كاتب سياسي وباحث في الدراسات الإسلامية
من الذي قتل العقيد الدلابيح؟
بقلم غيث القضاة | المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برغم مرارة الفقد التي ستعاني منها أسرة الفقيد العقيد عبد الرزاق الدلابيح رحمه الله، ومرارة اليُتم التي ستعاني منها عائلته وأطفاله، إلا أن جُرحا سيبقى في النفس يتعلق بمعرفة القاتل والمجرم الغامض الذي سولت له نفسه قتلَ رجل أمن يشترك معنا بلا شك في نفس الهم والوجع المتعلق بصعوبة الحياة وارتفاع المصاريف والكلف ودفع ضريبة الفاسدين واللصوص ومن سياسات الجباية القسرية؛ فهو كما نحن يملأ سيارته الخاصة بوقودٍ يكاد يجعل له قسما من راتبه، ويدفع إيجار منزله أو أقساط بيته من راتبه، ويعاني كما نعاني من آثار الفساد الإداري والمالي واللصوصية والتنفع والمصالح المتبادلة والرواتب المرتفعة في الدولة التي أكلت الأخضر واليابس في الأردن عبر عقود طوال وطالت نيرانها الجميع من أفراد الشعب والجيش والأمن العام وغيرهم، وتشكلت بفعلها طبقة فاسدة من أصحاب النفوذ والمصالح المشتركة فقادوا البلد بنفوذهم نحو مصالحهم.
بين أن تُضرِب وتَضرِب
من يتابع المشهد المتعلق بالإضراب منذ بدايته يستطيع أن يحكم ويقرر بأن الإضراب والتعبير السلمي بشتى الوسائل مشروع ومسموح ولا غبار عليه في القانون، وهو وسيلة من وسائل الضغط على الحكومات حتى تلتفت للأزمة التي يعاني منها الناس؛ فبعض الحكومات تعيش في أحلام وردية وشخوصها لا يتمتعون بمستوى ذكاء يجعلهم يُقدرون عواقب الأمور أو أنهم من المؤمنين دائما بالحلول والمقاربات الأمنية، لكن أن يتطور الأمر ليصبح الإضراب فرضا على الجميع وبرغم أنف جميع سائقي الشاحنات فهذا غير شرعي ولا يمكن السماح به، ناهيك عن السماح برشق الحافلات بالحجارة أو إطلاق النار عليها كما حصل خلال الأيام الماضية، وهو الأمر الذي نرفضه جميعا.
أعتقد بأن الحكومة تتحمل جزءا من التبعات في قتل العميد الدلابيح ولها تأثير كبير في تأجيج مشاعر الناس بطريقة مباشرة وغير مباشرة ؛أولئك الذين قاموا بالإضراب تعبيرا عن حالة الاحتقان التي وصلوا إليها، فأدارت الحكومة ظهرها للجميع واختبأ الرئيس خلف بعض التصريحات وغابت المعالجات الذكية والنموذجية لمثل هكذا مشاكل، وشعر الناس أن الدولة غير مقتنعة بإضرابهم وأن الحكومة لن تغير شيئا من تصرفاتها تجاه القضية، واكتفت بالصمت الذي لا يصنع سوى العدم وتراكم الغضب، فلقد بدأ الإضراب قبل أكثر من أسبوعين وكانت كل الدلائل تشير إلى تفاقم القضية وبكل أسف فإن وسائل الإعلام الرسمية تجاهلت القضية (الأولى ندفع لها من جيوب الشعب 19 مليون سنويا) (والثانية 27 مليون) ولم تتفاعل مع أخبار الناس ووجعهم ولم تنقل الأخبار، فهي ما زالت تمارس الوسائل القديمة في التعتيم وكأن الذي كان يقود المشهد السياسي في الأردن قبل أربعة عقود ما زال على قيد الحياة وفي منصبه لم يُغير ولم يُبدل برغم تطور الحياة وتطور وسائل الإعلام التي بات يدركها الصغير والكبير.
