قانوني، كاتب
حتى لا يرذل العمل الحزبي في الاردن وتفشل التجربة
بعد أن قدم الأردن جرعة جيدة من الإصلاحات السياسية لصالح العمل الحزبي وبدأت القواعد الشعبية تشعر أن الأحزاب والعمل من خلال الأحزاب تحول من مغرم ونضال إلى مغنم وتحقيق الذات بدأنا نشعر بوجود حالة نشطة للأحزاب وانتشارهم في القرى والبوادي التي كانت مناطق محرمة عليهم أن يدخلوها قبل الإصلاحات السياسية الأخيرة.
للآن أثبتت فكرة الإصلاح السياسي من الأعلى أنها أكثر نجاعة من فكرة الإصلاح السياسي من القواعد، وأن قرارا واحدا من الأعلى استطاع أن يبدل قناعات الناس ومزاجهم، كما استطاع أن يترك أثرا ملموسا وواضحا على الأرض، لتنتقل الكرة إلى ملعب الأحزاب والقواعد الشعبية في حسن تقديم واختيار من يمثلهم ويدير لهم شؤون حياتهم في المستقبل القادم.
سلوكيات حزبية تعطل من نمو العمل الحزبي
في ظل هذا المناخ والتغيرات المبشرة، إلا أن الأحزاب لا زالت تمارس بعض السلوكيات التي من شأنها أن ترذل العمل الحزبي والسياسي. هذا الخطاب وهذه السلوكيات تذكرنا بما مارسته الأحزاب السياسية في بعض الدول العربية بعد الثورات، قبل أن تنفض الشعوب عنها وتنحاز إلى حكم الفرد الواحد بعد أن عجزت هذه الأحزاب عن حل مشاكل الناس التي منحتهم الفرصة والثقة.
وأفرد هنا أهم معالم خطابات وسلوكيات الترذيل السياسي للأحزاب:
- خطاب شعبوي قائم على فكرة بيع الوهم والتماهي مع كل ما هو غير واقعي، والحديث بالعموميات وإثارة غرائز الناس الوطنية والدينية باعتبار أن هناك من يريد اختطاف هويتهم الدينية أو الوطنية والتشكيك والانتقاص من كل شيء، والالتفات عن الحديث بحاجيات الناس الأساسية من مكافحة البطالة ورفع سوية الصحة والتعليم والبنية تحتية كالماء والكهرباء والمواصلات والطرق، فهذه أمور لا تعمل عليها الأحزاب. بالتالي، عليها أن تدرك بأن العمل الحزبي والانتخابات والعمل السياسي هو وسيلة آمنة لتحقيق وتحسين معاش الناس ورفاههم لا هدف بحد ذاته.
- الإغراق في الحديث عن الفساد وتصوير أن البدء بمكافحة الفساد سيكون المفتاح السحري لفتح المغارة المليئة بالذهب والكنوز وهو الحل الذي سوف ينهي كل مشاكل الناس وينقلهم من مراتع الفقر إلى جنات الغنى، ومن مستنقعات الضنك وشظف الحياة إلى قمم الرفاه والحياة الهانئة. وهذا طرح سطحي لا أساس له على أرض الواقع، لا شك أن الفساد يفاقم الاقتصاديات الضعيفة ويعزز فرصها في النمو، لكن بكل تأكيد يبقى بناء إقتصاد انتاجي قوي هو العامل الرئيسي في بناء رفاه الناس وتحسين معاشهم. ثم إن مكافحة الفساد في اقتصاديات ضعيفة ومريضة لن يحل المشكلة، وإن كان يقدم لها العلاج التلطيفي فقط، فالفساد سلوك بشري موجود في كل دول العالم وإن كان بدرجات مختلفة. فمن يبني كل برنامجه وخططه على مكافحة الفساد فقط كمن يطارد خيط دخان ليغزل منه ما يظن أنه يستر عورته.
- إغراق بعض الأحزاب في التشكيك بالعملية الإصلاحية ومحاولة تيئيس الناس منها والاستهزاء والسخرية بكل من يحاول أن يبحث عن الأمل ويبشر به للوصول إلى الدول الناهضة، خطاب التيئيس وبث السلبية في ظل مناخ متوجس ولديه قليل من الثقة قد يجلب الأصوات الساخطة ويحقق المقاعد البرلمانية والمكتسبات السياسية وهذا ما يسمى بـ التصويت العقابي في علم السياسة، لكنه بالتأكيد سلاح قاتل لمن استخدمه وسيرتد على صدره. فعند عجز من يمارس السلبية والسوداوية عن حل مشاكل الناس التي منحته ثقتها، سوف يكتوي هو بنار ما كان ينشره ويشيعه. صحيح أن الشعوب تطرب للخطابات الطوبائية الكمالية وتمنح الفرص لها، لكنها أيضا تمتلك بوصلة ذكية تستطيع أن تحكم على الأشياء من التجارب، فالشعوب تتعلم بالتجربة وترى بعيونها لا بآذانها.
- ما نشهده من استقالات وبيانات انشقاقات داخل الأحزاب الوليدة، وما نرصده من طريقة تصعيد القيادات لهذه الأحزاب و القائم على مبدأ النفوذ المالي والمحاصصة المناطقية واستخدام المرأة والشباب كديكور سياسي غير مؤثر في صنع القرار، وذلك لا يبشر أن تلك الأحزاب تمتلك حتى الآن ما يمكنها من التصدي لحل مشاكل الناس ومتطلبات معاشها. فالخلل في تصعيد قيادات الأحزاب واختلال الميزان يؤشر على أنه سيكون هناك خلل وغياب لتصعيد الكفاءة في إدارة الدولة عندما تصل تلك الأحزاب للسلطة، لذا على الأحزاب أن تنتبه وأن لا تقدم للعمل العام وكل ما يتعلق بالسلطة التشريعية والتنفيذية إلا صاحب كفاءة من بين ابنائها ومن يستطيع أن يرتقي بحياة الناس ومعاشها وأن تحارب سطوة المال والمحاصصة المناطقية في التصعيد السياسي على كل المستويات الداخلية والخارجية.
إفساح المجال أمام الأحزاب للنهوض
المطمئن في كل تلك الحالة وتلك الافرازات المرضية التي نشهدها حاليا هو قرار الإرادة الملكية وتوجيهها أن يكون الإصلاح ونقل السلطة التشريعية والتنفيذية للأحزاب بالتدرج وخلال عقد من الزمان، بلا شك أن هذا التوجه كان خيارا واعيا وحكيما وذلك لإفساح المجال أمام الأحزاب للنضوج بشكل أفضل ولتعيد حالة الفك والتركيب وبناء الذات وتحقيق الرشد والحكمة السياسية وتجاوز مرحلة المراهقة التي تسبق النضوج والانتقال من مرحلة إلى أخرى.
بكل تأكيد أن عقد من الزمان يعد وقتا كافيا للأحزاب لصياغة أفكارها وبرامجها وترتيب بيتها الداخلي قبل انتقال السلطة إليها وبلوغها مرحلة يمكن الوثوق في حينها أن الأحزاب أصبحت قادرة على إدارة شؤون البلاد واستخراج من بينهم أفضل من ينمي الثروات ويجمع الضرائب ويعيد توزيعها بشكل عادل بما يحقق مصالح الناس وحاجاتها الأساسية ورفاهها في المستقبل.