السياح الإيرانيون في الأردن  

الصورة
المصدر

من الخطأ أن نُناقش قضية سياحة الإيرانيين في الأردن من منطلق طائفي أو مذهبي، وليس من الحكمة كذلك أن تناقش فقط من زاوية السياحة ، نحن في هذه القضية لا نناقش الفكر الشيعي ولا نناقش الاتفاق مع الشيعة أو الاختلاف معهم، ولا منطلقات المذهب الشيعي المُبكرة، غير أن ما يجب أن نعرفه أن مصطلح الشيعة قد أطلق على من شايع وناصر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم تبلور المصطلح وتخصص عندما تطورت نظرية "النص والوصية"، أي النص بأن الإمام بعد النبي عليه الصلاة والسلام هو علي بن أبي طالب،والوصية من الرسول لعلي كذلك بالإمامة وفي ذريته من بعده ،وأصبح الاعتقاد "بالنص والوصية" أمران مهمان لكي يصبح المرء شيعيا، وأمران أساسيان في العقيدة الشيعية، وانقسمت الشيعة بعدها إلى ثلاثة تيارات رئيسة وهي الاثنا عشرية والزيدية والاسماعيلية ،وكانت بؤرة الخلاف الجذري بين السُنة والشيعة، هو الاختلاف السياسي والنزاع على السلطة والدولة في المقام الأول، ولم يكن الخلاف الفقهي هو أصل الانقسام بينهما.

هل نقاشُ هذه المسألة الشائكة هو مجرد رأي حول السياحة وأثرها على الاقتصاد الوطني وحاجة الاردن الماسة هذه الأيام إلى كل الجهود من أجل تنشيط السياحة ورفد الخزينة بالمزيد من الأموال لتحريك عجلة الاقتصاد والاستفادة المالية المتوقعة لسكان المناطق الذين يعيشون بالقرب من المزارات الدينية ؟

أم يجب أن نعرف وندرك البيئة الاستراتيجية للأردن وأن نُقدر الظرف السياسي الحالي ثم نقوم على أساسه بنقاش الفكرة؟

غير بعيد عنا في هذا السياق والتحليل دولتا سوريا والعراق فهما نموذجان مهمان للسياحة الدينية الايرانية ،لكن الذي حصل في هذين البلدين بكل أسف أن السياحة بالنسبة لإيران فيهما كانت عبارة عن تعبئة دينية بشكل سلبي وتمددا بأدوات غير سياسية، وهي من أدوات التمدد الذكية الاستراتيجية التي تستخدمها إيران بالاضافة إلى الميليشيات وزراعتها داخل الدول  .

لابأس أن ندرك أن الشيعة يجعلون المزارات أعظم من بقية الرموز الدينية الأخرى،ويتم ربطها بشبكة من المصالح المعقدة تبدأ تحت عنوان السياحة وتنتهي بحقوق أقليات أو حقوق شرائح دينية، ومن ثم يصبح البحث عن الامتيازات والمطالبة بها خطوة ثانية من خطوات التمدد ، وإذا بحثنا عن جذور السياحة الايرانية في مقام السيدة زينب حفيدة الرسول من ابنته فاطمة رضي الله عنهم جميعا في أطراف العاصمة السورية دمشق ، وكيف قامت إيران في عام 2005 ،أي قبل الثورة بسنوات طويلة ، بشراء معظم محيط المنطقة ثم تحولت المنطقة بأكملها هناك إلى حق ديني لشيعة العالم لا رأي لأهل وسكان المنطقة فيه !

