يا لهول ما نرى في غزة!

الصورة
فلسطينيان يقفان على ركام الدمار الذي خلفه عدوان الاحتلال على خانيونس 25 تشرين أول 2023
فلسطينيان يقفان على ركام الدمار الذي خلفه عدوان الاحتلال على خانيونس 25 تشرين أول 2023

غزة اليوم ومنذ سبع عجاف، حولوها إلى سبع بذل واستعداد وتضحيات. على خط النار، تقف بكبرياء الفاتحين على حدود الأمة، تذود عن حياضها، وتقف بشموخ المنتصرين دون مقدساتها، وتظهر بطولات دونها بطولات الفاتحين الأولين. 

يا لهول ما نرى في غزة

يا لهول ما نرى في غزة،، يجلسون في بيوتهم، تحت سقوفهم الآيلة للسقوط، لا يرعبهم القصف المجنون، ولا تخيفهم تهديدات المأفون، بكل هدوء يستقبلون الموت، بكل شجاعة يهيئون نفوسهم لاستقبال صواريخ من لا يرعون في مؤمن إلا ولا ذمة.

يا لهول ما نرى في غزة،، إنهم يستعدون مع كل أفراد عائلاتهم للرحيل، ينامون على أمل الاستيقاظ في جنة عرضها السماوات والأرض، وحتى لا تطمس أسماؤهم، ولا تعرف شخوصهم، يسطرون أسماءهم المباركة على أيديهم، أو سيقانهم، لأنهم يعرفون جيداً وحشية عدوهم، ويعرفون جيداً الموتة التي ينتظرون، يا لهم من قوم لم ترتعد فرائصهم خوفاً، ولم تصتك أسنانهم جبناً، ولم تهتز في أبدانهم شعرة من هول ما يحلق في سماء قطاعهم،، من نذر الموت والدمار.

يا لهول ما نرى في غزة،، يأتي أحدهم خبر رحيل عائلته، التي أمضى حياته في الكد من أجلهم، من أجل تعليمهم، وتكبيرهم، وتربيتهم، من أجل أن يراهم ذات يوم سنداً في شيخوخته، ومعيناً في مرضه، فإذا به وفي لحظة فارقة كاشفة عن معادن قرأنا عنها في تاريخنا الغابر، يهيل عليهم جميعاً التراب، دون أن يهتز إيمانه، أو يتقهقر يقينه، أو تنهار معنوياته، فبعد فراغه من وداعهم، حيث لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، حيث هم أحياء عند ربهم يرزقون، يرجع مرابطاً على ثغوره، واقفاً بشموخه، مؤدياً واجبه، موقناً أن لحظة اللقاء بمن ودع قريبة قريبة. 

ويا لجمال ما تتفوه به ألسنتهم في لحظات الكرب والابتلاءات، الذي دونه الابتلاءات التي شهدناها على مر التاريخ، نعم، يا له من جمال، تنساب هذه التعبيرات كالنسيم الذي يسري في شريان الأمة، فيقوى نبضه، ويزداد تدفقه، فتنتفض الحياة في جسد أنهكته الجراح، وأقعدته الآلام، فتأتي "معلش" كالبلسم الشافي الذي تتعافى به الأرواح، وتسمو على كل الجراح. 

يا لهول ما نرى في غزة،، أطفالهم لا يشبهون أطفالنا، ولا يعرفون من الطفولة ما نعرف، ولا يملكون من أدواتها التي نوفرها لأبنائنا، إنهم أطفال من عالم آخر، لا بل من كوكب غير كوكبنا، في منطقهم، في كلامهم، في ثباتهم، في قوتهم، في شموخهم، في فهمهم، يا أطفال غزة، قزمتم قاماتنا، وأشعرتمونا بحجم تقصيرنا وكم نحن غارقون في ذلنا وهواننا!! 

ما أجمل فهمكم يا أطفال غزة، ما أجمل منطقكم يا أطفال غزة، ما أعظم ما تنطقون به يا أطفال غزة، يسأله المذيع: ماذا تحب أن تكون حين تكبر؟ وبعد لحظات من التأمل في السؤال، يقول: نحن لا نكبر، نحن نولد حتى يقتلوننا.. آه وألف آه يا ولدي، كم أبكيتني يا صاحب الوجه الملائكي، والهدوء الإيماني، بهذه الإجابة القاتلة، التي تسللت إلى أعماقنا، فأحدثت هزة لا بل زلزالاً مهولاً، فجر أعماقنا، وفي الوقت نفسه جمد الدموع في مآقينا.. يا ولدي، وإن مت فإنك تموت ميتة عز وشرف، ميتة تحيي فيها موات أمتك، وتعيد إليها بدمائك المتدفقة البريئة صدق الحياة، وحياة الصدق، نعم يا ولدي، لك الفخر أنك ولدت حيث أنت، مصطفى لأعظم مهمة، وأقدس وظيفة، أن تكون على ثغور أمتك!!

غزة اليوم

غزة اليوم.. تقوم بدور المعلم الكبير، دور الموجه والمرشد، دور القائد الرائد، دور المسعف المداوي، دور من يعيد بناء الأمة على أسس جديدة. 

غزة اليوم.. تحيي في الأمة معاني العزة والكرامة، وتعود بها إلى مربعات الإيمان الأول الذي فيه عزة الأمة وكرامتها، ترجع فيها إلى حيث كتاب ربها وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي إن تمسكت بهما لن تضل ولن تذل أبداً.

غزة اليوم.. تبث في عروق الأمة وشرايينها دماء العزة والكرامة، فلا حياة لمن لم تدب فيهم معاني الحياة، ولم تتجلى فيهم معاني الإيمان، فيزداد حرصهم على المزاحمة في الصفوف الأولى في صلوات الجماعة، لا بل وتتجافى جنوبهم عن المضاجع، في ظلمات الليل، يرفعون أكف الضراعة، ويذرفون دموعهم بين يدي مولاهم سبحانه وتعالى، أن يمكن لعباده، وأن يؤيدهم بجنود من عنده. 

غزة اليوم.. بحاجة لكل جهد مخلص، فلا تستقل جهدك.. فالنصر ومقدماته جهود متراكمة!

دلالات
الأكثر قراءة
00:00:00