بوضوح عن أزمة جمعية المحافظة ووزارة الأوقاف

الصورة

بقلم: محمد العودات

المصدر

ثارت عاصفة على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام تندد باستهداف جمعية المحافظة على القرآن من قبل وزارة الأوقاف، ثم تدحرجت الأزمة ككرة الثلج لتصبح قضية رأي عام، أزمة وترت الأجواء الداخلية وحاولت تصوير الدولة الأردنية كأنها في مواجهة مع القرآن الكريم على غير حقيقة الموضوع وبشكل مقلق.

في الأردن يبدو أنه في كل قضية نحاول صناعة العجلة من جديد، وفي كل مسألة نلتفت عن التجارب الإنسانية في إدارة مثل تلك المسائل، ونحاول أن نجترح تجربة خاصة بنا نحاول فيها إعادة صناعة العجلة مجددا، ولا نستفيد من تجارب الآخرين وما وصلت له من تطور، فنقع في أخطاء كارثية.

جمعية المحافظة على القرآن الكريم مكسب وطني

جمعية المحافظة على القرآن الكريم مكسب وطني تربوي كبير يساعد الدولة في ترشيد الخطاب والعاطفة الدينية، ويمنع من التطرف والجنوح له، كما أنها تساهم في تربية النشء وإبعادهم عن التدخين والمخدرات والخمور والانزلاق إلى كل ما من شأنه هدر الطاقات وصحة الشباب والأموال، كل ذلك يشكل دافع لتنمية اقتصادية حقيقية تساهم في سرعة تطور الدولة ونهوضها.

الجمعية ساهمت مساهمة كبيرة في نشر علوم القرآن وعلوم اللغة العربية والمساهمة في الحفاظ على الهوية الثقافية ومواجهة موجات الإلحاد والشذوذ، وأصبحت رديفا للمدارس في تحسين مستوى التحصيل الدراسي للنشء وزيادة مفرداتهم من اللغة العربية، كما أن الجمعية ساهمت في تخفيف مستوى البطالة من خلال تفريغها للكثير خاصة من عنصر النساء والشباب للعمل بشكل جزئي أو شكل كلي مما ساهم في تلطيف حالة الفقر والبطالة المستعصية.

علينا تسمية الأمور بمسمياتها

حقيقة الخلاف بين وزارة الأوقاف والقائمين على الجمعية، وليس اختلاف على طبيعة عمل الجمعية أو اختلاف مع القرآن وعلومه أو محاربة الدين كما يصور البعض، فتسمية الأمور بمسمياتها يساعد في توصيف الحالة وتقديم الحل والعلاج.

للعالم المتقدم تجارب أكثر نضوجا من إدارة دور العبادة ومؤسسات التعليم الدينية هذه التجارب يمكنها أن تجنبنا كل تلك الأزمات وهي أن الدولة تقف على الحياد من جميع المؤسسات الدينية لا تستهدفها ولا تدعمها وتترك المؤسسات الدينية تبني نفسها من جيوب أتباعها ومعتنقي الديانة والفكرة وأنصارها على أن يكون لتلك المؤسسات الحرية المطلقة في العمل.

 لكن هذه الحرية المطلقة للمؤسسات الدينية مقيدة بعدة شروط أهمها ألا تكون تلك المؤسسات منبرا من منابر العمل السياسي، إذ يمنع على المؤسسات الدينية أن تمارس العمل السياسي، أو تكون حديقة خلفية له، كما يمنع على المؤسسات الدينية أن تدعو للكراهية الدينية وتهديد أمن وسلم المجتمع المدني، وألا تكون تلك المؤسسات الدينية تابعة لجهات خارجية تؤثر على استقرار الدولة وأمنها الداخلي والخارجي أو يمكن توظيفها من الدول كقوة ناعمة في داخل الدولة.