أصبح مقام السيدة زينب بعد عام 2011 بكل أسف مكانا لإدارة عمليات ميليشيات مدعومة من إيران كانت قد تدفقت إلى سوريا لمساندة قوات النظام السوري في قمع الثورة السورية ، لتكتسب بعد ذلك بُعدًا عسكريًا، ومنطلقًا لحشد كل من هو مؤمن بفكرة المؤامرة التي يتبناها النظام في الرد على ما يحدث في سوريا، و تحولت كذلك إلى مكان لعقد الاجتماعات السياسية بالنسبة للمسؤولين الإيرانين، حيث زارها كبار مسؤولي طهران، وقد أقيم لقاسم سليماني عزاء كبير في تلك المنطقة بعد مقتله على يد القوات الامريكية، وكان المقام في صلب حملة تجنيد المقاتلين الشيعة من لبنان والعراق للقتال في سوريا، حيث ترفع الميليشيات المدافعة عن المقام شعار "لن تُسبى زينب مرتين" في إشارة إلى سبيها بعد واقعة كربلاء.

لابد لصاحب القرار في الاردن أن يدرس النموذج السوري والعراقي لهذه السياحة ، وأن لا يكون الحديث والتفكير مُنصبا فقط على الناحية السياحية فقط والحاجة لها فالموضوع أعمق من ذلك وأدق  ، بل لا بد من أن يُناقش الموضوع كوحدة واحدة وليس كأجزاء متناثرة ،وأرى أن التعامل غير المشروط مع إيران غير جيد وغير مقبول لأنها دولة مذهبية ودولة توسعية وموجودة في الجوارالمُلاصق لنا ولها فعل سلبي في دول عربية عديدة لا يمكن أن نتجاهله وهي دولة ذكية سياسيا تحتاج إلى أن يُتعامل معها ببصيرة وحكمة و ذكاء، وهنالك بكل أسف "هوس" تاريخي عند الدولة الإيرانية بالحروب المذهبية لا يمكن إغفاله عند دراسة القضية.

وعلى هامش المسألة فليس صحيحا ما ذكره أحد السياسيين في الأردن قبل أيام بنسبة الشيخ المُحقق "علي الكركي" لمنطقة الكرك في الأردن! بل هو ينتسب الى قرية "كرك نوح " في بقاع لبنان، وقد بث تلفزيون المنار تحقيقا سابقا نسب فيه خامنئي من جهة أمه إلى هذا المحقق الكركي وإلى كرك نوح وهي القرية التي يُنسب إليها المركز الشيعي العلمي ، وليس للأردن علاقة بالأمر من قريب أو بعيد، وقد كانت كتب التاريخ تُميز بين هذه الكرك وكرك الاردن بجعل الحرف الأول يُقرأ بالكسر وليس بالفتح، وقد كانت بلدة "كرك نوح"معقلاً للشيعة منذ الفتح الإسلامي بسبب وجود بعض القبائل الموالية للإمام علي مع الجيوش التي فتحت بلاد الشام ودخلت البقاع أمثال الهمدانين وخزاعة التي تفرّع منها الحرافشة حكّام البقاع لفترة تاريخية طويلة.

نحن نرفض الخطاب المذهبي والطائفي ونرفض كذلك الأدوات المذهبية والطائفية التي تستخدم لأهداف استراتيجية، وأنا من المؤمنين بفكرة التقارب بين المذاهب الإسلامية المختلفة والاتفاق على قواسم مشتركة فيما بينها، ولكن لا بد أن نحتاط أمنيا وسياسيا عند نقاش هذه المسألة والسماح بها، برغم حاجتنا الماسة في الأردن إلى كل دينار يدخل الخزينة وحاجتنا الماسة إلى تنشيط السياحة، فلا بد من شروط واضحة وضوابط معقولة يتم فرضها من قبل الدولة الأردنية على هذه السياحة تجنبا لأي مشاكل قد تحدث في المستقبل، مستفيدين من قصص الدول المجاورة والظلال التاريخية لفكرة التمدد بأدوات غير سياسية، فهذا البلد يكاد يكون البلد الوحيد المستقر في المنظومة العربية المستهدفة ويجب أن نحافظ على استقراره بتعزيز الأمن المجتمعي والوعي المجتمعي جنبا إلى جنب مع وعي وذكاء الدولة.

غيث هاني القضاة

الأكثر قراءة
00:00:00