اخرج كفاك اختباء
نعم الحكومة مسؤولة، وإن بقي رئيس الوزراء يقود دفة الأمور بهذه الطريقة التي تدل على ضعف قيادي وضعف إداري وضيق أفق سياسي وعدم امتلاك ذهنية استراتيجية، فكيف يختبىء الرئيس والبلد مضطربة بهذا الشكل والمشاعر تتأجج والنفوس محتقنة، وكيف يختبىء الرئيس ولا نشاهده على رأس الحدث وقمته يقود ويدير ويفكر، فقد يتحول الإضراب في مدينة معان إلى حزام ناسف ينسف معه كل شيء إن لم تُحسن الحكومة الإدارة، وكيف يختبىء الرئيس دون أن يصارح الناس أو أن يقول لهم مثلا بأنه قد أخذ قرارا عاجلا مع الديوان الملكي بتخفيض النفقات الحكومية في كل دائرة ومؤسسة ووزارة حتى يشعر الناس ببعض الصدق وبالقليل من الجدية في حل المشاكل، أو أن نشعر كذلك أن الدولة جادة بالبحث عن مصادر بديلة لتعويض العجز في الميزانية أو أن يقوم الرئيس بتفعيل دور دائرة مكافحة الفساد لتمارس دورا رقابيا لمنع استشراء الفساد الذي نسمع عنه سنويا من خلال تقرير ديوان المحاسبة.
رئيس لا يعلم أنه القائد
مشكلة الرئيس أنه يفكر بعقلية الموظف وليس القائد الذي يستطيع القيادة أو التغيير، فهو موظف في الدولة طوال حياته ولا يستطيع أن يخرج من هذه الدائرة الضيقة، وبلا شك فقد العقلية النقدية في حل المشاكل ناهيك عن عدم امتلاكه للعقلية الاستراتيجية التي نستطيع أن نطمئن إليها ونركن، ويفتقد كما هو واضح للإرادة السياسية الصحيحة التي تجعله يتحرك بقوة، وهو بتعنته يستقوي على الناس ويستقوي على الشعب الذي بدأ يأن من سنوات طويلة، لكنننا سنبقى نعاني من كوارث نتيجة تراكم هذه العقليات في الدولة ثم تجميعها في المجالس السياسية المختلفة لتقوم بقيادة الدولة مرة أخرى بنفس العقلية التي هدمت كل شيء ولا تسمح بأي إصلاح ممكن، فهو سيعود إلى مجلس الأعيان بعد انتهاء ولايته ليراقب ويرسم السياسات ويرفض التشريعات أو يقبلها حتى لو كان من أكثر الناس فشلا!
"كلكم راع وكلكم مسؤول"
الرئيس يتحمل مسؤولية أساسية بسوء إدارته للأزمة والتي أدت الى مقتل الدلابيح رحمه الله وإصابة بعضا من زملاءه، ويتحمل مسؤولية حقيقية كذلك تتعلق بزعزعة استقرار الدولة وعدم شعورنا بالأمن وعن تعطيل الحياة التجارية والاقتصادية لأكثر من أسبوعين ، و يجب على الديوان والعقلاء في الدولة وجميع من يدير الملفات الأمنية والسياسية الالتفات لخطورة الذي يحصل والانتباه لحالة الاحتقان الشعبي المتراكمة ، وقديشتركون جميعا أمام الله في إراقة دم هذا الضابط أو غيره من الجنود بسوء تصرفهم وسوء إدارتهم للملف وعدم تقديرهم لخطورة القضية التي بدأتتتفاقم وتأخذ أبعادا جديدة.ية في الدولة مسؤول أيضا، وهم يشتركون أمام الله في إراقة دم هذا الضابط أو غيره من الجنود بسوء تصرفهم وسوء إدارتهم للملف وعدم تقديرهم لخطورة القضية التي بدأت تتفاقم وتأخذ أبعادا جديدة.