالمعنى الحالي لأن الهوية المطلوبة حينها كانت هوية عربية بالدرجة الأولى ، لذلك لا يمكن للأردني أن يكون إقليميا بسبب انتمائه وعُمقه العربي ، ومن أجل ذلك  نشاهد  أحيانا في الأردن بأن الشهيد في الشيشان والعزاءُ في منطقة صويلح ،ولفت الانتباه إلى أن منح الجنسية للفلسطينيين لم يتم بموجب قرار الوحدة بين الضفتين  بل صدر قانون ملحق لقانون الجنسية الذي تم النص فيه " على أن جميع المقيمين في شرق الأردن أو التي تديرها الحكومة ممن يحملون الجنسية الفلسطينية يعتبرون من الحائزين على الجنسية الأردنية "  علما بأن قرار الوحدة - بحسب الروابدة - كان قرارا مؤقتا وليس قراراً أبديا ، ولم تعترف حينها معظم الدول العربية بالوحدة بين الضفتين وكاد الأردن أن يُطرد من الجامعة العربية لولا رفض بعض الدول لذلك .

أشار في حديثه إلى معركة الكرامة التي أكد فيها أنها كانت معركة جيوش ودروع ودبابات ، ولم تكن معركة أفراد بالدرجة الأولى، وقد سُرق فيها بكل أسف جُهد الجيش الأردني بطريقة غير مناسبة ، وتم الإعلان حينها على أن الانتصار كان  جُهد العمل الفدائي وحده! ثم تناول سريعا أحداث أيلول الأسود المؤسفة التي فقدت فيها الحكومة السيطرة على معظم أنحاء البلاد ، وتعرضت حينها الدولة الأردنية لخطر وجودي وذكر نصاً استخدم فيه محمد داوود (أبو داوود) "تعبيراً لئيماً " -كما أشار الروابدة- في كتابه "فلسطين من القدس إلى ميونخ"حيث قال داوود في الكتاب "... تكاثرت مراكز المنظمات الفلسطينية  وبدأت أعدادا متزايدة من مواطنينا (وهي الكلمة التي استفزت الروابدة) تتجول بالبزة العسكرية في شوارع عمان ومعهم بعض زعران الأحياء..." ولا أذُيع سراً –بحسب الروابدة- إذا أخبرتكم أن الملك الحسين رحمه الله تفاجأ بعد سنوات من أحداث أيلول أن السفير الأمريكي كان يتواصل مع القيادات الفلسطينية في عمان ويقوم بالتنسيق معها  ! وهو الأمر الذي ناقشه الحسين في أمريكا وكانت الإجابة الخطيرة من سياسي مشهور هناك "لقد كُنت حينها حصاناً خاسراً أيها الملك بالنسبة لنا لا نستطيع الرهان عليه " !

تحدث عن  مؤتمر الرباط واتخاذ الجامعة العربية قرارا بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والذي جاء بعده قرار فك الارتباط الذي أيدته المنظمة ، وأكد أنه لم  يصدرعن أي فصيل فلسطيني أي إعتراض عليه ، ولم يصدرحينها أي موقف داخلي لرفضه بشكل واضح ، وقال عنه السياسي الفلسطيني البارز " أبو إياد" بأنها كانت خطوة شجاعة ودفعت الأمور إلى منحى جديد ، لكن بالرغم من قرار فك الارتباط إلا أن الأردن لم يتخلى عن موقفه المبدئي من القضية الفلسطينية، ولكن ماذا نفعل إذا كان "صاحبُ الأرض" قال لي إرفع يديك عن القضية ،فماذا بقي لدينا من أوراق قوة حينها ! وتساءل عن طرح البعض لفكرة دسترة فك الارتباط والإصرار على هذه الفكرة ، وقال إن هذه هي طبيعة الأشياء فجميع الدول التي تنفصل لا تنفصل بموجب الدستور، ولكن تنفصل إما لأسباب موضوعية سياسية أو تفاعلات مجتمعية كما هو الحال في بعض الأمثلة التاريخية لانفصال الدول  .

أكد على أن الوحدة الأردنية الفلسطينية هي قدرٌ ومصير،أما تحقُقها سياسيا فيجب أن يمر بمراحلها ومُعطياتها عند قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وبارادة الشعبين واستفتائهما بكل تأكيد ، وهذه الوحدة لن تقوم على أساس المحاصصة –كما يريد البعض- أو تحت شعار الحقوق المنقوصة كما يحلو للبعض أن "يتكسب منها " بادعاء الدفاع عن الوطن تحت هذا الشعار، فجميعنا شركاء في الهوية النضالية ولايوجد حقوق منقوصة أو محاصصة فنحن شركاء في الوطن والمواطنة.

تساءل الروابدة في بعض حديثه ودعا الدارسين إلى دراسة الظاهرة المتمثلة بضعف الإقبال على صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية في عمان - وهي أماكن تواجد الاردنيين من أصول فلسطينية بكثافة- لدراسة  نسب الاقبال المتدنية أثناء الانتخابات ! بينما نلاحظ في عمان أن الاقبال على صناديق الاقتراع عند انتخابات غرفة الصناعة والتجارة تتجاوز (97%) ،لماذا يتحرك هؤلاء عند هذه الانتخابات ولا يتحركون عند الانتخابات النيابية لتحصيل المزيد من المقاعد !

