المقاطعة بين رشد الفكرة وسوء التطبيق

الصورة
من مظاهر حملات المقاطعة في الأسواق الأردنية | المصدر: حبر
من مظاهر حملات المقاطعة في الأسواق الأردنية | المصدر: حبر

منذ انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية بدأت تتصاعد فكرة المقاطعة كنوع من أنواع نضال الشعوب العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي وداعميه، هذا النوع من النضال الذي ينتمي إلى مدرسة الزعيم الهندي الراحل غاندي مدرسة "اللاعنف". 

فكرة المقاطعة انتهجتها الشعوب العربية لتكون رديفا لحركات المقاومة في مواجهة المحتل الصهيوني وداعميه، هذه الوسيلة لجأت إليها الشعوب العربية نتيجة لعدم قدرتها على أن تكون جزءا من المعركة النضالية المسلحة في مواجهة المحتل الإسرائيلي. 

المقاطعة هي امتناع عن فعل، وهي حق مشروع لكل إنسان، وهي عمل من أعمال الحريات الشخصية التي لا يمكن إجبار الإنسان على ما لا يريد أو تجريم الامتناع عن القيام بعمل. وقد أثبتت أنها عمل مؤثر وقادرة على أن تلحق ضررا محدودا بالخصوم، كما أنها وسيلة من وسائل الاحتجاج التي تلفت أنظار العالم إلى مظلومية الشعب والقضية الفلسطينية، كما أنها عمل تخرج به الشعوب العربية من دائرة المتفرج إلى دائرة الفاعل ولو بالشيء القليل. 

ما هي الأخطاء التي تقلل من تأثير المقاطعة؟

هناك عدة إخفاقات وكثير من الأخطاء وقعت في المقاطعة، وتحديدا في فهم فكرتها وفي تطبيقاتها، مما جعلها أحيانا عملا نصوب به النار على أنفسنا، فتم تضخيم الاعتقاد بأنها سلاح قادر على أن يحسم المعركة مع العدو، وهذا تفكير غير صحيح؛ فالمقاطعة عامل مساعد وثانوي في إدارة الصراع مع العدو، ولن يكون قادرا على حسم المعركة مع العدو أو حتى أن يؤثر تأثيرا أساسيا في سير المعركة ونتائجها، فالأمة العربية لا تتجاوز 5% من عدد سكان العالم؛ لذلك أسواقها لا تشكل أيضا 5% من الأسواق العالمية، هذا إذا أخذنا بالاعتبار أن كثيرا من الأسواق العربية تعاني الفقر وشح الموارد وقلة ذات اليد للاستهلاك، فلذلك تبقى المقاطعة عملا بسيطا ومؤثرا ثانويا في هذه المعركة. 

كما جرى توسع مبالغ فيه في قوائم السلع التي يدعى لمقاطعتها فأصبحت المقاطعة تشمل كل ما هو أمريكي أو حتى أوروبي، وفي ذلك توسع لا يمكن أن ينجح أو حتى تستطيعه الشعوب، توسع يجعل المقاطعة حالة مؤقتة وفقاعة تتلاشى بسرعة مع الوقت ومتطلبات الواقع. 

وهذا ما يحصل في كل حدث سياسي، تبدأ حملات المقاطعة كبيرة لكن سرعان ما تتلاشى، معظم المنتجات التي تستهلك في الأسواق العربية هي منتجات أمريكية وأوروبية وتتمتع بجودة عالية، مما يجعل مقاطعة كل شيء أمرا متعذرا ومستحيلا، كما يصبح انتقاء مقاطعة بعض المنتجات وعدم مقاطعة بعضها الآخر نوعا من أنواع الضعف في تماسك الفكرة وعدم الواقعية والشعور بالفصام السياسي. 

نحن أمة لا ننتج الغذاء ولا اللباس ولا الدواء وليست لدينا الصناعات التي تتمتع بجودة عالية يمكن أن تنافس جودة البضائع الأجنبية، وهذا الذي يجب أن نسعى إليه لتكون المقاطعة عملا وطنيا وعاملا من عوامل النهوض المحلي، إذ إن كثيرا من أصحاب المنتجات المحلية ذات الجودة المنخفضة يريد أن يستغل الشعور السياسي النبيل لمخادعة الناس ويقدم لهم بضاعة بأقل الجودة وأغلى الأثمان ويضخم ثروته على حساب نضال الشعوب وشعور المقاومة النبيل في نفوسها. 

المقاطعة يجب أن تبقى وسيلة من الوسائل التي يمكن تربية الشعوب العربية عليها وإبقاء الحاجز النفسي بين شعوب الأمة وأعدائها، لكن على أن تكون المقاطعة عملا أكثر رشدا ووعيا. 

اقرأ المزيد.. مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال ضرب لها ورافعة للاقتصاد الوطني

متى تكون المقاطعة أكثر رشدا ووعيا؟

تكون المقاطعة أكثر رشدا ووعيا عندما نقتصرها على كل ما ينتج من دولة الكيان الصهيوني فكل ما هو "إسرائيلي" يجب التحريض على مقاطعته وإبقاء الحاجز النفسي قائما مع هذا العدو، كما يجب اقتصار المقاطعة أيضا على الشركات الأجنبية التي تعلن دعمها وتعاطفها وتبرعها للكيان الصهيوني، فهذا أمر تستطيعه الشعوب وتستطيع أن تنجح به إذا ما تم التركيز على مقاطعة تلك الشركات ذات العدد المحدود جدا، والسعي لإغلاق فروعها في الشرق الأوسط، مثل هذا العمل سوف يحمل كل أصحاب الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات على تجنب دعم الكيان الصهيوني حتى لا تخسر الأسواق العربية. 

كما علينا أن نمتنع عن مقاطعة أي شركات أجنبية عاملة في السوق المحلي ولديها عمالة وطنية لم تعلن وقوفها إلى جانب المحتل ودعمه، فهذا النوع الأعمى من المقاطعة يضر بنا أكثر مما يضر بالعدو. 

والأهم من كل ذلك التحذير من الدعوة لمقاطعة أي شركات أو مصانع أو منتجات محلية مملوكة لأي شخص بمجرد الاختلاف معه في جهات النظر السياسية، فهذا النوع من المقاطعة عمل يفت في عضد الدولة والمجتمع ويخدم الأعداء أكثر مما يخدم القضية الفلسطينية. 

كما يمكننا دعم الشركات الأجنبية العاملة والمفاضلة بينها في السوق المحلي حسب من تعلن دعمها للقضية الفلسطينية وتنحاز لمظلومية الشعب الفلسطيني، وبذلك نشجع رؤوس الأموال الأجنبية أن تكون إلى جانبنا وليس إلى جانب العدو الإسرائيلي. 

بهذه المحددات نستطيع أن نضمن ترشيد واستمرار المقاطعة وتأثيرها على الخصوم وبنفس الوقت عدم الإضرار بأنفسنا.

اقرأ المزيد.. قراءة قانونية للمقاطعة الاقتصادية وحظر التعامل مـع العدو

الأكثر قراءة
00:00:00