تسهيلات الصندوق وبرامج البنك

الصورة
صورة تعبيرية | قرض مالي
صورة تعبيرية | قرض مالي

بقلم د. خالد واصف الوزني

آخر تحديث

يعتقد البعض أنَّ اللجوء إلى التسهيلات الائتمانية؛ القروض، أو ما يُسمّى ترتيبات صندوق النقد الدولي، وبرامج البنك الدولي، قضية اختيارية بحتة، وأنَّ العمل تحت مظلة أيٍّ من المؤسَّستين هو ضمن الحرية الفردية للدول، والحقيقة هي خلاف ذلك تماماً.

تأسيس صندوق النقد والبنك الدولي

بيد أنَّ من المفيد الإشارة بداية إلى أنَّ المؤسَّستين؛ الصندوق والبنك الدوليين، تمَّ تأسيسهما عام 1946 لمعالجة تبعات الحرب العالمية الثانية على الدول الأوروبية الخارجة من أتون حرب عالمية مُدمرة انتهت بتدمير البُنى التحتية للدول، من جهة، وانهيار منظومة التبادل التجاري العالمي، وأسعار الصرف، وموازين المدفوعات للعديد من دول العالم المُتقدِّم، من جهة ثانية. وقد تكلَّف البنك الدولي بموضوع برامج التنمية القطاعية الموجهة لاستعادة البنى التحتية للدول، من طرق ومواصلات، واتصالات، ومستشفيات، ومدارس، وغيرها، لذلك فقد سُمِّي "البنك الدولي للإنشاء والتعمير"، ويتبع له خمس مؤسَّسات مستقلة تعمل ضمن ذات السياق التنموي، في حين تخصص صندوق النقد الدولي في قضايا التعاملات التجارية، وموازين المدفوعات، وأسعار الصرف، والموازنات العامة للدول.

من حل المشاكل إلى خلق أخرى!

وقد جاء الاتفاق العالمي، غير المكتوب، أن تكون رئاسة البنك الدولي للولايات المتحدة الأمريكية، في حين تبقى رئاسة صندوق النقد الدولي في يد الدول الأوروبية، ولما كانت كلتا المؤسَّستين تعملان كمقرضتين، وليس كمؤسَّسات مانحة، ووفق أسس شبه تجارية، غير فاحشة العوائد، فقد توجهتا نحو العديد من دول العالم النامية، أو في طور النمو، بمجرد أن استقر وضع الدول الخارجة من تلك الحرب العالمية المدمرة.

لم تضطر الدول للبقاء تحت المظلة؟!

ذلك أنَّ تطورات الاقتصاد العالمي منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي فرضت دوراً جديداً للمؤسَّستين، لتكونا ذراعاً جديدةً للروابط الاقتصادية، والسياسية العالمية، وبات العديد من دول العالم غير مخيَّر في اللجوء إلى المؤسَّستين، بقدر ما هو مطالبٌ بذلك لضمان البقاء ضمن منظومة العمل الدولية، التي ترفض التعامل مع أي دولة في الشأن الاقتصادي، وخاصة تلك التي تواجه تحديات مالية، دون الحصول على شهادة "حسن سير وسلوك" من المؤسَّستين، وخاصة من صندوق النقد الدولي.

قروض لا منح

بيد أنَّ من المهم الإشارة هنا، إلى أنَّ التعامل مع تلك المؤسَّسات هو في مجال الحصول على قروض، بعضها يأتي مُيسراً؛ أي بمعدلات فائدة منخفضة. تلك القروض جميعها واجب السداد من الدول المعنية، أو من كفلائها، باستثناء شرائح بسيطة للغاية تُسمّى مساعدات تُؤخَذ من صافي ما تحقِّقه المؤسَّستين من عوائد على عملياتها، وتشكِّل النذر اليسير.

والكفالة والكفيل في عُرف العمل الدولي هنا سياسية بالدرجة الأولى، وذات كُلفة غير مالية عالية للغاية، بل ومرهقة للكثير من الدول، وقد دفع بعض الأنظمة استقراره وبقاءه نظير تلك الكلف غير المالية.

تقسيم العمل الدولي، وتبعيات التنمية غير المستدامة في العديد من دول العالم، أدخل العالم في دوامة القروض التي يُسبِّبها صنّاع قرارٍ غير مختصين، ويدرس شروطها وسبل الحصول عليها خبراء مصلحتهم منح القروض لدول محددة، مقصود إخضاعها ضمن منظومة المديونية العالمية وكلفها المالية وغير المالية، وتقدمها مؤسَّسات راغبة في منحها للدول المستهدفة، حتى لو كانت أوضاعها الاقتصادية لا تحتاج إلى الديون، وحتى لو كانت الدولة غير قادرة على السداد، بالرغم مما يسمّى برامج التصحيح الاقتصادي التي تتبناها المؤسَّستين.

"توريط الدول بالديون هو أفضل سبيل لضمان استجابتها للمتطلبات العالمية للتبعية الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية".

ومن مفارقات شروط المديونية في بعض الدول، مثلاً، التوقُّف عن زراعة القمح- بدعوى عدم الجدوى الاقتصادية- مقابل قرض لتحسين قطاع الزراعة في مجالات أخرى، وقرض لدعم العجز المالي مقابل تعديل قوانين الاستثمار بهدف تقليل الحوافز الممنوحة للمستثمرين! ناهيك عن قروض مشروطة بتعديل أنظمة الضمان الاجتماعي، وقروض لقطاعات التعليم تركز على مناهج محددة دون التركيز على البنية التحتية والتعليمية للمدارس، وغيرها من الأمثلة.

بقيت الإشارة إلى أنَّ إجمالي ما منحه صندوق النقد الدولي من قروض للمنطقة العربية خلال السنوات العشر الماضية تجاوز 54 مليار دولار، وقد حصل الأردن منذ العام 2011 حتى اليوم على ما مجموعه 4.5 مليارات دولار تقريباً، في حين أنَّ البنك الدولي خصَّص مؤخراً ما يقرب من 125 مليار دولار لمساعدة الدول المستهدفة على تجاوز أزمة وباء كورونا، وقد خصّص للأردن ما يزيد على 1.1 مليار دولار أمريكي ضمن تلك الحزمة من المساعدات (القروض).

الأكثر قراءة
00:00:00