استفز الروابدة سؤالا تحدث عن إسقاط الاردن لمفردة المقاومة من قاموسه السياسي ، وهل كانت أيلول حربا أهلية بين مُكونين مجتمعيين أم صراعا بين السلطة والخارجين على السلطة؟ لماذا دخلنا "بوحدة" وخرجنا "بفك إرتباط" ؟ لماذا يتم تقديم الدور الاردني بطريقة مشوشة دائما ، فأجاب الروابدة بنبرة مختلفة إعتذر عنها ، بأن ما تقوله هو حقيقة "الجُرح الاردني" فلا تتحدثوا عن نقاط الضعف بهذه الطريقة وتكتفون بها ، بل تحدثوا عن الشر وعن الخير ، وبكل أسف – كما أكد الروابدة- هنالك نخب إقليمية الهوى يؤذون الاردن بكلامهم واتهاماتهم ،وإذا تحدث بعضنا وقال أنا أردني فيُتهم بأنه "إقليمي" ،أما إذا قال أنا فلسطيني فهذا حينها " مُناضل" ، الأردني له حق في فلسطين تماما كما للفلسطيني حق فيها .

تحدث  أثناء انفعاله بأنه " فتحاوي" قبل أن يولد البعض ممن هم هنا، وهو من أصدر مجلة فلسطين في لبنان ، وأن اسمه الحركي " أبو عصام" في حركة فتح قبل أن يتزوج ،واستغرب قائلا: لماذا جميع الذين تنازلوا عن أرض فلسطين أصبحوا أبطالا وقادة في نظر شعبهم، وجميع الذين وقعوا أوسلوا وغيرها من المعاهدات أصبحوا أبطالا ! وفي نفس الوقت يُتهم الذي وقع وادي عربة بأنه خائن ! لماذا أنا دائما مُتهم ؟ يجب عدم تحميلي كأردني وزر الدولة ، فأنا مثلك مناضل قومي إسلامي وطني أحب فلسطين،علينا  أن نقفز فوق الأخطاء وأن لا نبحث عن الشقاق والنزاع وأن ننظر للمستقبل بعين متفائلة ، نحن نحب فلسطين لكن في ذات الوقت نبني الاردن، فاتهام الاردن جريمة و لا تحولونا للدفاع عن الدولة ، فهنالك حسابات للدولة تختلف عن الحسابات والاعتبارات الشخصية ، وأنا هنا أتحدث كرجل سياسي لا كمدافع عن الدولة .

كعادته لابد أن يكون للطُرفة السياسية مكانًا في حديثه ، حيث قال مُتهكما بأننا عادة نجد عند بعض الناس شخصيتين مختلفتين أو ما يسمى ( شوزفرينيا) ،إلا الأردني فله ثلاث شخصيات ( تريزوفرينيا) كما أسماها ، فاذا اجتمع "الشرق أردنيين" وحدهم تبرز الشخصية الأولى التي تقول : هؤلاء "الفلسطينيون" جاؤوا الينا وإلى ديارنا ، وأكلوا اقتصادنا ،وحولونا إلى حُراس على أموالهم وأكلوا البلد ، وإذا اجتمع "الغرب اردنيين"  وحدهم ظهرت الشخصية الثانية وأخذوا يتحدثون بينهم : بأن هؤلاء رعيان وحرّاثين ،جئناهم وعلّمناهم وها نحن ندفع رواتبهم من ضرائبنا ،أما إذا جمعت الطرفين مع بعضهم  تبرز حينها الشخصية الثالثة (الشخصية الكذّابة) كما أسماها ،ويبدأ الحديث نحن مجتمع "المهاجرين والانصار" ونحن أقوى مع بعضنا ، لكن إذا أردنا بناء مجتمع المهاجرين والانصار فلنبنه سويا ولنصنعه معا دون إتهامات ،وأن ننفتح على بعضنا بعضا بحُب وأن نتجاوز الخلافات والماضي غير الجيد.  

 ليس بعيدًا عن المشهد ذلك التقريرالاستراتيجي "الأول"  الذي أطلقه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية قبل حوالي الشهر والذي أكد فيه عند حديثه عن الهوية والإصلاح السياسي في الاردن " بأن من الصعب إجراء إصلاح سياسي حقيقي في الاردن إذا لم يحصل فيه الفلسطينيون على حقهم في هوية "مصونة" ،ما زالت الهويتان الاردنية والفلسطينية في حالة تطور ونمو ومعرضتان لتهديد التهميش ،ولا يمكن التعامل مع مسألة الهوية الأردنية بشكل حقيقي وفعال خارج سياق تكونُ فيه الهويات الاردنية والفلسطينية مصونة ومحفوظة " .

هل يوجد هنالك مفاجآت لا نعلمها ولا ندركها بعد في ملف الاصلاح السياسي في الاردن ؟ وهل يوجد هنالك مفاجأة "استراتيجية" ستُفخخ عمل اللجنة الملكية – كما ذكرت صحيفة القدس قبل يومين- وبأن الاصلاح السياسي الأردني غير ممكن قبل "هوية مصونة" للفلسطينيين ، هل مخاوف وهواجس الهويات سيُعرقل مسيرة الإصلاح والتعديلات المرتقبة في قانون الانتخاب؟ هل نحن بحاجة الى حل هذه المسألة الخلافية قبل الخوض في التعديلات الدستورية المتعلقة بقانون الانتخاب وقوانين اللامركزية والشباب والمرأة كما يطمح كتاب التكليف الملكي الذي تم توجيهه الى العين سمير الرفاعي قبل أسابيع ؟ أم أن لذلك جولة سياسية مختلفة مؤجلة إلى مرحلة الاصلاح السياسي الشامل ؟هذا ما ستجيب عنه الأيام . 

 

شخصيات ذكرت في هذا المقال
الأكثر قراءة
00:00:00