المدير السابق لمؤسسة الضمان الاجتماعي
ترصين المنعة: نحو نموذج اقتصادي لخدمة العلم
لا شك في أن إعادة تفعيل خدمة العلم كان من ضمن الخيارات المطروحة على طاولة التنفيذ خلال السنوات الماضية، وفي ظروف أقل احتقانا وأكثر تفاؤلا، وربما كان العائق الوحيد أمام تنفيذ هذا القرار هو مالي بحت. هذا بكل تأكيد هاجس في مكانه إذا افترضنا النمط التقليدي لتطبيقها، والذي سيتطلب بالضرورة كلفا عالية لتمويلها لا تقوى الموازنة العامة على تحملها.
كما لا يخفى على أحد مدى صعوبة المعطيات السياسية التي فرضها العدوان الإسرائيلي الهمجي الغاشم على أهلنا في غزة وتوسعه ليشمل أيضا مناطق أخرى في فلسطين المحتلة، وهذه المعطيات تستدعي إعادة النظر بشكل جدي بهذا المشروع، وهذه المرة ليس كخيار وإنما كمتطلب استراتيجي تحوطا للقادم الأصعب.
ولعلنا أدركنا بما يكفي بأنه عندما يتعلق الأمر بالكيان المحتل، فليس هناك حليف ولا مواثيق، ولعلنا ندرك أيضا بأن الأفق المنظور يحمل المزيد من التحديات للأردن في ضوء موقفه المسؤول والمتقدم تجاه العدوان الغاشم، وربما تتصاعد حدة هذه التحديات مع تنامي فرص عودة اليمين الجمهوري الأكثر تحيزا "لإسرائيل" لسدة الحكم في الولايات المتحدة.
كيف تتحول خدمة العلم من عبء مالي إلى داعم اقتصادي؟
ربما العامل الوحيد الذي لم يتغير في سياق الحديث عن خدمة العلم، هو القيد المالي الذي يمثل عقبة حقيقية أمام إعادة تفعيلها. وفي هذا السياق دعونا نفكر معا بكيفية الخروج بنموذج محدث لخدمة العلم على النحو الذي لا يبقيها رافعة أمنية واستراتيجية للمملكة فقط، وإنما يجعلها أيضا رافعة اقتصادية تحاكي بعض الفرص الكامنة التي لم تلق أفقا للتسخير في ظل السياسات التقليدية.
تابعت قبل أيام المطالبات التي رشحت عن اجتماع للجنة الزراعة في مجلس النواب مع الحكومة حول التحدي المرتبط بنقص العمالة في القطاع الزراعي والدعوة لفتح باب الاستقدام، وبكل تأكيد هناك أنشطة أخرى تشارك القطاع الزراعي هذا التحدي. وحتى نكون صريحين، فإن إشكالية نقص العمالة في عدد من الأنشطة تمثل بالفعل تحديا مثبطا لنموها، ولكن معالجتها بالحلول التقليدية سيفاقم بالضرورة من تحديات العمالة الأردنية.
أستجلب هذه الحالة لتسليط الضوء على تحديات اقتصادية قائمة يمكن معالجتها من خلال إعادة تفعيل برنامج خدمة العلم، وفيها أيضا حل للتحدي المالي الذي يحول دون تفعيله، والنتيجة النهائية فرصة حقيقية للنهوض بقطاعات واعدة واستراتيجية.
بإمكان المعنيين اليوم التفكير بنموذج معياري لخدمة العلم يقوم على أساس تخصيص فترة محددة من الخدمة لتشغيل المنخرطين في مشاريع شراكة كبرى مع القطاع الخاص في الزراعة والصناعة، وأيضا الخدمات وتخصيص جانب من عوائدها لتمويل الكلف المرتبطة بخدمة العلم.
كيف تخفف خدمة العلم من الضغوط الاجتماعية؟
خدمة العلم بهذا النهج المقترح، ستساعد أيضا في امتصاص الضغوط الاجتماعية المرتبطة بتفاقم ظاهرة البطالة خصوصا بين الشباب، وهي أيضا تساعدهم في اكتساب مهارات تزيد من فرص توظيفهم من القطاع الخاص. نعم بعض الدراسات تؤكد ضعف الآثار الإيجابية للخدمة العسكرية على فرص التوظيف والأجور والإنتاجية في الدول المتقدمة، إلا أن الحالة مختلفة تماما في الأردن. ففي البلدان المتقدمة تكتسب المهارات الأساسية بشكل فاعل خلال المراحل التعليمية وهو ما زلنا نفتقر إليه في الأردن.
شخصيا أعتقد جازما بأن إشكالياتنا التنموية تتمحور بشكل أساسي اليوم حول التشبث بالرتابة الفكرية وبالاختباء خلف التحديات والانطباعات العابرة لتبرير أي تقاعس. لو انتقلنا بكل تحد قائم اليوم فقط خطوة بسيطة للأمام، لتحول حتما إلى فرصة حاضرة.