متخصص في الإعلام والاتصال
الجمهوريون يسحقون الديمقراطيين في حربهم الإعلامية.. وهذه هي الأسباب!

في حوار شيق على أحد أبرز برامج البودكاست، كشف مارتن غوري (Martin Gurri) الموظف السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) عن رؤى عميقة في كتابه الأكثر مبيعا "ثورة العامة" (The Revolt of the Public) الذي حظي باهتمام عالمي وترجم إلى عدة لغات.
برسالة واضحة وصادمة، يؤكد غوري أن زمن احتكار النخب الحاكمة لتدفق المعلومات قد انتهى إلى غير رجعة، وأن الإعلام التقليدي لم يعد القوة الوحيدة القادرة على تشكيل الرأي العام في عصر المعلومات المفتوحة.
وأضاف أنه في الماضي، كان بإمكانه ببساطة متابعة وسائل الإعلام الرسمية في أي دولة، مثل الصحف الكبرى، ليعد تقريرا يقدمه إلى رئيس الولايات المتحدة حول موقف تلك الدولة من سياسات واشنطن.
إن ثورة المعلومات الرقمية في مطلع القرن الحالي هي بمنزلة الزلزال الرقمي إذ لم يسبق للبشرية أن شهدت هذا الكم الهائل من تدفق المعلومات. وجاء هذا التحول ليغير المشهد السياسي والاجتماعي بشكل جذري، وأدى في بعض الدول إلى تغييرات كبيرة في الأنظمة الحاكمة، وصلت أحيانا إلى حد الانقلابات.
إن الحياة المعاصرة كانت تدار لفترة طويلة عبر مؤسسات مركزية مثل الحكومات، ووسائل الإعلام، والمؤسسات الأكاديمية، وقطاع الأعمال، فقد كانت تتحكم في سردية الأحداث من الأعلى إلى الأسفل، وكأنها تقول: "أنا فقط أتكلم وأنت تستمع!" أي نظام هرمي صارم لا يسمح بالكثير من التفاعل. لكن الثورة المعلوماتية قلبت هذا الهرم رأسًا على عقب، فقد فجرت سيلا هائلا من المعلومات خارج سيطرة هذه المؤسسات التقليدية، مما أدى إلى صدام حتمي بين الإعلام التقليدي والمنصات المستقلة مثل المدونات، فقد باتت السرديات تروى من زوايا متعددة، لا من مصدر واحد يفرض رؤيته على الجميع.
المعركة الإعلامية: لماذا لا ينتصر الديمقراطيون؟
تحقق الاستراتيجية الإعلامية للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة انتصارا ساحقا بينما تتابع الهزيمة تلو الأخرى على الديمقراطيين هزيمة تلو الأخرى، والسبب؟ تكتيكات قديمة لم تعد تجدي نفعا!
في أحد اللقاءات الحوارية على محطة فوكس نيوز (Fox News) في شباط من هذا العام، علق مضيف القناة أن الديمقراطيين عالقون ومتشبثون بتكتيكات إعلامية تعود لحقبة التسعينيات! إذ ما زالوا يعتمدون على مؤتمراتهم الصحفية الصغيرة والمسيرات المؤيدة المتواضعة والصراخ عبر محطة (MSNBC)، متجاهلين حقيقة واضحة أن التحكم بالسرد الإعلامي لم يعد يتم من الأعلى إلى الأسفل، أي الاعتماد على ذلك النظام الهرمي الذي لا يسمح بالتفاعل، فاستراتيجية إرسال نقاط التحدث إلى الصحف الرئيسية وبثها عبر التلفاز أصبحت بلا تأثير حقيقي، ناهيك بكونها مكلفة ماليا بسبب الإنفاق الضخم على الإعلانات. إذ إن الديمقراطيين يصرخون ويصرخون ولكن لا مجيب!
نجاح الجمهوريين عائد إلى اعتمادهم تكتيكات إبداعية
من جهة أخرى، بحسب فوكس نيوز، فإن نجاح الجمهوريين عائد إلى اعتمادهم تكتيكات إبداعية جريئة غير تقليدية، تشبه تكتيكات حرب الشوارع! فمثلا، قد يكتب شخص ما شيئا على منصة إكس (X)، فيقوم إيلون ماسك (Elon Musk) بإعادة نشره، ومن ثم يناقشه جو روغان (Joe Rogan) على بودكاسته الشهير، قبل أن تتناوله محطة فوكس نيوز، فتصبح حديث الملايين، وكل ذلك دون إنفاق دولار واحد!
بات من الواضح أن هذه الحملة الإعلامية غير التقليدية بدأت مع الحملة الانتخابية للرئيس الحالي دونالد ترامب (Donald Trump) خلال ترشحه لفترة رئاسية ثانية، حيث اتبع نهجا مختلفا من خلال الظهور على منصات بودكاست لا علاقة لها تقريبا بالسياسة، تحدث فيها بعفوية عن مواضيع متنوعة مثل العائلة والرياضة وغيرها وهي استراتيجية مغايرة تماما لما يتبعه السياسيون عادة.
ويبدو أن هذا النهج قد أضفى طابعا إنسانيا على المرشح، جعله أقرب إلى الناخبين وأكثر ألفة، لا سيما فئة الشباب. ساهمت هذه الاستراتيجية في الوصول إلى الناخبين حيثما كانوا، فهناك عشرات الملايين من الأمريكيين الذين لن يزوروا أبدا المواقع الإخبارية السياسية أو يتابعوا نشرات الأخبار المسائية، بل يحصلون على معلوماتهم من وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر البودكاست. نحن أمام جيل لا يتقبل الخطابات السياسية التقليدية الجافة والمعدة بأسلوب مصطنع.
المعادلة باتت واضحة؛ الجمهوريون ينشرون المعلومات ويوصلون رسائلهم بذكاء، بينما الديمقراطيون يحدون من انتشارها نتيجة اعتمادهم على تكتيكات قديمة.
كيف تفوز الحكومات بقلوب الجمهور؟ الحرب الإعلامية بين الديمقراطيين والجمهوريين أنموذجا
لا شك في أن الحكومات المعاصرة يمكن لها أن تستفيد كثيرا من دروس الحرب الإعلامية بين الديمقراطيين والجمهوريين في صياغة استراتيجياتهم الإعلامية، ويمكن تلخيص هذه الدروس في 5 نقاط:
-
الشفافية والانفتاح: الحكومة بحاجة للانفتاح على الشعب وتعزيز التواصل المباشر دون حواجز.
-
استغلال المؤثرين بشكل مبتكر: إذ يمكن استخدام المؤثرين غير التقليديين لتعزيز التأثير وبناء علاقة ثقة أعمق مع الجمهور.
-
استراتيجيات اتصال أكثر مرونة: تجاوز الإعلام الأحادي الاتجاه واعتماد حوار ديناميكي مع الشعب.
-
الاستجابة السريعة: من الضروري أن تكون الحكومة مستعدة للرد السريع على الأحداث من خلال بيان مباشر وفعال.
-
الاستثمار في الإعلام الرقمي: يجب على الحكومات استخدام المنصات الرقمية للتواصل بفعالية والوصول إلى الجيل الجديد.
هل آن الأوان لتغيير استراتيجيات الاتصال؟
التحدي اليوم ليس فقط إيصال الرسالة، بل ضمان وصولها إلى الجمهور المستهدف بالطريقة الصحيحة. الحكومات ليست بحاجة فقط، وإنما مطالبة باستراتيجيات إعلامية جديدة.