محرر و مذيع أخبار
منى الكرد ..رسالة أم ناقلة رسالة
لا ينكر أحد من متابعي أحداث حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، أن الناشطة الفلسطينية منى الكرد رسمت شكلًا جديدًا من الإعلام المجتمعي و توثيق الأحداث من الميدان، فتاة عشرينية تنقل رسالة أهالي حيها الذين يُهجرون من بيوتهم بأدوات بسيطة، لكن هل وصلت رسالة منى الكرد أم أنها تحورت لتصبح هي الرسالة؟
الناظر من بعيد يرى أن رسالة الكرد واضحة، تنقل ما يعيشه أهالي الحي من جرائم احتلال بشعة، بدليل تصديرها من قبل أهالي الحي للحديث باسمهم لثقتهم بقدرتها على إيصال الرسالة.
إلا أن الرسائل قد تتعرض في بعض الأحيان للتحوير من المجتمع، بمعنى أن المجتمع يندفع من الانبهار بالأفكار و الأدوات إلى الانبهار بالأفراد ، لتصبح منى التي تنقل الرسالة، صورة عند التعبير عن قضية الحي، و أيقونة أيضًا على الواتس آب و الفيسبوك، و رسوما كاريكاتورية تتصدر تحت هاشتاغ #حي-الشيخ-جراح.
هل الأولى من صور منى و الحديث عن منى؟، الحديث عن قضيتها التي تسعى بكل ما لديها لنقلها، يعني ألا يتبادر لأذهاننا أن الخيار لو كان لمنى لاختارت رسالتها على صورها و كلماتها؟
الخطورة تكمن في فكرة التمجيد تحديدًا، التي تحرم الإنسان من حقه في الخطأ، و تقف عائقًا أمام احترام خطأه و اختلافه في الفكر و التصرفات و المواقف و المعتقدات، ليهوي المجتمع بالفرد إلى أسفل السافلين في حال الاختلاف معه.
ستبقى منى الكرد دائمًا جزءا كبيرًا من قضية حي الشيخ جراح و جزءا من القضية الفلسطينية، لذلك من الأولى علينا أن لا نضيق الخناق عليها، بل نحترم مكانها لتعزيز رسالتها التي ترغب بإيصالها.
في أكثر من لقاء تلفزيوني أكدت منى على أن القضية التي ترغب بإيصالها هي الأهم و أنها ليست بطلة القصة و كأنها تعزز الفكرة بأنها جزء من قضية أساسية و ليست هي القضية، كذلك ما قاله محمد الكرد عند خروجه من التوقيف "إحنا مش أول ناس بصير معهم هيك و لا آخر ناس".
في كل مرة نرى فيها نموذجًا ينقل رسالة و قضيةً بأدوات بسيطة، نرغب بشدة بتصديره ليصبح قدوة لجيلنا، في ظل غياب القدوة و تفكك المجتمع الذي نعيشه، فيدفعنا الإعجاب بهذا النموذج إلى الانغماس بشخصيته و ببطولته و إبداعه، ليصبح هذا الإعجاب طوقًا على رقبة الشخص.
أذكر عندما تم اعتقال هبة اللبدي الأردنية في سجون الاحتلال عام 2019، كانت في فترة من الفترات رمزًا للقضية الفلسطينية و نموذجًا لها كما صدرها المجتمع، وما لبثت أن انقلب الناس عليها عندما ظهرت بعض أفكارها السياسية، إلا أن الأصل كان التوازن بين رفض الاعتقال في سجون الاحتلال، و بين رفض التصريحات السياسية لاحقًا في حال الاختلاف معها.
كذلك عهد التميمي كانت ضحية لتعاملنا الخاطئ مع تجربتها في المقاومة.
و يبقى السؤال المطروح، ما الذي يجعل المجتمع يمجد الأفراد و يرفعهم إلى السماء و عند رفضه لتصرفاتهم يقذف بهم إلى الأرض، أليس من الأولى التوازن في الأخذ و الرد عن الفرد؟