زمن بيع الخصوصية

الصورة
انعدام الخصوصية
انعدام الخصوصية

بقلم: لؤي الفروخ | المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

آخر تحديث

من يتابع وسائل التواصل الاجتماعي يشاهد المستوى الهابط الذي وصل إليه الناس، لدرجة أصبح فيها البحث عن الشهرة والمادة هدف الكثير من الناس حتى لو كان بطريقة مبتذلة أو فيها تنازل عن الخصوصية لكل شخص.

فلكل واحد منا خصوصيات الأصل أن لا يطلع عليها إلا الشخص نفسه في أموره الخاصة أو من هم في دائرة الأسرة أو المقربين سواء في سلوكياته أو شكل بيته أو نوع طعامه وشرابه ولباسه أو نوع عمله أو هوايته ونشاطاته ومناسباته الخاصة، كل ذلك أمور خاصه جدا لا يجوز أن تكون مشاعا لعامة الناس أو سلعا للبيع.

الخالق جلّت قدرته عندما خلق الإنسان أنزل عليه اللباس عندما قال في محكم التنزيل: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك).

مبدأ الخصوصية في الحياة

فاللباس هو رمز الخصوصية التي أراد الخالق تجسيدها عند بني آدم ثم أتبعها بمجموعة من الأوامر الإلهية مثل تحريم التجسس والهمز واللمز والغيبة وكشف العورات والحض على الستر وعدم تتبع عورات الناس في الطرقات والبيوت، كل ذلك لتجسيد مبدأ الخصوصية عند الناس كل الناس بغض النظر عن دينهم.

لكن للأسف الشديد انحدار مستوى التفكير عند بني آدم والبحث عن الشهرة والمادة وإشباع الغرائز بأي ثمن، أضاع منظومة القيم هذه وفتح الباب لكشف المستور لدرجة وصلت إلى أن يصبح الجسد سلعة للبيع وأن تصبح الأمور الخاصة سلعا للبيع، ليس ذلك فحسب بل وصل مستوى الانحدار إلى تقبل الناس لذلك ووجود مشترين لهذه السلع بدل من مقاطعتها بل الأسوأ من ذلك وصل الناس إلى درجة التنافس بينهم في كشف خصوصياتهم وأسرار حياتهم ونسائهم وأجسادهن لعامة الناس كتجسيد للفكر المادي الرأسمالي الذي يعمل أتباعه من مفكرين ودول على نشر ثقافة التعري والتجسس على الناس لجمع المعلومات من أجل السيطرة والتحكم في حياة الناس وتوجيهها حسب مصالحهم مستغلين بذلك وسائل التواصل الاجتماعي والانحدار الفكري عند الناس.

فماذا يهم العامة من معرفة شكل أو لبس شخص ما أو شكل منزله أو أثاث بيته أو نوع سيارته أو نوع طعامه أو سفره للسياحة في بلد ما أو حتى حضوره اجتماعا عائليا إلى ما إلى ذلك. وماذا يهم الناس من نشر كلام بين الزوجة وزوجها في مناسبة يوم زواجهم أو يوم ميلادهم أو أي مناسبة عائلية. وماذا يهم الناس وما القيمة المرجوة من نشر نشاطات وهوايات شخص ما على وسائل التواصل الاجتماعي أو أنه في طريقه إلى المطار للسفر وما القيمة من نشر صورة شخص مع ملك أو وزير أو أمير.

كل ذلك لا ينفع أحدا ولا يهم أي شخص، فهذه خصوصيات تعني الشخص نفسه فقط، بل إن نشر مثل هذه الصور والمعلومات تساعد في إيجاد الحسد والضغينة والحسرة عند من لا يستطيع القيام بذلك، وهي بذلك تساهم في إضعاف المجتمعات، ناهيك عن إضاعة الوقت والجهد في مثل هذه الأمور.

الأصل أن تستخدم هذه الوسائل في تبادل المعلومات المفيدة للناس، مثل تراكم الخبرات في أمر ما أو عظة أو نشر الأفكار التي تساهم في إحداث التغيير عند الناس والنهوض بهم ودولهم أو تكون لتعليم الناس لمن عنده علم أو لتوعيتهم عن مخاطر قد تحدث وما إلى ذلك من العلوم النافعة أو المعلومات المفيدة أو للعامة، ففكر الإنسان أهم من شكله أو لباسه أو سهراته أو سفراته لكن للأسف نحن نعيش في زمن بيع الخصوصية، لأن الأفكار أصبحت راكدة والخصوصيات رائجة

الأكثر قراءة
00:00:00