خبير اقتصادي
غسيل الأموال الإلكتروني: كيف يساهم مؤثرو وسائل التواصل الاجتماعي في تغذية الجرائم المالية
أدى ازدهار التجارة الإلكترونية وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي إلى فتح آفاق جديدة لغسيل الأموال الإلكتروني، وهو تهديد ناشئ ينطوي على نقاط ضعف كبيرة فيما يتعلق بالنظام المالي وأمن المنطقة المالي بشكل عام. فمن خلال استغلال شهرة المؤثرين، يتمكن مجرمو غسيل الأموال من إخفاء مصادر الأموال غير المشروعة وضخها في الاقتصاد الرسمي.
ومن أكبر الأمثلة على ذلك قضية منصة "بوتيكات" للتجارة الإلكترونية التي برزت في الكويت عام 2020 كمثال واضح لهذه الظاهرة. فالمنصة تتيح للمؤثرين إنشاء متاجر افتراضية وعرض السلع فيها، دون وجود مصادر دخل يمكن تتبعها.
ما هي الطرق المتبعة في غسيل الأموال عبر وسائل التواصل؟
ويمكن للمجرمين في مخططات غسيل الأموال استغلال المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي بطرق متعددة. تشمل هذه الطرق ما يلي:
1- الترويج للمنتجات والشراكات التجارية
ومن خلالها يتم إخفاء أثر الأموال غير المشروعة من خلال دفع مبالغ مالية للمؤثرين للترويج لسلع أو خدمات مرتبطة بأنشطة غير قانونية، مثل عمليات الاحتيال في العملات المشفرة أو الاستثمارات الوهمية.
2- التضخيم المصطنع لقيم المنتجات
إذ يشتري المجرمون سلعا مرتفعة القيمة عبر المؤثرين لرفع قيمتها بشكل مصطنع، مما يساهم في غسيل الأموال. بالإضافة إلى ذلك، توجد ملكية خفية، وفيها يكون المؤثر وكيلا لصالح منظمات إجرامية، ويمتلك شركات أو أصولا ممولة من هذه العائدات غير القانونية.
3- التداول الاجتماعي والعملات الرقمية
وغالبا ما يتم ذلك من خلال مخططات "الضخ والتفريغ". إذ يتم دفع الأموال للمؤثرين للترويج لأنواع معينة من العملات الرقمية بهدف رفع قيمتها بشكل مصطنع. وعند وصول السعر إلى أعلى مستوياته، يبيع المجرمون ممتلكاتهم ويختفون، مما يترك المستثمرين يواجهون خسائر فادحة.
4- التصيد المالي
وفيه يتم توظيف المؤثرين لجمع الأموال غير المشروعة وتحويلها من خلال منصات تبادل العملات الرقمية أو وسائل دفع رقمية أخرى.
5- الأعمال الخيرية والمساعدات الإنسانية
الطريقة الأكثر رواجا تتعلق بـالأعمال الخيرية والمساعدات الإنسانية، وفيها يروج المؤثرون لمنظمات خيرية زائفة أو جمع التبرعات لدعم قضايا إنسانية. وفي بعض الأحيان، يتم جمع التبرعات تحت اسم العمل الخيري، لكنها توزع على جماعات إجرامية كوسيلة ظاهرية لتوزيع الأموال على أنشطة خيرية مشروعة.
كيف يمكن الكشف عن أنشطة غسيل الأموال للمؤثرين؟
لا يزال من الصعب تحديد حجم الأموال التي تُغسل عبر المؤثرين باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لكن أفضل التقديرات تشير إلى أن الحجم كبير. لذلك من الضروري أن تتخذ وكالات تنفيذ القانون والهيئات التنظيمية للأنشطة المالية إجراءات ملموسة واستباقية للكشف عن أنشطة غسيل الأموال التي يمارسها المؤثرون الذين يستخدمون هذه الأساليب المتعددة، ومن تلك الإجراءات التي يمكن اتخاذها ما يلي:
-
تنفيذ إجراءات العناية الواجبة اللازمة تجاه المؤثرين من المؤسسات المالية، ومنها التحقق من الهوية، ومصادر الدخل، والأنشطة التجارية.
-
تطبيق منصات التواصل الاجتماعي لعمليات تحقق أكثر دقة، خاصة عند قبول المؤثرين الذين يتعاملون مع المنتجات أو الخدمات المالية.
-
استخدام قدرات التحليل المتقدم لمراقبة السلوكيات المشبوهة على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الزيادات المفاجئة في الثروة، أو عادات الإنفاق غير المعتادة، أو الترويج لمنتجات وخدمات مجهولة أو مشبوهة.
-
استخدام تقنية "البلوك تشين" التي تساهم في توفير أساس واضح يمكن من خلاله تتبع معاملات العملات الرقمية لاكتشاف الأنماط المريبة.
-
تطوير أطر تنظيمية قوية فيما يتعلق بمنصات تبادل العملات الرقمية للتقليل من المخاطر المرتبطة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
هل يوجد نموذج ناجح.. وما هي التحديات التي توجه الأردن؟
في الواقع، طبقت دول مجلس التعاون الخليجي إجراءات متقدمة في هذا المجال؛ في المملكة العربية السعودية يُلزم المؤثرون بالكشف عما إذا كانوا مروجين مدفوعي الأجر، كما يلزمون بالابتعاد عن تقديم ادعاءات مضللة. أما الإمارات العربية المتحدة فقد ألزمت المؤثرين بالحصول على تراخيص، مما أضاف طبقة إضافية من المساءلة.
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات قائمة ومنها:
-
التطور السريع للتقنيات والتغير المستمر في أساليب المجرمين السيبرانيين، مما يجعل من المستحيل تقريبا على السلطات أن تظل تسبقهم بخطوة.
-
الطبيعة المعقدة للتسويق عبر المؤثرين، وغالبا الغموض الكبير بين ما هو مشروع وما هو غير مشروع، تجعل عملية المتابعة والتحقق صعبة للغاية.
مكافحة غسيل الأموال الإلكتروني بفعالية تتطلب نهجا متعددا يشمل الحكومة الأردنية، والمؤسسات المالية، وشركات التكنولوجيا. ويتضمن ذلك تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعلومات الاستخبارية لتطوير أدوات معقدة للكشف عن هذه الأنشطة غير القانونية.
من خلال هذه الأساليب، يمكن للسلطات المعنية والهيئات الرقابية في الأردن تقليص قدرة غاسلي الأموال على استغلال المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي لغسيل الأموال بشكل كبير، مع حماية نزاهة النظام المالي. ومع الوعي بأن العالم الرقمي يستمر في التطور، فإن هذا المجال يتطلب تطوير الوعي بالتهديدات الجديدة وتعديل السياسات التنظيمية بشكل مستمر.
اقرأ المزيد.. منصات التواصل الاجتماعي ساحة جديدة للجرائم المالية