إنشاء مجلس للأمن القومي.. هل ينتقص من الإصلاح السياسي المنشود؟

الصورة
آخر تحديث

يمكن اعتبار التعديلات الدستورية بإنشاء "مجلس الأمن القومي" انتقاصا من الحياة السياسية وصلاحيات الحكومة البرلمانية المقبلة إذا ما تم مقارنة هذه النصوص بالملكيات الدستورية العريقة التي تجعل كل السلطة بيد الشعب، والملك يملك ولا يحكم، لكن النظرة إلى إنشاء مجلس للأمن القومي من زاوية أخرى يجد فيه المهتم والمتابع للشأن الأردني ضرورة سياسية "مؤقتة"، إذ نصت المادة 122 من الدستور المعدل على:

"ينشأ مجلس للأمن القومي يتألف من رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الخارجية ووزير الداخلية وقائد الجيش ومدير المخابرات ومدير الأمن العام وعضوين يعينهما الملك".

وحصرت الفقرة الثانية من المادة 122 صلاحيات المجلس بالشؤون المتعلقة بالأمن والدفاع والسياسة الخارجية، ويجتمع المجلس عند الضرورة وبدعوة من الملك وبحضوره أو حضور من يفوضه، وتكون قرارات المجلس واجبة النفاذ حال مصادقة الملك عليها، ونصت الفقرة الثالثة من تنظيم شؤون المجلس بموجب نظام يصدر لهذه الغاية.

مجلس الأمن القومي "ضرورة"

البعض يرى أنه يمكن اعتبار هذا المجلس ضرورة من ضرورات الحياة السياسية مرحليا من عدة نواح، فهذا التعديل دليل على عزم التوجه الرسمي الذهاب إلى الحكومات البرلمانية، وأن التعديلات ومخرجات اللجنة الملكية لم تكن مجرد شراء للوقت، وأن هذا النص يحتاط لأي إفرازات سلبية للتجربة بعد نفاذ القوانين والوصول إلى الحكومات البرلمانية.

للأردن تجربة سياسية مع الحكومة البرلمانية، إذ كان الخلاف بين الملك الحسين رحمه الله ورئيس الوزراء سليمان النابلسي خلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي حول إعلان الرئيس الأمريكي أيزنهاور، إذ كان الملك يتوجه للتحالف مع المعسكر الغربي وكان النابلسي رئيس الوزراء اليساري يتوجه للتحالف مع المعسكر الشرقي ممثلا بالاتحاد السوفيتي، فكان لا يمكن للدولة أن تُدار بأكثر من رأس في المسألة الخارجية فتم حسم الأمر لصالح الملك وتم حل الحكومة والبرلمان وتعطيل الحياة السياسية.

ذات الأمر فيما يتعلق بالأمن الداخلي، إذ أصبح الجيش في حكومة النابلسي جزءا من التجاذبات السياسية، فانقسم على نفسه باقتتال داخلي "معسكرات الزرقاء" وحاول قادة الجيش القيام بانقلاب ودعم حكومة النابلسي في وجه الملك قبل أن يفشل الانقلاب ويفر قائده وضباطه إلى مصر وسوريا وهما الأقرب إلى المعسكر الشرقي.

مثل هذا المجلس موجود في أمريكا باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي لكن دوره في أمريكا دور استشاري فيما يتعلق بمسائل السياسية الخارجية والأمن القومي الأمريكي الداخلي، وهو مجلس تابع للبيت الأبيض والرئيس الأمريكي مباشرة، وهو بذلك يختلف عن مجلس الأمن القومي الأردني الذي جُعلت قراراته واجبة النفاذ.

في التجربة الديمقراطية في المغرب الذي يتشابه وضعه السياسي مع الحالة الأردنية ذهبت دولة المغرب إلى نموذج قريب من هذا النموذج بوجود عرف سياسي باختيار الملك لوزير الخارجية ووزير الداخلية ووزير الأوقاف باعتباره بحسب الوصف المغرب "أميرا للمؤمنين" كمنصب ديني سياسي، وذلك للحفاظ على استقرار الأمن الداخلي والعلاقات الخارجية والملف الديني في البلاد خاصة مع وجود أحزاب علمانية متطرفة يمكن أن تصل للسلطة لديها موقف حاد من الأديان.