هذه الحرية المطلقة تجعل المؤسسات الدينية تنمو وتكبر حسب قناعة المجتمعات بها وبمشروعها وبذات الوقت لا تتكلف الدولة أي مبالغ على بناء دور العبادة والمؤسسات الدينية ورعايتها وتشغيلها؛ مما يخفف على الدولة من مصاريفها ونفقاتها وتوجه تلك الأموال إلى الصحة والتعليم والبنية التحتية، مما يساهم في انتشار هذه المؤسسات ونموها الكبير دون نفقات رسمية لتساهم في تهذيب نفوس المجتمعات وبناء ضمير الإنسان والمجتمع.

"مؤسسات دينية لا تعمل في السياسة"

حتى في تجارب دول العالم الثالث عندما سألت سفير السنغال التي يوجد بها أكثر من نصف مليون حافظ للقرآن وعشرات آلاف المساجد ومئات الجمعيات التعليمية، حيث يوجد لديهم أكثر من 20 ألف قرية، وفي بعض القرى عشرات المساجد.

إن الفضل في انتشار تلك المؤسسات الدينية التربوية والمدراس الدينية وشيوع حالة التدين في تلك المجتمعات، هو للحرية المطلقة التي تتمتع بها تلك المؤسسات الدينية دون أي نفقات من الدولة، إلا أن هذه المؤسسات الدينية يمنع عليها العمل في السياسية أو قيام أحزاب على أسس دينية، فمجال المؤسسات الدينية تربية المجتمع وبناء ضميره ونشر تعاليم الدين واللغة العربية لا العمل السياسي بشكل مباشر أو غير مباشر، وأساس الأحزاب الوصول للسلطة وإدارة المال العام وتحسين حياة الناس ومعاشها والفارق كبير بين الأهداف والغايات والوسائل لكل من العمل الديني والعمل السياسي.

هذا النمط أيضا موجود في الغرب الذي تنمو فيه أديان وتتراجع أديان أخرى، كل ذلك حسب قدرة الدين على مخاطبة قلوب الناس وعقولهم، دون أن تتدخل الدولة في دين الناس ومعتقداتهم.

هل يصارع الرسمي الدين؟ أم ماذا؟

مشكلتنا في الأردن أن هناك تخوفا من قيام تيار سياسي باستثمار جمعية المحافظة لأغراض سياسية وهو تخوف متفهم للدولة وحتى لكل الأحزاب السياسية في الساحة المحلية، وبذات الوقت معالجات رسمية تظهر الجانب الرسمي وكأنه في حالة صراع مع الدين وليس مع حالة سياسية تتهم بتوظيف الدين في العمل السياسي.

لن يكون هناك حل لتلك الإشكالية إلا من خلال توسيع باب الحرية للمؤسسات الدينية وخضوعها للرقابة بعد ذلك من قبل مؤسسات وجهات رقابية متخصصة أهلية وحكومية في ألا يمارس من خلالها أي عمل يعد توظيفا سياسيا أو دعوة للكراهية أو التطرف، أو استخدامها كممر لتدخل خارجي في الشؤون الداخلية، يجب على الدولة ألا تخجل بذلك ولا تواريه تحت أي مسميات أو حجج أخرى، فلا مجال لتوظيف الدين في العمل السياسي ولا حاجة لتدخل الدولة في عمل المؤسسات الدينية إلا بما يحمي النشء وسلم الدولة وأمنها الداخلي والخارجي.

يبدو أننا في الأردن بحاجة كجهات رسمية ومؤسسات دينية وأحزاب وجماعات سياسية لإعادة الحديث بأبجديات عمل كل طرف وحدود اختصاصه وأهدافه ومجال عمله والالتزام بها دون مواربة أو تجميل، والأهم من كل ذلك الكف عن استخدام أسلحة لا أخلاقية في الصراعات أو الاختلافات وتكفير وتفسيق وتخوين بعضنا البعض.

الأكثر قراءة
00:00:00