لمن يقدر .. مما تعلمت 

الصورة

لمن يقدر .. مما تعلمت. بقلم: د. ميرفت سرحان

دُعيت لحفل عيد ميلاد لطفلة صغيرة، له قصة مختلفة .. فبعد انتظار دام لعدة أعوام رزق والداها بهذه الهدية الجميلة .. ولفرط فرح والدها بقدومها ظل يلاحظ تفاصيلها، ويتأمل أحوالها، ويراقب نموها لحظة بلحظة .. وبعد مرور عام على ولادتها .. قرر أن يقيم لها حفلًا صاخبًا، وأن يحضر لها هدية ثمينة، لكي يسعدها .. وبالفعل جهزَ لهذا الحفل .. حضر فيه ما لذ وطاب من مأكولات وحلويات ومشروبات .. وزينة وزخارف وألعاب .. وتعاقد مع مجموعة من المطربين لإحياء الحفل .. ثم اشترى لها قطعة من الألماس الخالص، وغلفها في صندوق مزركش، مصنوع من أجود أنواع الخشب ..

وأثناء الحفل؛ وبينما الطفلة تلهو بين الأطفال تارة، وبين الألعاب تارة .. طلب الأب من الجميع الانتباه، ثم ألقى قصيدة شعرية يتغنى فيها بابنته، وقدم لها هديته .. أخذت الطفلة الصندوق، وبدأت تلهو به، وبعد فترة من اللهو فتحت الصندوق بالصدفة، وجدت الماسة، أمسكتها، وعادت للعب .. وبعد انتهاء الحفل، ومغادرة الجميع .. أراد الأب أن يخبئ الجوهرة .. بحث عنها ولم يجدها .. سأل الطفلة .. فأخذت تضحك تارة، وتناغي مرة، وتركض أخرى ..

عاد الأب للبحث بعيدًا عن سؤال الطفلة .. وكرر المحاولات مرة تلو الاخرى .. وأدرك أنه عبثًا يحاول .. فلقد ضاعت الجوهرة ..    

وفي صباح اليوم التالي للحفل كنت أجلس مع إحدى صديقاتي .. ثم انضمت للجلسة إحدى السيدات .. وبعد أن تسامرنا لبعض الوقت، وقبل مغادرة السيدة، عرضت على صديقتي قطعة من الحلوى كانت تحملها معها .. اعتذرت صديقتي عن أخذ الحلوى .. فأقسمت عليها السيدة وألحت بشدة .. أخذت صديقتي الحلوى .. وبعد أن غادرتنا السيدة .. رمتها في سلة المهملات .. وعندما سألتها لم فعلت ذلك؟! .. قالت إنها اضطرت لأخذ الحلوى تحت إصرار السيدة، إلا أنها لا تستطيع تناولها لأنها تعاني من مرض السكري، ولكنها لا تريد أن تخبر أحدًا بمرضها .. 

مما تعلمت .. لا تعطِ شيئًا لشخص لا يحتاجه، فقد لا يستخدمه، أو قد يجهل قدره وقيمته .. وفي كلا الحالتين فلن يحافظ عليه .. وبالتالي لن يكون ممتنًا لك، ولا لما قدمت له .. وهنا قد تندم لأنك فعلت ذلك معه .. وقد تغضب منه وتتبدل مشاعرك تجاهه .. وقد تقرر أنك لن تقدم أي شيىء آخر، لأي أحد بعد ذلك .. برأيي .. لا تتسرع في اتخاذ القرار .. فلا شك أنك أردت أن تسعده .. ولكن؛ ما غفلت عنه أنك قدمت ما ظننت أنه سوف يسعده، وفي الحقيقة أنك قدمت ما يناسبك أنت، وما يسعدك أنت، ونسيت أن لدى كل منا تفضيلات مختلفة عن غيره .. فما هو ملائم لفلان ليس هو ما يهواه علان .. وما هو جيد بالنسبة لأحدهم ليس مقبولًا للآخر، وهكذا .. وهذا لا ينقص من شأن أحد أو يقلل من قدر الآخر، وإنما هو شكل من أشكال اختلاف الشخصيات بين الناس .. كل ماسبق لا يتعارض مع فكرة أن تعلم بأن شخص ما بحاجة لشيء بإمكانك أن تقدمه له، لكنه لا يستطيع أن يطلبه لأنه يشعر بالخجل منك، أو الخوف من أن ترفض طلبه .. فلهذا حسابات أخرى ..

أرى أنه من الأولى أن تكرم نفسك، وتحرص على رفعتها .. ولتحافظ على دوام احترامها، فعليك أن تبذل جهدًا مضاعفًا لتنتقي نوع وشكل أي علاقة بينك وبين غيرك من الناس ..لذا، إياك أن تضع نفسك في غير مقامك، وكن مع من يقدر قيمتك، إن لم يرفع من شأنك، فلن يقلل من قدرك .. فبعض الأشخاص لا يعنيه وجودك ولا تشكل فرقًا في حياته .. حتى لو كنت ذا شأن، أو مال .. فانسحب، ولا تعد النظر للخلف عندما ترحل عنه، ولا تأسف على هجره .. فإن لم تتمكن من الابتعاد عنه لسبب أو لآخر، فاحرص على أن تضع حدًا لتأثيره السلبي عليك .. أو تعلم كيف تتعامل مع هذا التأثير السلبي له على مشاعرك ..  

وبعض الأشخاص يسعده حضورك .. بل قد تطمئن نفسه بقربك .. حتى لو كنت بسيطًا، أو معدمًا .. فاقترب منه، وحافظ على وجوده في حياتك .. فهذا يدرك قيمتك ويطلب ودك ..  

أقتبس من قول الإمام علي كرم الله وجهه:

     لا تتكلَّمن إذا لم تجد للكلام موقعًا

   ولا تبذلن ودَّك إذا لم تجد له موضعًا

ولا تعتذر إلى من لا يحب أن يجد لك عُذرًا

دلالات

اختصاصية علم نفس ومرشدة في وزارة التربية والتعليم

الأكثر قراءة
00:00:00