سلطة منطقة العقبة والفجوة مع المجتمع المحلي

الصورة

مع مطلع الألفية الجديدة، ومن خلال قرار إنشاء سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة بقانون خاص، واعتبارها قائمة بأعمال بلدية العقبة تم إلغاء أي دور أو مشاركة للمواطنين في مدينة العقبة بإدارة مدينتهم، وأصبحت مجالس سلطة العقبة المعينة من قبل الحكومة تحتكر وحدها مشهد التخطيط والإدارة في مدينة العقبة، وطوال ما يزيد عن عقدين من الزمن لم يشارك أبناء المدينة بأي انتخابات بلدية أجريت في الأردن، لأنه ببساطة لم تعد لديهم بلدية.

منطقة العقبة الاقتصادية لا تحقق الرؤية الملكية

ورغم أن إنشاء منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة جاء تنفيذا لرؤية ملكية سامية وتطبيقا لنموذج الإدارة اللامركزية، وكان الهدف جعل العقبة مثالا يحتذى، ونموذجا قابلا للتعميم، ورافدا اقتصاديا لدعم موازنة الدولة، إلا أن الناظر إلى مآلات التجربة يرى نتائجا لا تحقق الرؤية الملكية، ولا تحقق الطموح الشعبي الذي اندفع في البداية بقوة مستبشرا بتحويل العقبة إلى سلة اقتصاد الأردن، لدرجة أن الضمير الشعبي تقبل فكرة إلغاء دوره في إدارة المدينة عبر مجالس بلدية منتخبة، ولم يمعن النظر في مواد القانون التي جمعت كل الصلاحيات بيد الحكومة.

بعد هذه السنوات الطوال بتنا نرى أن تحويل العقبة لمنطقة اقتصادية خاصة فرخ مراكز قوى جديدة داخل الدولة، وأنتج حالة لم تقدم المنجزات التي تم التخطيط لتحقيقها على الصعد الاستثمارية والسياحية والصناعية، وشكلت هذه الحالة التي عزلت العقبة ومجتمعها عن باقي مدن المملكة نوعا من التشوه القانوني، وخرقا لمواد دستورية عدة، فضلا عن استنساخ البيروقراطية الحكومية بحذافيرها، بالإضافة لإقصاء ممنهج لأبناء المدينة عن انتخاب أي هيكل يساهم في إدارة المدينة، وأصبح المواطن يسمع بأرقام تصل لمليارات عن استثمارات في العقبة، ولكنه لا يشعر بأثر ذلك على مستوى حياته المعيشية، أو حتى على مستوى الدولة.

لقد شكل إلغاء دور بلدية العقبة ضربة أثرت سلبا على تجربة سلطة منطقة العقبة، ورغم أن من شرعوا قانون المنطقة ظنوا أنهم بتغييب سكان المدينة عن مواقع صناعة القرار قد تجاوزوا أحد الحواجز التي قد تعيق التطوير المنشود للمدينة إلا أنه أغفل حقيقة أنه لا تنمية ولا استقرار أو نجاح للمشاريع بغير مشاركة المجتمع المحلي في التخطيط والتنفيذ وصناعة القرار، ونسوا المثل القديم " أهل مكة أدرى بشعابها ".

إن فلسفة وجود البلديات تقوم على أن ينتخب المجتمع ويفرز ممثليه الذين يفوضهم بإدارة شؤون المدينة، ومن هنا يتحمل المجتمع صواب أو خطأ من انتخبهم، وإليه يرجع قرار استمرارهم أو انتخاب غيرهم.

كما يعبر المجتمع من خلال ممثليه المنتخبين عن حقيقة حاجاته وكيفية تلبيتها والسبل الأمثل للوصول إليها، غير أن الحالة في العقبة اختلفت كليا، فالتخطيط والتنفيذ والقرار بشكل مطلق بيد سلطات حكومية معينة، بعضها لم يعش يوما في المدينة، الأمر الذي يجعله يجهل أبسط مؤهلات وجوده في موقعه، ويضيع الوقت الطويل في استكشافه للمدينة والتعرف عليها وعلى مجتمعها.

لقد بلغ استئثار الحكومة بالقرار في العقبة وإقصاء المجتمع المحلي عن الحضور في بعض القطاعات المهمة كالسياحة والاستثمار أنها قلصت صلاحيات مجلس المحافظة بشكل استثنائي عن باقي مجالس المحافظات في الأردن، مما ساهم في تعميق الفجوة وزيادة العزلة بين سلطة العقبة والمجتمع.

ربما يقول قائل أن سلطة العقبة أنشأت لجانا للأحياء، ولجانا للتنسيق مع بعض مجالس القطاعات المنتخبة كمجلس المحافظة وغرفة التجارة، وأن السلطة تقدم دعما ماليا لبعض مؤسسات المجتمع المدني، وفيها مديريات تعنى بتنمية المجتمع المحلي وشؤون المدينة، ولكن وبالتجربة كل ذلك هو من قبيل الترقيع الذي لا يحل أساس المشكل، وهو حرمان المواطنين في العقبة من حق اختيار ممثليهم عبر انتخابات بلدية، أو عبر انتخاب مجلس يدير شؤون سلطة منطقة العقبة ويشرف على أعمالها.

ستبقى الفجوة بين سلطة العقبة والمجتمع تتسع، وستتأخر كافة مؤشرات التنمية والإنجاز عما هو مخطط له، ولن تنتهي أشكال هدر المال العام والفساد في المشاريع والتي يغص بها تقرير ديوان المحاسبة، ولا سبيل لتحسين الحال إلا بإعادة الإرادة الشعبية لموقعها الدستوري والقانوني في إدارة شؤون المدينة، ولا غالب إلا الله.

شخصيات ذكرت في هذا المقال
الأكثر قراءة
00:00:00