ذات الأمر والاحتياطات تكررت في الدستور التونسي لعام 2014 بعد الثورة، والذي انقلب عليه الرئيس التونسي قيس سعيد، إذ قام الدستور بتوزيع السلطة حتى لا يتم احتكارها من قبل أي طرف وأعطى للرئيس السياسة الخارجية والأمن الداخلي وأعطى للحكومة البرلمانية المنتخبة جميع السلطات والصلاحيات باستثناء الملف الخارجي والملف الداخلي.

يرى البعض هذا النص ضروريا لترشيد قرارات الحكومات البرلمانية المقبلة، النخب الأردنية نخب فقيرة في إدارة ملفات السياسة الخارجية والداخلية بعد ابتعادها أكثر من 60 عاما عن مؤسسات الحكم، وهذه الملفات الخطأ فيها يكلف الأردن الكثير، والأردن جزء من معادلة معقدة سياسيا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمن الداخلي، ولها توازنات دقيقة غير قابلة للخطأ، بينما الملفات الأخرى استطاعت النقابات باعتبارها بيوت خبرة أن تؤهل الكثير للقيام بإدارة ملفات الدولة في كل المجالات باستثناء الملفين الداخلي والخارجي.

هذا النص يراه البعض ضرورة لمنح الحكومات البرلمانية المقبلة فرصة للتعلم والنضوج، فالنخب والأحزاب المؤهلة للوصول للحكم منقسمة بين النخب الإسلامية والنخب اليسارية، وجميع هذه النخب لها ارتباطات وامتدادات خارجية ويمكن أن تورّط الأردن في تحالفات خارجية ومشاكل أمن داخلي لعدم نضوجها وتعلمها، كما أن عنصر الثقة بين هذه النخب يصل إلى حد العداء الصفري، وعنصر الثقة بين النظام والنخب السياسة يقوم على الشك وعدم الانسجام مما يتطلب أن تكون هذه الملفات الحساسة بعيدة عن تلك الأجواء حتى تنضج الحياة الديمقراطية والنخب التي تتصدر المشهد وتستقر الحياة السياسية والتجربة الديمقراطية.

كما أن المجلس القومي يتكون من أعضاء في الحكومة البرلمانية، إذ يشكل أعضاء الحكومة البرلمانية 4 من أصل 10 أعضاء، فالحكومة البرلمانية ستكون شريكة في صناعة السياسات الخارجية والأمن الداخلي تحت عين وبصر الملك والخبرات المتراكمة لدى أجهزة الدولة.

الأهم من كل ذلك أن مجلس الأمن القومي سيجتمع في حالات الضرورة فقط والتي يقدرها الملك وفي غير حالات الضرورة تكون الملفات بيد الحكومة المنتخبة.

هذا المجلس يراه البعض ضرورة لمنع حالات الاستعصاء السياسي التي عادة ما تضرب التجارب الديمقراطية الوليدة

هذا المجلس يراه البعض ضرورة لمنع حالات الاستعصاء السياسي التي عادة ما تضرب التجارب الديمقراطية الوليدة ويتم الاختلاف على تفسير النصوص كما حصل في ديمقراطيات الربيع العربي، وحتى لا تكون تلك الملفات الحساسة قابلة للمغامرة أو التجريب من الحكومات البرلمانية وللحفاظ على استقرار الأمن الداخلي والعلاقات السياسية الخارجية وتحالفات الأردن الاستراتيجية التي تعطيه مكانه الاستراتيجي في المنطقة.

مجلس الأمن القومي "ضرورة مؤقتة"

نتفهم أن يكون هذا المجلس ضرورة سياسية مؤقتة في هذه المرحلة السياسية من عمر التجربة الديمقراطية، لكننا نرى أنه من الضرورة أن تنهى أعمال هذا المجلس بعد استقرار التجربة الديمقراطية ونضوج الأحزاب القائمة سياسيا، فالتجربة قادرة وحدها على إنضاج الجميع سياسيا والتعلم من واقع التجربة، وبعد ميلاد أحزاب وطنية مؤثرة في الشارع وقيام تحولات ومراجعات سياسية في معتقدات الأحزاب الأيدولوجية القائمة وتحولها إلى أحزاب وطنية تقدم البرامج في تحقيق مصلحة الأردن وشعبه على أي انتماء طائفي أممي أو انتماءات قومية عرقية، حينها يكون وجود النص لزوم ما لا يلزم، ونطالب حينها بإلغائه والذهاب إلى ما يشبه الملكيات الدستورية التامة.

الأكثر قراءة
00:00:00