مرافعة مواطن.. أين ضرائب الأرباح المفاجئة على سلسلة تزويد النفط في الأردن
بقلم ليث أبو نواس | المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
تلجأ الدول في حالات الحرب والأزمات إلى تطوير أساليب وأدوات اقتصادية تهدف إلى تعزيز التضامن الاجتماعي وتقليل الآثار المترتبة من اختلالات الموازين الاقتصادية.
تظهر معظم هذه الاختلالات بشكل مباشر على أسعار الطاقة ولا سيما الطاقة المعتمدة على المشتقات النفطية وما لأسعارها أثر مباشر على مختلف المجالات الصناعية والتجارية، وكذلك على صعيد الأفراد؛ ويشهد سوق المشتقات النفطية تغيرات متعددة في أسعار بِرْمِيل النفط الخام بالانخفاض أو الارتفاع والذي يخلق عادة هوامش ربحية غير متوقعة في فترات زمنية محددة تكسب الشركات العاملة في القطاع أرباحا لم يكن مخططا لها ضمن ميزانية الشركات السنوية، بينما ينعكس هذا الارتفاع في الأسعار على القطاعات الأخرى والأفراد سلبا بازدياد ثمن فاتورة الطاقة؛ ما يهدد الاستدامة والنمو والاستقرار الاجتماعي في الدول بناء على هشاشة كل فئة للتأقلم مع هذا الارتفاع.
خلال عام 2022، شهد السوق العالمي حالة من نمو معدلات التضخم بشكل هائل، رافقتها حالة من تدهور لأسعار الأسهم وركود للنمو.
جميع القطاعات على ما يبدو تعاني انعكاسات أزمة الطاقة بعد الحرب الأوكرانية الروسية، ولكن شركات النفط الخام والدول المصدر للنفط هي الرابح الأكبر؛ حيث تقدر وكالة الطاقة الدولية أن صافي الدخل لمنتجي النفط والغاز الطبيعي ستتضاعف من عام 2021 إلى 2022 لتصل إلى 2 تريليون دولار، وهي تعد أرباح غير مسبوقة.
شهدت الأردن هذه التأثرات وما لحقها من إضرابات لقطاعات مختلفة منها قطاع النقل العام، والشحن، وكذلك العائلات والأفراد الذين يعانون ظروف اقتصادية صعبة، تجعلهم أكثر هشاشة للتغيرات الحاصلة في أسواق المحروقات من ارتفاع خاصة بعد الخروج من ظروف أزمة وباء كورونا 2020 وما لحقة من ظروف وتدابير احترازية غير اعتيادية عطلت أجزاء كبيرة من عجلة الاقتصاد الاعتيادية. والذي يستدعي تدخل الإجراءات الحكومية من أجل دعم هذه الفئات الهشة وإرفاد الخزينة العامة بالأموال اللازمة لتغطية ثمن الدعم الاجتماعي. وتعد الضرائب واحدة من الأدوات المتاحة لدى صانع القرار لتحقيق ميزانية قادرة على إرفاد برامج الدعم الاجتماعي للفئات الأكثر هشاشة.
ضريبة الأرباح المفاجئة
تعرف بأنها نسبة ضريبية تفرضها الدول على الشركات الكبرى في قطاعات معينة بعد تحقيق هذه الشركات أرباحا غير متوقعة بشكل مفاجئ بسبب تغيرات في ظروف السوق العالمية تسمح بتحقيق بعض القطاعات لأرباح مفاجئة مثل الكوارث أو الحروب؛ وتعود فلسفة هذه الضريبة المضافة لمرة واحدة كما وصفتها السيناتور هيلاري كلينتون إلى أن الأرباح الغير متوقعة التي حققتها شركات المشتقات النفطية ليس لها أي أصول ثابته أو استثمارات جديدة، وإنما حصلت عليها الشركات دون أي عناء إضافي بمجرد الاستفادة من تغيرات مفاجئة في السوق العالمي، ولذلك تكون هذه الأرباح غير المتوقعة عادة مرتبطة في قطاع الطاقة.
النظرة إلى التاريخ
تعود أولى الممارسات التي ظهرت تحت مسمى ضريبة أرباح مفاجئة في عهد إدارة كارتر في الولايات المتحدة، التي كما تصفها الأقلام اليوم بأنها لم تكن مبادرة ناجحة، بل مجرد مراوغات في حِقْبَة السبعينيات، وجدت لتحرير أسعار المشتقات النفطية وتقليل الأرباح الفائضة الغير متوقعة الناتجة من عملية تحرير الأسعار.
بينما تم فرض ضرائب إضافية على الأرباح الحاصلة خلال فترات الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الكورية، حيث كانت تقتطع بشكل مباشر قبل أن يتم احتساب العائدات والأرباح، تحت مسمى ضرائب الأرباح الفائضة مضافة إلى ضريبة الدخل للشركات.
