ربة البيت.. بطالة أم عمل

الصورة

بقلم: ليث أزهر

كثيرا ما نطلق على ربة البيت خطأ وصف المرأة غير العاملة، فنحكم على أهم وظيفة كرم الله بها المرأة بالإعدام والبطالة، فالمرأة التي ترعى زوجها وأطفالها وتهتم بشؤون منزلها نسميها "غير عاملة".. امرأة "بلا عمل".. نساويها مع تلك المرأة التي تقضي وقتها فقط في طلبات ديليڤري وقراءة فنجان وكلام فارغ مع القريبات والصاحبات والجارات وتصفح السوشال ميديا.

لسنا هنا بصدد تقييم خروج المرأة للعمل خارج المنزل، فنحن نحترم كل الموظفات "العاملات"،ومنهن اللواتي أجبرتهن ظروف الحياة على الخروج للعمل لمساعدة أسرهن من الناحية المادية.

امرأة غير عاملة!

ولكن.. الخطورة الكبيرة التي نلمسها ونعيشها ونتحمل تبعاتها الجسيمة في تردي أحوال البلاد وضعف الأسرة والمجتمع، هي في أننا عندما نطلق على المرأة التي ترعى زوجها وأولادها ومنزلها بأنها "غير عاملة" فنحن بذلك نقلل من أهمية هذه المسؤولية الجسيمة ونغبنها، وبالتالي نقلل -وهذا هو بيت القصيد من المقال- من أهمية الاستعداد لتحمل هذه المسؤولية.

فنحن نشجع وندفع بناتنا إلى الدراسة وتأدية الامتحانات ودخول الجامعات لينغمسوا في مواضيع علمية وإدارية تخص جوانب محدودة من الحياة والوظائف، وذلك لكي تحصل الفتاة على شهادة جامعية فقط ولكي تسمى خريجة جامعية أو من أجل أن تتأهل لوظيفة بسيطة في دائرة حكومية أو شركة خاصة تؤدي فيها عملا لا يمكن أن يرتقي في حجمه وأثره في المجتمع والحياة إلى أهمية ووزن أعمال رعاية الأسرة والبيت.

إننا عندما نسمي ربة البيت "امرأة غير عاملة" فنحن لا نظلم فقط هذه المرأة ونبخس تعبها وجهدها، وإنما ندفعها إلى الكسل والتراخي ونوجهها إلى غير المراد الحقيقي لهذه المهمة التي شرفها الله بها، فلذلك تجد الفتاة تدخل بيت الزوجية وتنجب الأطفال بلا سابق استعداد ولا تعليم، فلا يسألها أحد كم كتابا قرأت في رعاية الأسرة وتربية الطفل ولا يحاسبها أحد عن حجم معلوماتها في التدبير المنزلي والاقتصاد الأسري وعلم النفس البشري وعلوم تربية الطفل والتربية الدينية والاجتماعية وعلوم اللغات.. بل تترك الأمور على عواهنها بلا تخطيط ولا إعداد، ويا ليتها تترك للفطرة السليمة، بل لعشوائية النصائح من القريبات والجارات وما تحمله أحيانا من جهل وعبثية وضبابية في الرؤية.

ولو أدركت هذه الفتاة أو المرأة ما المطلوب منها حقيقة لرعاية أسرتها وتربية أطفالها، ولو عرفت حجم تأثير هذا كله على مستقبل العائلة والمجتمع، لانكبّت على الدراسة والتدريب بما يتناسب وأهمية دورها في بيتها ومجتمعها.

ولكن مع الأسف، من تتخلى عن هذه المهمة تتخلى عنها لأنها تعتبر نفسها "امرأة بلا عمل" فتترك حمل هذه المسؤولية كما يجب، ولا تضع في حسبانها قول الرسول الكريم ﷺ "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته،.. فالمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها..".

الرعاية ليست عنوانا فارغا

فالرعاية ليست فقط طبخا وجلي صحون وغسل ملابس، بل تربية وتعليم وتدبير وتخطيط وتوجيه، وهذا يحتاج من العلم والمعرفة والإعداد والاهتمام أكثر بعشرات المرات من شهادة جامعية قد تكون "ديكورية" بلا علم ولا معرفة نسعى لها فقط للحصول على وظيفة ثانوية هنا أو هناك.

ونحن هنا لا ننسى أو نتغاضى عن دور الرجل ومسؤوليته في تأمين مقومات العيش الكريم والرعاية للأسرة والزوجة، لكي تستطيع تأدية دورها العظيم على الوجه الأكمل.

واليوم، وفي ظل الشتات الكبير للعوائل في بلاد المهجر، يصبح دور المرأة في بيتها وأمام عائلتها أعظم وأكثر تأثيرا، فعلى عاتقها تقع مسؤولية تعليم الأطفال وتأهيلهم في ظروف المجتمعات الغربية وترسيخ قيم الإسلام ولغة القرآن ومعانيه، وعليها تعتمد الأسرة في تقوية أواصر صلة الرحم وروابط القربى مع الأصول والفروع المتناثرة في بقاع الأرض، وهذا ما يتطلب الإعداد والدراسة لكي تنجز المهمة على النحو الأمثل، فعلى سبيل المثال من لا يتقن لغة القرآن لن يستطيع أن يوصل معانيه إلى أبنائه وإن تمنى ذلك، فالمسألة ليست بالتمني، بل بالجد والاجتهاد.

وقديما قال الشاعر: الأم مدرسة إن أعددتها ... أعددت شعبا طيب الأعراق.

فهل أعددناها حقا؟!

الأكثر قراءة
00:00:00