أما في المملكة المتحدة، فقد فرضت حكومة المحافظين ضرائب الأرباح المفاجئة ثلاث مرات في الأقل خلال الأربعين سنة الماضية، حيث فرضت عام 1981 ضريبة خاصة في قطاع البنوك أدت إلى اقتطاع 2.5% من ودائع حسابات البنوك الجارية دون فوائد، ما ولد حوالي 400 مليون جنيه استرليني كإيرادات إضافية لخزينة الدولة، وبعدها بعام تم فرض نفس الضريبة الخاصة على شركات النفط في بحر الشمال مما ولد حوالي 2.4 مليار جنيه استرليني معاكسا لمجادلات الشركات بان فرض هذه الضريبة ستحد من الاستثمار، بينما في الحقيقة تم استخدام العوائد لتطوير وازدهار الصناعة.
ممارسات دولية اليوم
- مجلس الاتحاد الأوروبي: وافق مجلس الاتحاد الأوروبي في سبتمبر 2022 على فرض "مساهمة تضامنية مؤقتة" تخضع لها الشركات في قطاعات النفط الخام والغاز الطبيعي والفحم وتكرير المشتقات النفطية في حال تحقيق أرباح تزيد عن 20% من متوسط الأرباح السنوية الخاضعة للضريبة منذ عام 2018. تضاف هذه المساهمة للضرائب التي تدفعها الشركات فعلًا في كل دولة عضو كفرد. وتهدف العائدات من هذه الضريبة المضافة إلى مساعدة الأسر والشركات، وتخفيف اثر ارتفاع أسعار الكهرباء.
- الولايات المتحدة: هدد الرئيس بايدن بانه سيسعى إلى فرض ضريبة أرباح مفاجئة على شركات النفط والغاز، التي قدمت تقاريرها المالية بإفصاح عن أرباح عالية للغالية مع تواصل فرص ارتفاع الأسعار تحت ظروف حرب أوكرانيا، وابلغهم بأن يستخدموا ثروتهم الفاحشة لتوسيع إمدادات النفط أو خفض أسعار المستهلك.
السياسات الضريبية المعلنة والمقترحة والمنفذة في البلدان الأوروبية اعتبارا من 26 سبتمبر 2022
الانتقادات حول سياسة ضريبة الأرباح المفاجئة
واحدة من اهم الانتقادات التي اتفقت عليها جميع المصادر تقريبا، هو ما استخلصته التجربة الأمريكية أثناء حِقْبَة إدارة كارتر، حيث أن العوائد التي تم تحصيلها من فرض هذه الضريبة لم تصل إلى ما كان متوقعا كما سوق لهذه السياسة من عوائد على خزينة الدولة، حيث إنه تم توقع تحصيل 393 مليار دولار خلال عام 1980 ولكن العائدات الحقيقية كانت 80 مليار دولار. حيث أن أسعار المشتقات النفطية لم يستمر في الارتفاع مما جعل الضريبة غير مطبقة معظم الوقت بسبب عدم تحقيق الأرباح التي تصورت الإدارة أنها ستحصل، وبالطبع كانت هذه العائدات 20% من مما تم توقعه غير مجدية مقارنة بالتعقيدات التشريعية التي تطلبها إنفاد هذه الضريبة ولمرة واحدة.
كذلك أظهرت التجربة في المملكة المتحدة وفي ضريبة النفط عام 2011 أن سوء تطبيق ضريبة الأرباح المفاجئة لمرة واحدة قد يتسبب بقطع الاستثمارات، ما سينعكس على حزينة الدولة سلبا ويفرض على الحكومة إعادة النظر والرضوخ للتفاوض مع الشركات.
وقد قدم مركز الدراسات والأبحاث في السياسات البيئية والطاقة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ورقة عمل من 47 صفحة تحت عنوان "أزمة الطاقة في الاتحاد الأوروبي، النَّظْرَة في سياسة الاستجابة الحالية والمقترحات لحلول تنظيمية متوازنة" سوف افرغ الوقت في المقال القادم حتى اقدم ملخص عما ورد فيها من انتقادات ونصائح فيما يتعلق بالحلول الممكنة قصيرة الأمد وطويلة الأمد للاستجابة لازمة الطاقة، ولعلي اكتفي الان في ذكر أن اهم التوصيات التي جاءت بها، هو أن الحكومة عليها أن تقوم بدراسة تأثير الازمة الحالية على مختلف القطاعات، وتحديد الأولويات للقطاعات الأكثر هشاشة وتأثر حتى يتم عمل ميزانية مناسبة تقدر المبالغ التي يجب ان توفرها الحكومة لدعم هذه القطاعات، ومن ثم النظر في القطاعات المستفيدة من الأرباح الغير متوقعة حتى يعمل التوازن الناظم في اطار حكومي سليم تشريعيا وتنفيذيا.
السؤال: أين هو المشرع الأردني من تطبيق هذه الأدوات؟
وبهذا السؤال اختم مرافعتي الصحافية اليوم، مستنكرا تعسف السياسة الضريبية الأردنية في رفع الأسعار على المستهلك المباشر بينما توجد أدوات سيادية مختلفة تمكن الأردن من طرح ضرائب الأرباح المفاجئة ولمرة واحدة على جميع الشركات التي حصلت أرباحا تفوق معدلات الأرباح المتوقعة ضمن سلسلة توريد ومعالجة مشتقات النفط. وبسبب غياب المعلومة يبقى هذا السؤال وهذه المرافعة برسم الإجابة من المتهم الأول، وهو النهج الحكومي وسياسات الضرائب!